كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، عن تفاصيل خطة تعكف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على صياغتها، وتستهدف بالأساس بناء جدار تحت الأرض في رفح المصرية، لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، فيما شبهته الصحيفة بـ"منع شريان الأكسجين عن حماس".
يأتي ذلك في الوقت الذي قال دبلوماسيون ومراقبون في القاهرة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "مزاعم" تهريب أسلحة من مصر إلى حماس غير صحيحة على الإطلاق، خاصة أن السلطات الأمنية عكفت منذ العام 2013 على إغلاق كافة الأنفاق الموجودة في سيناء، في خضم مواجهة مصر للإرهاب والجماعات المتشددة، وهو ما نجحت فيه بشكل كامل خلال السنوات الأخيرة.
كما أشاروا إلى أن مصر سترفض أي خطط إسرائيلية لتنفيذ هذا الجدار، أو إعادة الانتشار العسكري على الحدود معها، ارتباطًا بالرؤية السياسية التي تدعو لضرورة وقف القتال ومنع سيطرة تل أبيب على الأراضي الفلسطينية، أو تقليص حجمها.
ومع دخول حرب غزة شهرها الثالث، وتوسيع إسرائيل عملياتها داخل أنحاء القطاع، عاد "محور فيلادلفيا" الواقع على الحدود بين مصر وقطاع غزة، إلى الواجهة، بالتزامن مع دراسة تل أبيب لخطة إقامة "الجدار الأرضي".
كيف تفكر تل أبيب؟
- وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت طرح على نظيره الأميركي لويد أوستن، الذي زار تل أبيب مؤخرًا، إمكانية بناء جدار عميق تحت الأرض في منطقة رفح المصرية، على أن يكون التمويل أميركياً؛ لمنع تهريب الأسلحة لحماس.
- الخطة تتضمن أن يتم تزويد الجدار الأرضي بتكنولوجيا وتقنيات متطورة وكاميرات ومجسات وغيرها، لتوفير معلومات مشتركة للجانبين المصري والإسرائيلي بشأن ما يحدث في قطاع غزة، ومنع إقامة أنفاق بين غزة والأراضي المصرية على غرار الجدار الذي أقامته إسرائيل بعد عام 2014.
- أوضحت الصحيفة أن الجدار المقترح من الممكن أن يصل طوله إلى 13 كيلومترا، ويتضمن الأساليب التكنولوجية التي توفر مؤشرا على ما إذا كان هناك حفر وشيك في تلك المنطقة، كما يساهم في "قطع" الأنفاق المحفورة بالفعل، مما يجعلها غير صالحة للاستخدام.
- من المنتظر أن يناقش المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت) هذه القضية قريباً، لاتخاذ قرار فيه، مع أخذ موقف القاهرة بعين الاعتبار.
- ذكرت الصحيفة أن القاهرة تعارض عملية إسرائيلية برية في منطقة رفح لعدة أسباب، من بينها إمكانية نزوح الفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية، مؤكدة أنه لم يتم تهريب أسلحة عن طريقها، في حين أشارت تل أبيب إلى أن من أهداف إقامة هذا الجدار في الجانب المصري "ألا تضطر إسرائيل للقيام بعملية عسكرية واسعة رفح جنوبي فلسطين"، على أن يكتفي الجيش الإسرائيلي بهجمات مركّزة وليس عملية برية.
- يعتقد كبار ضباط الجيش الإسرائيلي أنه من المستحيل إنهاء الحرب الحالية إذا ظل "شريان الأكسجين" لحماس نشطًا، إذ أن الحركة ستقف على قدميها بسرعة كبيرة وتستعيد قدراتها.
ما موقف القاهرة؟
كشفت 4 مصادر دبلوماسية وسياسية، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، عن الموقف المُنتظر من مصر إزاء الخطة الإسرائيلية الجديدة.
فمن جانبه، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنَّ "الخطة الإسرائيلية تستهدف بناء هذا الجدار في غير أراضيهم، إذ إن غزة ورفح ليست أرضا إسرائيلية، وبالتالي فمن غير المقبول الموافقة على تنفيذ ذلك".
وأكد أن مصر بينما كانت تحارب الإرهاب في شمال سيناء، أغلقت كافة الأنفاق التي تستخدم للتهريب.
وأضاف: "تلميح الإسرائيليين إلى أن أسلحة حماس دخلت بالتهريب عبر مصر، حديث يفتقر إلى الدليل الواضح، بالنظر إلى أن الفلسطينيين في غزة أمامهم 60 كيلومترا بطول البحر المتوسط، ويمكن بأكثر من وسيلة تهريب الأسلحة إذ إنه لا توجد رقابة مشددة على طول هذه الحدود البحرية".
