بعد انكماش قطاع التصنيع في اليابان على مدى نحو عام، تُظهر بيانات شهر أبريل الجاري اقتراب القطاع من نقطة التعادل، ما يعد مؤشراً لتجاوز القطاع فخ الانكماش، وإمكانية انتعاشه وانعكاس ذلك على مجل أداء الاقتصاد الياباني، وخصوصاً مع الزيادة الواضحة في حجم الصادرات والتي تعود بدورها إلى انخفاض سعر صرف الين.
وارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعي الياباني (PMI) إلى 49.9 في أبريل من 48.2 في مارس، ليظل أقل من عتبة 50.0 التي تفصل النمو عن الانكماش لمدة 11 شهراً على التوالي.
وبحسب مسح جمعت بياناته شركة "إس أند بي غلوبال ماركت انتليغينس"، فإن المؤشر كان الأقرب إلى مستوى التعادل منذ انزلاقه إلى الانكماش في يونيو الماضي، حيث انكمش الإنتاج والطلبات الجديدة، بأبطأ وتيرة في 6 و10 أشهر على التوالي، وهما المؤشران الفرعيان الرئيسيان اللذان يسهمان في الرقم الرئيسي.
وأظهر المسح تحسناً في ثقة المصنعين ونمو التوظيف، وارتفع تضخم تكاليف المدخلات، ما أدى إلى ارتفاع متوسط أسعار الإنتاج بأسرع وتيرة في 9 أشهر، كما أظهرت البيانات تسارع توسع قطاع الخدمات، إذ ارتفع مؤشر مديري المشتريات للخدمات إلى 54.6 في أبريل، وهو أعلى مستوى منذ مايو 2023 من 54.1 في مارس 2023.
وسجلت صادرات اليابان ارتفاعاً للشهر الرابع على التوالي، حيث نمت في شهر مارس بنسبة 7 بالمئة، مقارنة بالعام الماضي، وكانت سجلت في فبراير نمواً بنسبة 7.8 بالمئة مقارنة بنفس الشهر قبل عام، بدعم من تحسن الطلب في الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، بحسب بيانات وزارة المالية.
انخفاض سعر صرف الين يزيد الصادرات وينعش التصنيع
وقال نضال الشعار كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "كل التوقعات تشير إلى أن المصرف المركزي الياباني لن يقوم بتعديل معدلات الفائدة قصيرة الأجل وعلى الأغلب ستكون توقعاته لمعدلات التضخم بنحو 2 بالمئة، في الوقت الذي وصل فيه سعر صرف الين إلى 154.79 ين للدولار هذا الأسبوع وهو أدنى مستوى للعملة اليابانية منذ 34 عاماً تقريباً".
ومن الواضح أن اليابان قد تجنبت وبشكل نسبي الانكماش الاقتصادي نتيجة توسع نشاط المصانع بفضل الزيادة الواضحة في حجم الصادرات والتي تعود بدورها إلى انخفاض سعر صرف الين الأمر الذي جعل سعر البضائع أرخص وأكثر منافسة، بحسب الشعار، الذي أشار إلى أن المعضلة التي تواجهها اليابان حالياً هي المحافظة على التوازن ما بين دعم الين وإيقاف تدهوره وفي الوقت ذاته توفير الدعم الكافي لاستمرار الاقتصاد بالنمو وهو اقتصاد يمكن وصفه حالياً بالهش.
وأوضح الشعار أن "انخفاض سعر صرف الين أسهم بشكل كبير في دعم التصدير إلا أنه لا يزال هناك خطر من حصول ارتفاع في المستوى العام للأسعار من جانب العرض (أي التكلفة)، فاليابان ليست فقط دولة مصدرة فقط وإنما مستوردة أيضاً، فهي تستورد الطاقة وقد أضاف ارتفاع سعر البترول بعداً آخر لاحتمالية ارتفاع معدلات التضخم فوق هدف المصرف المركزي الياباني وهو ما سيدفع المصرف إلى رفع أسعار الفائدة الأمر الذي لم يستبعده حاكم المصرف المركزي كازوو أويدا".
