يشهد قطاع العقارات في أوروبا تحولات جوهرية مع دخول عام 2025، حيث تتجه الأنظار نحو هذا القطاع الحيوي في ظل توقعات بتعاف مدفوع بعدة عوامل أبرزها السياسات النقدية المتساهلة وتغيرات في سلوك المستهلكين.

هذه التطورات تطرح تساؤلات حول مستقبل العقارات في أوروبا. هل ستنجح تخفيضات أسعار الفائدة في تحفيز الاستثمار العقاري وإعادة الحيوية إلى أسواق كانت تعاني من الركود؟ وهل ستكون هذه السياسات كافية لمعالجة التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع؟  

وتوقع تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، أن يشهد قطاع العقارات في أوروبا مزيداً من التعافي في عام 2025، حيث يزداد نشاط الاستثمار وتعود معدلات النمو عبر قطاعات السوق الرئيسية، وأشار التقرير إلى أن الارتفاع التدريجي في المعاملات في عام 2024 سيكتسب زخماً في العام 2025، مع المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة التي يُنظر إليها على أنها تخفف الضغوط على القطاع وتعيد إحياء النمو الباهت من السنوات الأخيرة.

أخبار ذات صلة

ما الذي ينتظر الاقتصاد البريطاني هذا العام؟
عوائد السندات البريطانية تقترب من أعلى مستوياتها منذ 1998

ومن المرجح أن يزيد نشاط الاستثمار العقاري بنسبة 15بالمئة في العام الحالي في جميع أنحاء المملكة المتحدة والأسواق الأوروبية الكبرى الأخرى، بحسب شركة العقارات "CBRE" التي وصفت عام 2025 بأنه عام "محوري" للقطاع العقاري.

وقالت جينيت سيبريتس، ​​رئيسة أبحاث "CBRE" في المملكة المتحدة، "تظهر جميع قيم رأس مال العقارات علامات مبكرة على أنها وصلت إلى نقطة تحول، ومن المتوقع أن تكتسب زخماً طوال الـ 12 شهراً المقبلة، وتشير توقعاتنا إلى عوائد تنافسية في جميع قطاعات العقارات، مع توقع أن تحقق الأصول الرئيسية أقوى أداء".

تعافي قطاع المكاتب

وقدرت شركة العقارات " CBRE" "أن يتعافى قطاع المكاتب في أوروبا بشكل أكبر، مع ارتفاع معدلات الإشغال جنباً إلى جنب مع تفويضات العودة إلى المكتب، الأمر الذي يدفع مستويات التأجير إلى الاقتراب من المتوسطات التاريخية مقارنة بمعدلاتها الهزيلة على مدى السنوات الأخيرة".

وسيكون التعافي في القطاع متبايناً، حيث ستتباعد الإيجارات والتقييمات بين "الأفضل والبقية"، بحسب توقعات شركة " M&G Investments"، التي أشارت إلى أن العرض من المكاتب الأولية أو من الدرجة الأولى سيظل مقيداً وفي طلب مرتفع، في حين سيظل الاهتمام بالأصول الثانوية منخفضاً.

أخبار ذات صلة

ثقة الشركات البريطانية تهبط إلى أدنى مستوى في عامين
دراسة: عبء الضرائب سيتضاعف على عمال بريطانيا خلال 10 سنوات

سوق المساكن

واتفق محللون على أن سوق المساكن مهيأة أيضاً لنشاط أكبر، مع انخفاض تكاليف الاقتراض بشكل أكبر، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الطلب المتوسطة بنسبة 4 بالمئة بحلول نهاية عام 2025 - وهي زيادة عن السنوات الأخيرة، ولكنها تتماشى مع المتوسط ​​​​الطويل الأجل، وفقاً لـ " Rightmove" وفي الوقت نفسه، ستظل الإيجارات مرتفعة مع استمرار قيود العرض.

ومن بين العقارات الرئيسية، من المقرر أن يستمر نمو الأسعار أيضاً، مما يحافظ على مكانة أوروبا كمركز للثروة العالمية، حيث أشارت شركة " Knight Frank" في توقعاتها للعقارات السكنية الرئيسية لعام 2025 إلى "أن ستوكهولم وماربيا ومدريد من المتوقع أن تقود هذا التوجه، حيث سجلت نمواً في الأسعار يزيد عن 5 بالمئة. وفي الوقت نفسه، ستظل لندن وباريس في صدارة أسواق الرفاهية على الرغم من التقلبات السياسية والقيود المفروضة على الأثرياء".

الاتجاهات الرئيسية لعام 2025

وأوضح تقرير الشبكة الأميركية أن المستثمرين سيراقبون عن كثب بعض الاتجاهات الرئيسية التي قد تؤثر على سوق العقارات لهذا العام، حيث ستتطلب أهداف الاستدامة الواردة في المملكة المتحدة وأوروبا تنسيقاً قوياً بين الشاغلين والملاك والمستثمرين والمقرضين، في حين قد تخلق أهداف البناء الجديدة المزيد من الفرص في الأسواق الرئيسية.

