تجلس الولايات المتحدة الأميركية، على أكبر كومة من الدين العام في تاريخها، ويشعر الاقتصاديون بالقلق حيال هذا الأمر.
تجاوز رصيد الدين الفيدرالي 34 تريليون دولار هذا العام، مع استعداد الحكومة لتراكم ديون أخرى بقيمة تريليون دولار كل 100 يوم ، وفقًا لتقدير بنك أوف أميركا.
يشكل جبل الديون هذا أرضاً خصبة للمشاكل الاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع التضخم، وانخفاض نوعية الحياة، وفي أسوأ السيناريوهات، زعزعة استقرار النظام المالي الأوسع، وفقاً لما نقله موقع "بيزنس إنسايدر" عن ليس روبين، الخبير المخضرم في الأسواق، والذي حذر من تفاقم الأزمة المالية.
ومن الضرورة بمكان بالنسبة للولايات المتحدة أن تبيع ديونها للمستثمرين، الذين يتراوحون بين المؤسسات والأفراد والدول الأخرى. لكن ارتفاع مستويات الديون يلقي بظلال من الشك على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرة على الوفاء بوعودها بمواصلة سدادها، وكلما زاد تردد الناس في شراء سندات الدين الأميركية، كلما زاد الضرر الذي يلحق بالاقتصاد، كما يقول روبين.
- باعت وزارة الخزانة الأميركية ما قيمته 22 تريليون دولار من السندات الحكومية في العام الماضي.
- لكن مزادات سندات الخزانة شهدت أخيراً طلباً ضعيفاً.
- يشير هذا إلى أن المستثمرين قد يواجهون قريباً صعوبة في استيعاب الاندفاع الهائل لإصدار السندات الجديدة.
- قوبلت المزادات الأخيرة للسندات لأجل 10 و30 عاماً بحماس منخفض، حيث يرى المستثمرون ارتفاعاً في أسعار الفائدة الأطول أجلاً واستمرار التضخم.
- ومن المقرر أن تضرب الولايات المتحدة السوق مرة أخرى في شهر مايو ببيع سندات جديدة بقيمة 385 مليار دولار.
التداعيات المحتملة
يقول المدير التنفيذي لشركة VI Markets، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الفترة الحالية تشهد ارتفاعات متتالية على صعيد الديون الأميركية، والتي تخطت الـ 34 تريليون دولار، وفي زيادة مستمرة.
- ارتفاع معدلات الدين يعكس زيادة حجم الضغوط الحالية على الاقتصاد الأميركي.
- هناك انقسام في الآراء تجاه الموقف الحالي، مع تخوف البعض من دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود اقتصادي وفقاعة ديون وبالتالي دخول العالم في ركود تضخمي.
- هذا السيناريو المذكور يصنف كأسوأ السيناريوهات من قبل بعض الاقتصاديين.. ولكن -في تقديري- الولايات المتحدة الأميركية لن تدخل في ركود مع قدرتها على تخطي تحديات الديون الحالية في ضوء التجارب التاريخية السابقة وقدرة الولايات المتحدة على التعلم من دروس الأزمات السابقة وآخرها شهر مارس من العام الماضي عندما حدثت أزمة البنوك (الإقليمية)، والنجاح في إدارة والتعامل مع تلك الأزمة.
ويوضح أن الولايات المتحدة قادرة على امتصاص الأزمات الحالية بدعم من التوجهات القوية لزيادة معدلات إنتاجها في ثلاث قطاعات أساسية؛ ممثلة في: (الذكاء الاصطناعي والطاقة والسيارات الكهربائية)، مؤكداً أن تلك المجالات والتوجهات الحالية بها تدعم القدرة على تخطي الأزمات الحالية عبر زيادة معدلات الإنتاج.
