ساعدت عديد من العوامل المختلفة مؤشرات البورصة المصرية على تحقيق زخم -محفوف بالمخاطر- خلال العام 2023، في وقتٍ تعاني فيه المالية العامة في مصر من ضغوطات واسعة، ومع الفجوة الواسعة بين قيمة الجنيه في السوق الرسمية والسوق الموازية، وبما شجع على الاستثمار في الأصول للتحوط المالي من المخاطر الناجمة عن تلك الفجوة، ومع الضغوط التضخمية التي تفرض نفسها على المشهد.
كما استفادت مؤشرات بورصة مصر خلال العام بعديد من التحركات الحكومية، بما في ذلك برنامج الطروحات الحكومية.
وفي التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، ارتفع عدد المستثمرين الجدد بالبورصة المصرية إلى 313.2 ألف مستثمر (311 ألف مستثمر من الأفراد، و2.6 ألف مستثمر من المؤسسات)، مقارنة بـ 131.2 ألف مستثمر خلال نفس الفترة من العام الماضي. ومنذ بداية 2022 وحتى يوليو 2023، تم قيد 9 شركات جديدة.
وخلال التسعة أشهر الأولى من العام، ارتفعت القيمة السوقية للسوق المصرية بحوالي 44 بالمئة. وقد ارتفع رأس المالي السوقي من 900 مليار في بداية السنة، إلى نحو 1.3 تريليون في التسعة أشهر الأولى من العام.
وفي هذا السياق، يتوقع محللون استمرار الزخم الإيجابي لأداء مؤشرات بورصة مصر في العام المقبل 2024، مدفوعاً بالأوضاع الاقتصادية العامة بشكل أساسي.
أحداث اقتصادية مؤثرة
بدوره، يذكر خبير أسواق المال، عضو الجمعية المصرية للمحللين، ريمون نبيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن العام 2023 شهد أكتر من حدث أبرزها اقتصاديا تحريك سعر صرف الجنيه عدة مرات سواء في السوق الرسمية أو السوق الموازية.
ويشير إلى أن أغلب العام 2023 إلى شهر أكتوبر كان تحرك المؤشر الرئيسي في مناطق عند الـ18000 أو الـ18400 تقريبا، وفي الصعود حقق المؤشر قرب 100 أو 104 بالمئة؛ بالمقارنة مع سعر الفتح في ذات العام، واقترب حالياً من 25900.
ويبيّن أن هذا الصعود كان له عدة أسباب من أبرزها استمرار الفجوة السعرية الموجودة بين سعر الصرف في السوق الرسمية والسوق الموازية، والذي يعني فقدان ثقة لشريحة كبيرة من المستثمرين في ضخ سيولة في الأوعية الادخارية الموجودة في البنوك التي كانت غالبا في هذا الوقت 19 بالمئة، وبما دفعهم للتوجه لسوق المال.
ويردف: أيضا الأوعية الادخارية ذات العائد الـ25 والـ22 بالمئة بفعل التضخم والفجوة السعرية خسر أصحابها فارقا يزيد على 25 بالمئة في رأس المال، ومن ثم بدأ المستثمر يبحث عن بدائل استثمارية؛ ما أسهم في ضخ سيولة كبيرة جدًا في البورصة؛ الأمر الذي دفع المستثمر المصري والعربي والأجنبي الذي يمتلك سيولة نقدية إلى الدخول في البورصة واقتناص الأسهم ذات العائد القوي وذات الاستثمارات التي تعود بالدولار.
ويرى أن أغلب الأوعية الادخارية بدأت تنتهي ما بين ديسمبر ويناير وفبراير، ومن ثم لا بد من وجود عائد ادخاري آخر يغري شريحة المستثمرين على الاستمرار في الاستثمار في الأوعية الادخارية، الأمر الذي يصب في اتجاه رفع سعر الفائدة.
وينبّه بأنه حتى الآن أغلب أسهم البورصة المصرية لم تصل إلى 70 بالمئة من قيمتها الحقيقية، بالمقارنة بسعر السوق الرسمي، و40 بالمئة إذا احتسبت بسعر السوق الموازي.
ويتوقع أن يستمر الاتجاه الصاعد خلال عامي 2024 و2025، لكن هذا لا يمنع حدوث هزة للتصحيح وجني الأرباح وسط هذا الصعود، معتقدا بأن يتخطى الـ30 ألف نقطة في 2024، موضحاً أيضاً أن العام 2024 سيشهد مزيداً من الاندماجات والاستحواذات، إضافة إلى برنامج الطروحات.
وثمة فجوة واسعة بين سعر الصرف الرسمي في البنوك والسعر في السوق السوداء، إذ يصل الدولار إلى ما دون الـ 31 جنيهاً رسمياً، بينما يصل إلى حدود الـ 50 جنيهاً في السوق الموازية. وتتوقع الأسواق تعويماً (تحرير سعر الصرف) قادماً للجنيه المصري مع بدايات العام 2024.
وخلال العام، لامس المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية "إيجي إكس 30" مستوى الـ 26 ألف نقطة خلال العام، كما تخطى رأس المال السوقي 1.5 تريليون جنيه.