ونوه بأنه من المقرر أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر أهمية للقطاع، حيث قال 85 بالمئة من المستجيبين لاستطلاع أجرته شركة " PwC" في عام 2024 إنهم يتوقعون أن يكون للذكاء الاصطناعي بعض التأثير أو تأثير كبير على جميع مجالات العقارات على مدى السنوات الخمس المقبلة، وقد يشمل ذلك حالات الاستخدام الحالية، مثل تعظيم إشغال الفنادق والتنبؤ بأسباب اختيار المستأجر لعقار ما على آخر، أو التطبيقات المستقبلية مثل إدارة العقارات وتحليل السوق.

أخبار ذات صلة

أسعار المساكن في بريطانيا قرب أعلى مستوى على الإطلاق
سوق العقارات الصيني في 2025.. هل ينهض أم يستمر السقوط؟

حركة الفائدة

وفي 12 ديسمبر الماضي، خفض البنك المركزي الأوروبي نسبة الفائدة على الإقراض للمرة الرابعة على التوالي في العام 2024، لتصل إلى 3 بالمئة، من 3.25 بالمئة، وأبقى الباب مفتوحاً لمزيد من التيسير في المستقبل، خاصة مع اقتراب التضخم من النطاق المستهدف، حيث أشار البنك إلى أن معظم مؤشرات التضخم الأساسي ترجح أنه سيستقر عند نحو 2 بالمئة، وهو الهدف المتوسط الأجل للبنك المركزي الأوروبي، بينما كان سعر الفائدة على الودائع قد وصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ أربعة بالمئة في يونيو الماضي.

وبدوره، أبقى المركزي البريطاني في 19 ديسمبر الماضي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 4.75 بالمئة، بينما كان قد خفض معدلات الفائدة بربع نقطة مئوية إلى مستوى 4.75 بالمئة، في نوفمبر الماضي ليكون ثاني خفض للفائدة في العام 2024، بعد أن بدأ المركزي البريطاني دورة التيسير في أغسطس الماضي، حيث أشار صناع السياسات وقتها إلى استمرار تراجع التضخم في التأثير على قرارهم، مضيفين أنه يمكن توقع المزيد من التخفيضات في الفائدة إذا ظل نمو الأسعار مستقراً.

أخبار ذات صلة

دبي.. وجهة عالمية للاستثمار العقاري
هل يتحدى سوق العقارات البريطاني تكاليف الاقتراض المرتفعة؟

العوامل المحركة للتعافي

في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية قال الخبير الاقتصادي علي حمودي: "مع استمرار الاقتصاد العالمي في التعامل مع تحديات ما بعد الوباء والتوترات الجيوسياسية، من المتوقع أن يستعيد سوق العقارات في أوروبا عافيته في عام 2025، انطلاقاً من عدة عوامل تساهم في التوقعات المتفائلة لهذا القطاع، ولكن من المهم بنفس القدر أن نظل حذرين من المخاطر المرتبطة التي قد تؤثر على مسار هذا التعافي".

وأشار حمودي إلى هذه العوامل المحركة للتعافي وفقاً لما يلي:

  • الاستقرار الاقتصادي: مع استقرار الاقتصادات في جميع أنحاء أوروبا تدريجياً، هناك ثقة متجددة بين المستثمرين والمطورين. مع انتعاش نمو الناتج المحلي الإجمالي وتحسن معدلات التوظيف، من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري، مما يخلق بيئة مواتية للعقارات.
  • تطوير البنية التحتية: من المقرر أن يعزز التوسع الحضري المستمر إلى جانب الاستثمارات الكبيرة في مشاريع البنية التحتية، مثل شبكات النقل والمبادرات الخضراء، جاذبية المناطق الحضرية والضواحي. لا يعمل هذا الاتجاه على تنشيط أسواق العقارات القائمة فحسب، بل يفتح أيضاً فرصاً جديدة للتنمية.
  • التقدم التكنولوجي: يعمل دمج التكنولوجيا في البناء وإدارة الممتلكات على تعزيز الكفاءة والاستدامة. تكتسب المباني الذكية والمنصات الرقمية لمعاملات العقارات شعبية متزايدة، مما يجذب المستثمرين والمستأجرين المتمرسين في مجال التكنولوجيا.
  • الدعم الحكومي والسياسات: تنفذ العديد من الحكومات الأوروبية سياسات لتحفيز سوق العقارات، بما في ذلك الحوافز الضريبية، والإعانات للبناء المستدام، وقوانين تقسيم المناطق المريحة. تهدف هذه التدابير إلى تعزيز العرض من المساكن، وخاصة في المناطق الحضرية ذات الطلب المرتفع.
  • أسعار الفائدة والتمويل: من المتوقع أن تستمر بيئة أسعار الفائدة المنخفضة الحالية حتى عام 2025، مما يسهل التمويل بأسعار معقولة لكل من المطورين والمشترين. ومن المرجح أن يؤدي هذا الوصول إلى التمويل السهل إلى زيادة الطلب على العقارات السكنية والتجارية.

