تواجه شركات صناعة السيارات الأوروبية عاماً جديداً محفوفاً بالتحديات، فعلى الرغم من إطلاق مجموعة واسعة من الطرازات الجديدة لجذب العملاء واستقطاب السوق، فإن ثمة تحديات الهيكلية ومخاوف بيئية تهدد بتقويض الأداء المتوقع للشركات.
وفي ظل هذه الضغوط، يتوقع الخبراء أن تلجأ الشركات إلى تقديم المزيد من الخصومات والعروض الترويجية لدفع عجلة المبيعات، وهو ما قد ينعكس سلباً على هوامش الأرباح.
كما أنه مع المنافسة المتزايدة من شركات السيارات الكهربائية الصينية وسعي المستهلكين للحصول على أفضل قيمة مقابل المال، تواجه الصناعة الأوروبية اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على التكيف والابتكار في مواجهة تحديات متعددة الجوانب.
في 2024 توقف نمو مبيعات السيارات الكهربائية في الأسواق الأوروبية الرئيسية، مع خفض الحكومات لإعاناتها وامتناع الشركات عن إنتاج نماذج جديدة من السيارات الكهربائية مع قواعد الانبعاثات الجديدة الأكثر صرامة في القارة.
لكن تقريراً لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، يشير إلى أنه من المتوقع أن تشهد أوروبا انتعاشاً في مبيعات السيارات الكهربائية هذا العام؛ مع قيام شركات صناعة السيارات بتسليم أكثر من 160 طرازاً إلى السوق.
بينما المسؤولون التنفيذيون يحذرون من أن الأرباح قد تنخفض أكثر بسبب التكاليف التنظيمية والخصومات.
يتوقع ماتياس شميت، وهو محلل سيارات مستقل، أن تقفز مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة، بنسبة 40 بالمئة إلى 2.7 مليون سيارة في 2025، مع اندفاع شركات صناعة السيارات لتحقيق أهداف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، موضحاً أن حصة السيارات التي تعمل بالبطاريات ستتجاوز نطاق 15-17 بالمئة، إلى 22 بالمئة من إجمالي السوق هذا العام. وقال: "نتوقع بالتأكيد انتعاش السوق في عام 2025 بسبب الدفع التنظيمي من الاتحاد الأوروبي".
ولكن عودة نمو مبيعات السيارات الكهربائية ستأتي أيضاً مع ارتفاع تكاليف تلبية قواعد الانبعاثات الأكثر صرامة والمزيد من الخصومات مع سعي المستهلكين للحصول على سيارات بأسعار معقولة.
وفي ظل استمرار ضعف الطلب الأساسي، قال المسؤولون التنفيذيون إن التوقعات العامة لصناعة السيارات الأوروبية لا تزال صعبة في وقت تتزايد فيه المنافسة الصينية وتزايد الحمائية في الولايات المتحدة، بحسب التقرير.
وقدرت هيئة صناعة السيارات الأوروبية أن الغرامات وتكاليف ائتمان الكربون ومبيعات السيارات الكهربائية بخسارة قد تكلف شركات صناعة السيارات 16 مليار يورو (نحو 16.67 مليار دولار) إذا لم يتم تأخير الغرامات في العام 2025. وأظهرت بياناتها الأولية أن تسجيلات السيارات الكهربائية الجديدة في أوروبا انخفضت بنحو 6 بالمئة العام الماضي.
- ابتداءً من هذا العام، سيطلب الاتحاد الأوروبي من شركات صناعة السيارات خفض انبعاثات الكربون من خلال زيادة حصة المركبات الكهربائية المباعة.
- كانت شركات صناعة السيارات والمحللون يراقبون عن كثب المملكة المتحدة، التي أطلقت العام الماضي مخطط حصص المركبات الكهربائية الذي يتطلب أن تكون 80 بالمئة من مبيعات السيارات مركبات خالية من الانبعاثات بحلول نهاية العقد.
- يقدم الأداء في المملكة المتحدة خلال العام الأول من أهداف السيارات الكهربائية مؤشراً مبكراً لكيفية تأثير الضغوط التنظيمية على المبيعات والأرباح.