عوامل الارتفاع
ومن جانبها، تعدد خبيرة أسواق المال، عضو مجلس إدارة شركة الحرية للتداول، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، العوامل التي أسهمت في الزخم الذي حققته مؤشرات البورصة المصرية خلال العام، على النحو التالي:
- وثيقة ملكية الدولة وطرح شركات حكومية في البورصة. وهذا ما جذب المتعاملين العرب والذين كانوا النواة الأولى لارتفاع مؤشرات البورصة وزيادة قيمة التداولات، مع بدء المتعاملين المصريين يتوجهون نفس الاتجاه أيضاً.
- تغيير قيادات السوق أثر بالإيجاب على أداء مؤشرات البورصة. مثل تغيير رئيس هيئة الرقابة المالية ورئيس البورصة (..) أدى ذلك إلى عودة الاهتمام بالتداول في البورصة وأخذها مكانة عند فئات المتعاملين.
- اختلاف سعر الصرف.. (وتوقعات خفض قيمة العملة) مما يعطي قوة شرائية للمتعاملين العرب والأجانب، وهذا يجعل مؤشرات البورصة ترتفع وتجذب المتعاملين للشراء، بما فيهم المصريين أيضاً؛ للمحافظة على أموالهم ضد مخاطر التضخم، الأمر الذي جعل البورصة تدخل كبديل آمن للتعامل والاستثمار في مصر.
- استخدام تطبيقات التداول الإلكتروني، التي جذبت المتعاملين بعد أن بات المتعامل يتداول بنفسه، ومن أكثر الفئات التي باتت تهتم بها هم الشباب. سيما بعدما سمحت هيئة الرقابة المالية لمن في سن 16 إلى 21 سنة، بالتداول دون ولاية الوالد، وهذا أدى إلى انتعاشة في قيم التداولات.
وتضيف خبيرة أسواق المال: "كل هذا أدى إلى تحقيق البورصة المصرية خلال العام ارتفاعات تاريخية لتصل إلى نحو 65 بالمئة واختراق 24700 نقطة"، مشيرة إلى أنه بعد تجاوز الـ 24 ألف نقطة للمؤشر الرئيسي، من المحتمل أن تكون هنالك عمليات جني أرباح.
وتبدي رمسيس، وجهة نظر متفائلة للغاية مدعومة بالمشتريات من قبل العرب والمخاوف من إجراءات تحريك الجنيه مقابل الدولار والذي ما زال الشيء الأكثر سيطرة على تعاملات المتعاملين، والأكثر احترازا بواسطة البورصة.
وعن الشركات والقطاعات المرشحة للصعود أكثر خلال 2024، تعتقد بأن قطاع الخدمات المالية غير المصرفية من القطاعات التي عديد من أسهمها سعرها أقل من قيمتها السوقية.إضافة إلى قطاع الدفع الإلكتروني، الذي شهد تحركات قوية واندماجات ومبادلة ما بين شركات في هذا القطاع. إلى جانب قطاع الكيماويات وخصوصا قطاع الأسمدة، والذي يجد اهتماما من قبل المتعاملين العرب والأجانب، فضلا عن قطاع الرعاية الصحية والأدوية؛ كونها قطاعات ذات طلب مستمر وفرص استثمارية واعدة في الفترة المقبلة، حتى أن أسعارها ما زالت لا تعبر عن قيمتها الحقيقية.
وأظهرت أحدث بيانات البنك المركزي المصري، تراجع معدل التضخم الأساسي الذي يستثني الوقود وبعض المواد الغذائية المتقبلة، إلى 35.9 بالمئة في نوفمبر من 38.1 بالمئة في أكتوبر.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، قال ، إن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 34.6 بالمئة في نوفمبر مقارنة مع 35.8 بالمئة في أكتوبر.
صعود جماعي
وفي هذا السياق، قال العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن البورصة المصرية شهدت خلال العام 2023 صعودا جماعيا في كل القطاعات مع تباين في أداء تلك القطاعات، مشيرا إلى أن هذا الصعود تواصل على مدار 18 شهرا وتحديدا من منتصف 2022.
وحول العوامل التي أدت للصعود، أوضح أنها تعود إلى ارتفاع معدلات التضخم في مصر بدرجة كبيرة وانخفاض قيمة العملة لثلث قيمتها تقريبًا خلال ذات الفترة، إضافة إلى عمليات الاستحواذ التي حدثت وبالأخص من جانب جهات عربية خلال الفترة السابقة، لا سيما في قطاع البتروكيماويات.
وعن مؤشرات السنة الجديدة، يتوقّع سعيد أن تواصل البورصة الزخم، لافتا إلى أن هذا الارتفاع ومحافظة البورصة على اتجاهها الصاعد في الفترة المقبلة سيستمر في ظل عدم استقرار سوق الصرف والتوقعات بمزيد من الانخفاض للجنيه المصري.
وفيما يخص القطاعات والشركات المنتظر أن تحقق أفضل أداءً في البورصة المصرية خلال 2024، يقسم سعيد هذه القطاعات إلى قسمين الأول على المدى من القصير للمتوسط وهو قطاع الخدمات المالية غير المصرفية؛ والثاني على المدى من المتوسط للطويل وأبرزها القطاع العقاري.
ويستبعد أي تأثيرات نتيجة استمرار الحرب في أوكرانيا وحرب غزة أو التوترات الجيوسياسية عموما على أداء البورصة ما لم تحدث تطورات جديدة مهمة.