ولا يعتقد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن مثل الأفكار الخاصة ببناء جدار حول غزة سيحقق الأمن لإسرائيل، قائلًا: "هناك جدار إلكتروني بالفعل مزود بأجهزة استشعار مع غزة، ومع ذلك فشل في منع عملية طوفان الأقصى، وبالتالي مصر لا ترغب في التورط في مثل هذه المخططات".
وشدد الدبلوماسي المصري السابق على أن "أمان إسرائيل ليس في الجدار أو الأجهزة الإلكترونية، بل بالسلام وإقامة الدول الفلسطينية، وبدون ذلك لن يتحقق الأمان مهما فعلوا من إجراءات أمنية".
واتفق مع ذلك أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمستشار المشارك في المفاوضات العربية الإسرائيلية، طارق فهمي، قائلًا إنه "لن يتم تنفيذ هذا الجدار قولًا واحدًا، كما أن هناك تحفظات كثيرة، واعتراضات داخل إسرائيل نفسها على هذه الفكرة".
وأضاف فهمي لموقع سكاي نيوز عربية أن "هذا الجدار الذي تدرسه إسرائيل، لن يوفر الأمن المطلق؛ لاعتبارات متعلقة بطبيعة هذه المنطقة المختلفة عن باقي مناطق القطاع، ومصر سترفض ذلك".
وأوضح أن وزير الدفاع الأميركي ناقش 4 قضايا رئيسية خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، على رأسها العمليات العسكرية الميدانية في عمق القطاع، كما طرح قادة الجيش الإسرائيلي خريطة تضمنت مساحة غزة، وأبدى اعتراضات عليها خاصة في منطقة الشمال الغربي، كما ناقشوا "البناءات الخرسانية" حيث اقترحوا بناء جدار جديد، إضافة لترتيبات الأمن الممتدة لمرحلة ما بعد الحرب.
وقال إن "هذه الأفكار طرحت في سياق ما هو قادم، لكنها لا تزال محل تجاذب ولم يتم الموافقة عليها حتى الآن".
رؤية مصرية
الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، أيمن سمير، قال في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "مصر لا يمكن أن تنسق مع إسرائيل في إنشاء أي جدار أو عزل رفح الفلسطينية، لأن هذا الأمر يتنافى مع الرؤية المصرية التي تدعو لأن تكون هناك وحدة للأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في 4 يونيو 67، وتضم 3 مناطق رئيسية هي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة بالكامل، وبالتالي فوجود إسرائيل في تلك المنطقة لا يتفق مع هذه الرؤية المصرية".
وأعاد سمير التأكيد على أن "بناء جدار أثبت أنه لا يحقق سلاما، خاصة أن الأمن الاستراتيجي يُبنى بالحلول السلمية والسياسية"، موضحًا أن مصر تبني رؤيتها وتصوراتها للمخاطر المتعلقة بالأمن القومي وفقاً لرؤيتها الخاصة، وليس وفقاً للرؤية الأمنية الإسرائيلية.
وأوضح أن المخطط الإسرائيلي يتمحور حول "محور فيلادلفيا" الذي تريد إسرائيل بناء الجدار بالقرب منه، وبالتالي تستطيع مصر أن تعترض على ذلك سياسياً، ولا يمكن أن تشارك فيه أو تنسق مع إسرائيل في بنائه.
ختامًا، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، أن إسرائيل ترغب في إعادة النظر لمحور "فيلادلفيا"، بوضع قدم في تلك المنطقة سواءً من خلال إعادة الانتشار وتموضع القوات، أو بناء منظومة أمنية فيه، وبالتأكيد هذا أمر يرفضه الجانب المصري في هذا التوقيت، ولا يوجد اتفاق عليه.
وأشار إلى أن تلك المنطقة رغم أنها ليست جزءًا من اتفاقية كامب ديفيد، لكنها جزء من اتفاقية الحدود التي وقعت بعد 2005، والاتفاق الملحق بين مصر وإسرائيل لنشر قوات أمنية لمنع التهريب عبر الحدود.
محور فيلادلفيا
- جغرافيا يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، بطول 14 كيلومترا من البحر المتوسط شمالا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبا.
- بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، هذا المحور هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة "فك الارتباط".
- وفي نفس العام وقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكولًا سُمي "بروتوكول فيلادلفيا"، لا يلغي أو يعدل اتفاقية السلام، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، لكن البروتوكول سمح لمصر بنشر 750 جنديا على امتداد الحدود مع غزة، وهي ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.
وأكد الخبير السياسي الفلسطيني أن مصر تؤيد ما يحفظ حق الفلسطينيين في أراضيهم، ولا يمكن بأي حال أن تشارك في خطط تستهدف تقويض سيطرة الفلسطينيين على حدودهم.