يبدو أن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة جديدة من التغيرات الجيوسياسية العميقة، تقودها إسرائيل التي أعادت خلط الأوراق والتوازنات الإقليمية منذ أحداث 7 أكتوبر. مع تصاعد التوترات مع إيران والتركيز المتزايد على برنامجها النووي، باتت تل أبيب ترسم ملامح "شرق أوسط جديد" وفق رؤية رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
منذ فترة طويلة، تبنّى نتنياهو رؤية تهدف إلى إعادة صياغة حدود ونفوذ إسرائيل في المنطقة. يشير المحلل السياسي عماد الدين الخطيب، في مقابلة مع التاسعة على سكاي نيوز عربية، إلى أن "شعور نتنياهو بفائض من القوة" يعود إلى عدة عوامل، أبرزها:
- النجاحات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان، وتراجع النفوذ السوري في المشهد الإقليمي.
- الدعم السياسي من القوى اليمينية والدينية، التي تمنحه 68 صوتًا في الكنيست من أصل 120، مما يعزز موقفه السياسي داخليًا.
- تواجد إدارة أميركية سابقة بزعامة ترامب، حيث أشار الخطيب إلى أن ترامب يرى الأمور بمنطق الربح والخسارة، ما قد يدعم ضربات محددة ضد إيران.
وتستند هذه الرؤية إلى ما وصفه الخطيب بـ"فكرة الشرق الأوسط الجديد"، التي تسعى لتقليص نفوذ إيران وأذرعها الإقليمية، وتوفير بيئة أكثر ملاءمة لإقامة اتفاقيات سلام مع الدول المعتدلة.
تصاعد المواجهة مع إيران و سيناريوهات محتملة
أبرزت صحيفة "جيروزاليم بوست" في تحليلها أن الهجوم الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني، سواء من خلال ضربات جوية أو عمليات خاصة، قد يغير وجه الشرق الأوسط بحلول عام 2025.
ووفقًا للصحيفة، فإن إسرائيل تستعد لاستنساخ عمليات مشابهة لتلك التي نفذتها في مصياف بسوريا، مستهدفة منشآت حساسة مثل "فوردو".
من جهته، يؤكد الخطيب أن البرنامج النووي الإيراني يعتبر "خطًا أحمر" لدى إسرائيل، مشيرا إلى أن هناك انقساما داخل الحكومة الإسرائيلية حول طبيعة الرد، بين تقليص نفوذ إيران تدريجيًا أو توجيه ضربة شاملة لمنشآتها النووية.
نتنياهو.. رؤية تاريخية أم طموح شخصي؟
يرى الخطيب أن نتنياهو يطمح لتسجيل اسمه في تاريخ إسرائيل كزعيم عزز قوتها الإقليمية. ويضيف: "نتنياهو ينظر إلى التحديات من منظور شخصي وتاريخي، حيث يسعى لتعزيز مكانته كأطول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل".
وتابع: "بالنسبة له، إيران تمثل التهديد الأكبر، ولكنه في الوقت ذاته يستخدم هذا التهديد لتوحيد القوى اليمينية خلفه".
ويشير الخطيب إلى أن "المنطقة بحاجة إلى مشروع عربي موحد لمواجهة التحديات الإسرائيلية والإيرانية والتركية". لكنه يرى أن غياب هذا المشروع يفتح الباب أمام مزيد من النفوذ الإسرائيلي.
ويبرز هنا دور إيران، التي أجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق بالقرب من منشآتها النووية، في رسالة واضحة لإسرائيل بأنها مستعدة لأي مواجهة. مع ذلك، يعتقد الخطيب أن إيران تعاني من ضعف داخلي يجعلها أكثر عرضة للضغوط.
إن خريطة الشرق الأوسط اليوم ليست مجرد مسألة حدود ونفوذ، بل تعكس صراعًا أيديولوجيًا وسياسيًا عميقًا بين قوى إقليمية ودولية.
يبقى السؤال: إلى أي مدى ستتمكن إسرائيل من تحقيق رؤيتها للشرق الأوسط الجديد؟ وهل ستؤدي هذه المواجهة إلى استقرار طويل الأمد أم إلى مزيد من الفوضى؟.