- ارتفعت تسجيلات السيارات الكهربائية الجديدة بنسبة 21 بالمئة إلى رقم قياسي بلغ 382 ألف سيارة العام الماضي، حيث تفوقت المملكة المتحدة بفارق ضئيل على ألمانيا باعتبارها أكبر سوق للسيارات التي تعمل بالبطاريات في أوروبا لأول مرة.
- ومع ذلك، فإن الخصومات على السيارات الكهربائية لجذب العملاء المترددين في التحول من المركبات التي تعمل بالبنزين تكلف شركات صناعة السيارات مليارات الجنيهات الاسترلينية.
- على الرغم من تخفيضات الأسعار، شكلت الشركات جزءًا كبيرًا من مبيعات السيارات الكهربائية، حيث اختار واحد فقط من كل 10 مشترين من القطاع الخاص طرازًا كهربائيًا.
ونقل التقرير تحذيرات الرئيس التنفيذي لجمعية مصنعي وتجار السيارات في المملكة المتحدة، مايك هاويس، من أن "كمية الأموال المتاحة لتحفيز الطلب سوف تتعرض لضغوط شديدة عندما تكون موارد الشركات المصنعة محدودة للغاية".
ويتوقع المحللون أن يؤدي ضعف الأرباح في أوروبا إلى تراجع الأداء العالمي لشركات صناعة السيارات. وقدر بنك يو بي إس أن الأرباح قبل الفوائد والضرائب لمجموعات السيارات الأوروبية ستنخفض بنسبة 7 بالمئة مقارنة بعام 2024.
وبينما أبدت الشركات اهتماما قويا ببيع المزيد من السيارات الكهربائية هذا العام، قال باتريك هامل، المحلل في يو بي إس: "السؤال هو ما مقدار الخصم الإضافي الذي سنراه من شركات صناعة السيارات لبيع المزيد من السيارات الكهربائية".
وبالإضافة إلى الخصومات والعروض الترويجية، سوف يواجه بعض المصنعين تكلفة إضافية لشراء أرصدة الكربون من أمثال شركة تسلا والمنافسين الصينيين المتقدمين في التحول الكهربائي، من أجل تلبية اللوائح الجديدة للاتحاد الأوروبي.
انخفاض المبيعات والحرب التجارية
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن رابطة مصنعي السيارات الأوروبية، إلى تراجع مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا تراجعاً خلال العام 2024، رغم الاستقرار الذي شهدته سوق السيارات بشكل عام.
تشير البيانات إلى أن إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات بلغ 1.99 مليون سيارة في القارة العجوز، وذلك بانخفاض بنسبة 1.3 في المئة مقارنة بعام 2023.
ويشار إلى أن هذا التراجع يعد الأول بعد عدة سنوات من النمو الواسع لقطاع السيارات الكهربائية في أوروبا، وبما يعزز التساؤلات المرتبطة بمدى قدرة السوق الأوروبية على الاستمرار في الانتقال بعيداً عن السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي.
وهو ما يؤكده المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات في القاهرة، حسين مصطفى، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، والذي يشير إلى أن مبيعات السيارات في أوروبا بالكامل انخفضت بشكل ملحوظ، مرجعاً ذلك للعديد من الأسباب:
- المنافسة الصينية للسيارات الكهربائية على المبيعات في أوروبا دفعت دول الاتحاد الأوروبي نحو فرض رسوم جمركية كانت قيمتها 10 بالمئة لتصل إلى 45.3 بالمئة على السيارات الكهربائية، وذلك للحد من منافسة السيارات الكهربائية الصينية في الأسواق الأوروبية.
- أوروبا تشهد ارتفاعاً في تكاليف الطاقة والعمالة، حتى أن ذلك جعل إنتاج السيارات الاقتصادية ذات التكلفة الأقل غير مربح.
- استثمار شركات السيارات العالمية عشرات المليارات من الدولارات في أبحاث التقنيات لتطوير الصناعة، وهي أبحاث ذات عائد معدوم لا تحقق سوى الخسارة، فتكاليف البحث والتطوير مؤخرا لأكبر 25 شركة سيارات في العالم ارتفعت إلى 266 مليار دولار في عام 2023، بينما متوسط التكلفة عادة يكون أقل من 200 مليار دولار خلال العام الواحد.