كما يشير يقول المدير التنفيذي لشركة VI Markets، في الوقت نفسه إلى أن العلاقات الإيجابية مع دول الاتحاد الأوروبي ودول آسيا، والإتجاه نحو التوسع بالشركات الأميركية والسيطرة على التجارة العالمية عبر تلك العلاقات الدبلوماسية القوية مع دول الاتحاد الأوروبي، تدعم موقف أميركا، موضحاً أن جميع الدول تمر بتحديات اقتصادية في الفترات الأخيرة، بينما الأمر يعتمد على سرعة التعافي والتعامل مع الأزمة. فيما يتوقع أن يشهد الاقتصاد الأميركي بعض التباطؤ فقط على صعيد معدلات النمو دون حدوث أزمات.
التضخم وأسعار الفائدة
وبالعودة لحديث خبير الأسواق المخضرم روبين، فإنه قال: "ما سيحدث إذا لم نتمكن من بيع الديون هو أن ينتهي بنا الأمر إلى عدم القدرة على العمل كاقتصاد.. وتعيش الحكومة على الديون.. وإذا لم نتمكن حرفياً من بيع ديوننا، فلن نتمكن من دفع فواتيرنا".
الديون نفسها تضخمية بطبيعتها، بما يعني أن المستهلكين يمكن أن يتوقعوا أسعاراً أعلى إذا لم تقم الحكومة بإبطاء اقتراضها.
وذلك لأن الدين يوفر قدراً من التحفيز للاقتصاد، مما يسرع التوظيف ونمو الأجور. وإذا كان الاقتصاد عند مستوى التوظيف الكامل بالفعل، فهذا يعني ارتفاع التضخم أيضاً، وفقًا لجاي زاجورسكي، الخبير الاقتصادي في جامعة بوسطن.
لقد كان التضخم على الأقل نقطة مئوية كاملة أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة خلال العامين الماضيين تقريبًا. وتسارعت الأسعار بنسبة 3.5 بالمئة على أساس سنوي في مارس، وجاء التضخم للشهر الثالث على التوالي أكثر سخونة من المتوقع.
وأضاف زاجورسكي: إن ارتفاع الديون قد يؤدي أيضاً إلى تدني نوعية حياة الأميركيين. وذلك لأنه كلما زاد الدين، كلما اضطرت الحكومة إلى صرف المزيد من الفوائد لخدمة هذا الدين - وكلما قل المال الذي يتعين على الولايات المتحدة إنفاقه على أولويات أخرى مثل الضمان الاجتماعي والأجزاء المهمة الأخرى من شبكة الأمان الاجتماعي.
وأنفقت الولايات المتحدة 429 مليار دولار العام الماضي على مدفوعات الفائدة وحدها، وفقا لبيانات وزارة الخزانة. وهذا يمثل 240% مما أنفقته الحكومة على النقل والتجارة والإسكان مجتمعة.
وقال زاغورسكي: "قريباً جداً، أحد أهم الأشياء التي ستنفق عليها الحكومة الفيدرالية الأموال ليس الدفاع، ولا التعليم. لن يكون على الإسكان، بل على الفائدة".
ناقوس الخطر
المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، يقول في تصريحات خاصة لـموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه:
- (..) ارتفاع معدلات الدين العام الأميركي مقارنة بالناتج المحلي، يعد ناقوس خطر يتطلب وجود خطة للسيطرة على معدلات الإنفاق والاستدانة.
- الولايات المتحدة تعاني من معدلات إنفاق مرتفعة دون نظرة مستقبلية لخفض هذه المعدلات والتحكم بها، وهو ما يعد مشكلة كبيرة.
- أحد مشاكل الاقتصاد الأميركي يتمثل في ارتفاع معدلات الإنفاق في الحكومة الأميركية وعدة جهات تابعة، دون وعي الموظفين بالواجبات على عاتقهم نحو ضرورة الحد من الإنفاق، بل وجود منافسة قوية بين الوزارات على صعيد الإنفاق المالي، اعتقاداً بأن زيادة أوجه الصرف سينعكس على زيادة المخصصات الحكومية لها خلال العام التالي.