أخبار ذات صلة

تركيا.. مبيعات المنازل ترتفع 76% على أساس سنوي في أكتوبر
لماذا يسارع كثير من ملاك العقارات في بريطانيا إلى البيع؟

المخاطر التي يجب مراعاتها

كما تحدث الخبير الاقتصادي حمودي إلى جملة من المخاطر التي يجب مراعاتها على الرغم من توقعات التعافي وفقاً لمايلي:

  • عدم اليقين الاقتصادي: إن احتمالات التقلب الاقتصادي لا تزال قائمة، على الرغم من توقع التعافي، ويمكن لعوامل مثل حرب التعريفات الجمركية مع الولايات المتحدة، وتقلب أسعار الطاقة، والضغوط التضخمية، وعدم الاستقرار السياسي أن تردع الاستثمار وتُبطئ نمو السوق.
  • التغييرات التنظيمية: يمكن أن يؤدي إدخال لوائح جديدة، وخاصة تلك التي تهدف إلى الاستدامة البيئية والقدرة على تحمل تكاليف الإسكان، إلى تغيير ديناميكيات السوق. في حين أن هذه قد تفيد صحة القطاع على المدى الطويل، إلا أنها قد تشكل تحديات قصيرة الأجل فيما يتعلق بالامتثال وتكاليف التشغيل.
  • التحديات المتعلقة بالجائحة: تستمر التأثيرات طويلة الأجل لـ COVID-19 على سلوك المستهلك وأنماط العمل في التطور. قد تقلل اتجاهات العمل عن بعد من الطلب على المساحات المكتبية، في حين أن تفضيل العقارات السكنية الأكثر اتساعاً يعيد تشكيل الأسواق الحضرية.
  • تغير المناخ والمخاطر البيئية: مع تسارع تغير المناخ، قد تواجه العقارات في مناطق معينة مخاطر متزايدة من الكوارث الطبيعية، مما قد يؤثر على تكاليف التأمين وقيم الممتلكات.

ويخلص حمودي إلى أن سوق العقارات في أوروبا في وضع استراتيجي للتعافي في عام 2025، مدفوعاً بالمرونة الاقتصادية والتنمية الحضرية والتكامل التكنولوجي. وفي حين أن التفاؤل مبرر، يجب على المستثمرين التنقل بين التحديات الاقتصادية والتنظيمية والجيوسياسية المحتملة بعناية للاستفادة من الفرص والتخفيف من المخاطر.  ومن خلال الحفاظ على استراتيجيات مرنة وقابلة للتكيف، يمكن للقطاع الاستفادة من الإمكانات الكاملة للتعافي المتوقع وضمان النمو المستدام على مدى السنوات القادمة.

أخبار ذات صلة

تصاريح بناء المساكن الجديدة في ألمانيا تستمر في التراجع
الآلاف يحتجون في إسبانيا بسبب ارتفاع إيجارات المنازل

تخفيضات الفائدة تعزز انتعاش القطاع 

من جانبه، توقع الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن يشهد قطاع العقارات الأوروبي انتعاشاً حقيقياً في عام 2025، مدعوماً بتخفيضات أسعار الفائدة وزيادة النشاط الاستثماري، وأضاف: "ولكن تبقى هناك تحديات تتطلب مراقبة دقيقة، خاصة في ظل التغيرات المستمرة في الاقتصاد العالمي والاعتبارات البيئية والتنظيمية".

 وأوضح أن التخفيضات المستمرة في أسعار الفائدة، التي بدأها البنك المركزي الأوروبي في عام 2024، ستسهم بالتأكيد في تعزيز هذا الانتعاش. إذ أن خفض أسعار الفائدة يسهم في تقليل تكاليف الاقتراض، مما يجعل التمويل أكثر جاذبية للمستثمرين والمشترين فهو نوع من التحفيز المالي الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على العقارات، سواء السكنية أو التجارية، وبالتالي يدعم نمو القطاع. وخاصة إذا صدقت توقعات محللي بنك "غولدمان ساكس”، فقد تصل تخفيضات الفائدة إلى 1.75مع منتصف عام 2025 مما سيعزز فرص الانتعاش العقاري.

وتشير التوقعات بصورة خاصة إلى أن الاستثمار العقاري سيركز بشكل أكبر على الفنادق وتطوير المساكن في عام 2025، مع زيادة محتملة تصل إلى 20 بالمئة مقارنة بعام 2024. هذا التوجه يعكس الاهتمام المتزايد بالقطاعات التي تلبي الطلب المتنامي على الإقامة والسكن، بحسب تعبيره.

ومع ذلك وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية، لفت الخبير الاقتصادي القمزي إلى أن بعض القطاعات، مثل المكاتب، قد تواجه تحديات مستمرة بسبب التغيرات في أنماط العمل وزيادة الاعتماد على العمل عن بُعد. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر الاعتبارات البيئية والمتطلبات التنظيمية على قرارات الاستثمار والتطوير العقاري.