- ضعف مبيعات السيارات الأوروبية في الصين، ذلك بعد صعود شركات صناعة السيارات الصينية، ما أدى إلى تآكل أرباح الشركات الأوروبية والأميركية التي كانت تهيمن على السوق الصينية، وتلك الشركات كانت تضع توقعات أرباح قامت بخفضها منها "فولكس فاغن" التي تتعرض حاليا لعمليات إغلاق للمصانع وخطة تسريح 10 بالمئة من موظفيها.
- أوروبا كانت تعتمد على سلاسل إمداد مكونات السيارات، والتي تأثرت بشدة بعد الحرب في أوكرانيا.
ويوضح خبير قطاع السيارات أن الصناعة الأقل تكلفة والأقل سعرًا تهيمن على السوق، لذا تحاول أميركا وأوروبا حماية الصناعة المحلية عبر فرض الرسوم والضرائب، لافتاً إلى أن ما يحدث حالياً بمثابة حرب تجارية من الصعب توقع نتائجها خاصة في ظل إمكانية وجود رد من الجانب الصيني بإقرار ضرائب على السيارات والبضائع المستوردة من أوروبا، وهو ما سيؤدي لخسارة الجميع.
ويشير إلى أن توجه الرئيس الأميركي ترامب بفرض ضرائب على البضائع القادمة من كندا والمكسيك وإمكانية امتدادها إلى دول الاتحاد الأوروبي، تعكس أن العالم أمام مستقبل مجهول بالنسبة لصناعة السيارات الأوروبية والتجارة العالمية، حيث تحاول أميركا السيطرة الكاملة على الاقتصاد العالمي.
شركة الأبحاث Rho Motion تشير إلى أن الحوافز وأهداف الانبعاثات دفعت مبيعات السيارات الكهربائية في الصين وساعدت بريطانيا في تجاوز ألمانيا كأكبر سوق للسيارات الكهربائية في أوروبا في عام 2024.
وبحسب تقرير لـ "رويترز"، فإن شركات صناعة السيارات الكهربائية تتطلع إلى عام 2025 باعتباره عاماً تحولياً مع تباطؤ نمو المبيعات في الصين، وبدء تطبيق أهداف الانبعاثات الجديدة في أوروبا، وتحيط الأسئلة بالتغييرات المحتملة في السياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب.
لماذا تفوقت الصين؟
يقول خبير قطاع السيارات، جمال عسكر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن: صناعة السيارات في أوروبا تواجه مشكلة كبيرة على رأسها تقدم الصين لتصبح معقلاً للصناعة على مستوى العالم، وهو ما يهدد الشركات المنافسة لقطاع السيارات الصيني خاصة التي تعمل بالطاقة الكهربائية.
ويستعرض في هذا السياق العوامل التي دعمت الصين في تقدمها بالصناعة لتكون منافساً قوياً بل تتفوق على سوق صناعة السيارات في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وأبرزها:
- دعم الحكومة الصينية بشكل قوي جميع الشركات المحلية المُصنعة للسيارات الكهربائية؛ بهدف تحقيق رؤى دول العالم العظمى بالعمل على خفض معدلات الانبعاثات الكربونية السامة.
- امتلاك الصين طاقة بشرية كبيرة بأسعار منخفضة عن أوروبا وألمانيا على وجه التحديد والولايات المتحدة، ما يعود على قيمة تكلفة التصنيع بانخفاضها.
- وفرة المواد الخام التي تصنع منها السيارات مما يعظم قيام الصناعة على أعلى مستوى.
- توافر بنية تحتية متميزة وكذلك شبكة قومية للطرق الخاصة بالصين.
- سلاسة سلاسل الإمداد نسبياً.
- استحواذ بكين على نحو 75 بالمئة من الصناعة العالمية لبطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، وهو ما يمثل تحدياً للدول المنافسة لها.
ويؤكد عسكر أن صعود الصين في صناعة السيارات جعلها تواجه حرباً من منافسيها، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى الرسوم التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على السيارات الكهربائية الصينية، للتقليل من استيرادها، إضافة إلى زيادة نسبة التعرفات الجمركية على البطاريات.
وفي مواجهة تلك الحرب، يوضح أن الصين تعمل على فتح أسواق بديلة في البرازيل وهولندا والمكسيك ودول أخرى، سعياً منها لتعويض هذا الفارق مع دول أوروبا.