وبالتالي إن حصل ذلك وارتفعت الأسعار بسبب الوضع الجيوسياسي الحالي وارتفاع أسعار الطاقة فإنه سيشكل أذى كبيراً للاقتصاد الياباني وسيدخل المصرف المركزي في دوامة تخفيض التضخم وضرورة رفع أسعار الفائدة في ظل سعر صرف عملة في مستواه الأدنى منذ 34 عاماً، بحسب تعبيره.
ويشير كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا إلى أن الفرق ما بين مستوى أسعار الفائدة على الدولار ومستواها في اليابان يجعل التدخل لدعم الين عن طريق رفع أسعار الفائدة غير مجد لأن المسافة واسعة ما بين الولايات المتحدة وأوروبا وبين اليابان، وهو ما تمت ملاحظته منذ أسبوعين عندما رفع المصرف المركزي الياباني أسعار الفائدة إذ أن سعر صرف الين لم يتحس بل على العكس تدهور أكثر، وبالتالي المركزي الياباني بذكائه المعهود لم يغلق النافذة عن احتمال التدخل لدعم الين بطرق أخرى لكن الشرط كان ألا يؤثر ذلك على المستوى العام للأسعار وهذا ما فعله في عام 2022 عند بداية سعر صرف الين.
وكان البنك المركزي الياباني رفع نسبة فائدته الرئيسية في 19 مارس الماضي واضعاً حداً لسياسة معدل الفائدة السلبي التي كان آخر مصرف مركزي في العالم يعتمدها، حيث كان مصرف اليابان المركزي يعتمد معدلات فائدة سلبية منذ العام 2016 بهدف دعم النشاط الاقتصادي وتشجيع التضخم الذي بقيت نسبته ضعيفة لوقت طويل في اليابان، فجاء قرر المركزي اعتماد معدل فائدة للقروض القصيرة الأجل يتراوح بين صفر و0.1 بالمئة، في مقابل -0.1 بالمئة إلى صفر بالمئة سابقاً.
تغّير هيكلي في السياسة النقدية
وفي ظل التغير الهيكلي في السياسة النقدية والحالة الضبابية يبدو أنه على اليابان أن تنتظر الاستقرار الاقتصادي لشركائها في أوروبا والولايات المتحدة والصين وأن تطمح إلى هدوء على المستوى الجيوسياسي وأن تعالج الأمور بشكل لحظي مع مراقبة البيانات كما يفعل المجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وبالتالي لن تكون اليابان استباقية كما كانت سابقاً إذ من الواضح حالياً أن المصرف المركزي الياباني قد ترك كل النوافذ مفتوحة لاي تصرف سواء كان من الناحية النقدية (رفع أو خفض أسعار الفائدة أو دعم الين) وحتى من ناحية شراء السندات والتيسير الكمي، وفقاً للدكتور الشعار.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "اليابان فعلاً يمكن أن تودع الانكماش، ولكن وفقاً للبيانات الاقتصادية الأخيرة فإن ذلك لن يكون قريباً وذلك نظراً التضخم المتفاوت وتباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة الأجور".
وأضاف بدرة: "الظروف الاقتصادية والجيوسياسية العالمية أثرت على اقتصاد اليابان ودفعته للتراجع إلى المركز الرابع على قائمة أكبر الاقتصادات العالمية بينما تقدم الاقتصاد الألماني إلى المركز الثالث، حيث يعد الاقتصاد الياباني من أهم اقتصادات في العالم ومحرك أساسياً وبنهاية عام 2023 بلغت قيمة الاقتصاد الياباني نحو 4.2 تريليون دولار بينما بلغت قيمة الاقتصاد الألماني 4.46 تريليون دولار".
إن تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من فترة زمنية تسمى (ربع فترة زمنية) دفع وقد دفع الاقتصاد الياباني لانكماش متتالي، ناهيك عن انخفاض الطلب المحلي وتراجع الاستثمارات وعدم قدرة الحكومة على الإنفاق بشكل كبير لزيادتها، وحتى يحقق الاقتصاد الياباني النمو مجدداً قد يحتاج إلى فترة طويلة قد تصل إلى العام 2025، طبقاً لما قاله بدرة.