- الولايات المتحدة تواجه تحديات أيضاً في ضوء ارتفاع تكلفة خدمة الدين، والذي يتسبب بدوره في خلق مزيد من الدين العام، وهو ما يعد مشكلة في ضوء غياب وجود خطة مالية واضحة للحد من الاستدانة على الأقل.
ويلفت إلى انعكاسات ذلك على الاقتصادات العالمية، لأهمية الاقتصاد الأميركي على المستوى الدولي وتأثيره، مشدداً على أهمية استمرارية معدلات الانفاق بنفس الوتيرة؛ لدعم القدرة على السيطرة على معدلات الدين التي مازالت لم تدخل في مرحلة الضوء الأحمر في ظل وجود معدلات الدين قريبة من الدخل القومي، ولكن المشكلة ستتولد ما لم تقم الحكومة بالعمل وبدء الإصلاح ووضع خطة واضحة للتحكم في الدخل القومي والإنفاق العام.
التداعيات الاقتصادية
فقدان المستثمرين الثقة على نطاق واسع في ديون الحكومة الأميركية كملاذ آمن من شأنه أن يثير اضطرابات في الأسواق المالية، وذلك بفضل الكم الهائل من الديون الأميركية التي تحتفظ بها المؤسسات في جميع أنحاء العالم، بحسب روبين.
وفي أسوأ السيناريوهات، يرى أن الأسواق تنهار إذا ارتفعت مستويات الديون أكثر من اللازم. ويعتقد الناس أن الولايات المتحدة قد لا تسددها.
ويضيف: "إن تريليونات الدولارات الموجودة في الميزانيات العمومية في جميع أنحاء العالم سوف تنخفض قيمتها بشكل كبير أو لا قيمة لها. ويمكن تقليص مدفوعات الفائدة. وستكون هذه ضربة مدمرة للاقتصاد العالمي من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى الفوضى".
- يمكن للنمو الاقتصادي القوي أن يجعل الديون أكثر استدامة، لكن الدين ينمو بشكل أسرع بكثير من الاقتصاد، بحسب تقرير "بيزنس انسايدر".
- ارتفع رصيد الدين الوطني بنسبة 86 بالمئة خلال العقد الماضي، في حين نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 63 بالمئة وفقًا لبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي.
- خبراء الاقتصاد غير متأكدين من الوقت الذي سيصبح فيه الدين الوطني مشكلة حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة.
- إذا لم تتباطأ وتيرة الاقتراض، يتوقع روبن حدوث أزمة من نوع ما خلال العقد المقبل.
دعم إسرائيل
وإلى ذلك، يؤكد عضو الحزب الديمقراطي الأميركي مهدي عفيفي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه:
- هناك زيادة كبيرة على صعيد الدين العام، لا سيما مع الأموال الكثيرة التي يتم توجيهها لإسرائيل بدون عائد، خاصة وأنها تعتبر هبات وليست ديون كما يحدث مع أية دولة في العالم.
- على الرغم من تخوف الاقتصاديين من أن تؤثر هذه الديون على ارتفاع أو زيادة معدلات التضخم وبداية انهيار الاقتصاد الأميركي، إلا أن الاقتصاد الأميركي لايزال في حالة جيدة، وهو ما تؤكده المؤشرات.
ويؤكد أن المشكلة تتمثل في ارتفاع الدين العام، ومع المخاوف المرتبطة بحدوث أي تصعيد في الشرق الأوسط (وانعكاسات ذلك على الاقتصادات)، بينما الولايات المتحدة الأميركية تحاول لهذا السبب بكل الطرق ألا يكون هناك توسع في الصراع في تلك المنطقة مع محاولات للتهدئة مع إيران؛ لأنه في حال نشوب أي صراع سيتسبب ذلك في زيادة أسعار الطاقة ومن ثم التخوف من انزلاق الاقتصاد الأميركي.