في المشهد السياسي الأميركي، تبرز مجموعة من المليارديرات الذين يسعون بقوة إلى إعادة انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة.
يعكس هذا الدعم القوي مجموعة من المصالح الاقتصادية والسياسية التي تتقاطع مع رؤية ترامب للبلاد، من بينها السياسات الاقتصادية التي تبناها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي شملت تخفيضات ضريبية كبيرة للأثرياء والشركات، وتخفيف اللوائح التنظيمية التي تؤثر على الأعمال.
هذه الإجراءات أسهمت في تحقيق فوائد مالية كبيرة للشركات الكبرى والأثرياء، مما جعلهم يميلون إلى دعمه للاستمرار في تنفيذ سياسات تصب في صالحهم.
يرى هؤلاء المليارديرات في ترامب شخصية قادرة على الحفاظ على بيئة أعمال مواتية ومزدهرة، خصوصاً في قطاعات مثل الطاقة والعقارات والتمويل.
سياسات ترامب المتعلقة بتخفيف اللوائح البيئية وتعزيز إنتاج النفط والغاز، على سبيل المثال، تلاقي ترحيباً كبيراً من قبل المستثمرين في هذه الصناعات. بالإضافة إلى ذلك، يتوافق موقف ترامب القوي تجاه المنافسين الاقتصاديين الدوليين، مثل الصين، مع مصالح الشركات الأميركية الكبرى التي تتنافس على الساحة العالمية.
وفي هذا السياق، وتحت عنوان: " لماذا تعمل مجموعة من المليارديرات على إعادة انتخاب ترامب؟"، كتب وزير العمل الأميركي الأسبق، أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، روبرت رايش، مقالاً في صحيفة الغارديان البريطانية، استهله بالإشارة إلى حفل العشاء السري الذي أقامه الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، ورجل الأعمال والمستثمر ديفيد ساكس، للمليارديرات والمليونيرات في هوليوود الشهر الماضي. والغرض منه: هزيمة جو بايدن وإعادة تثبيت دونالد ترامب في البيت الأبيض.
تضمنت قائمة الضيوف بيتر ثيل، وروبرت مردوخ ، ومايكل ميلكن، وترافيس كالانيك، وستيفن منوشين، وزير خزانة ترامب.
- يعمل " ماسك " على رفع مستوى صوت وتكرار خطاباته المناهضة لبايدن على منصة "إكس" التي يمتلكها.
- وفقاً لتحليل أجرته صحيفة نيويورك تايمز، نشر ماسك معلومات عن الرئيس سبع مرات على الأقل شهرياً، في المتوسط، هذا العام.
- انتقد بايدن في قضايا تتراوح بين عمره وسياساته المتعلقة بالصحة والهجرة، ووصف بايدن بأنه "جبهة مأساوية لآلة سياسية يسارية متطرفة".
- تحليل الصحيفة أظهر أنه خلال نفس الفترة الزمنية، نشر ماسك أكثر من 20 مرة لصالح ترامب، مدعيا أن القضايا الجنائية التي يواجهها الرئيس السابق الآن هي نتيجة تحيز وسائل الإعلام والادعاء العام.
لدى ماسك 184 مليون متابع على "إكس"، ولأنه يمتلك المنصة، فهو قادر على التعامل مع الخوارزمية لزيادة عدد الأشخاص الذين يشاهدون منشوراته إلى الحد الأقصى.
ووفق كاتب المقال "لم يذهب أي قائد آخر لشركة تواصل اجتماعي إلى ما ذهب إليه ماسك في دعم القادة الاستبداديين في جميع أنحاء العالم (..)"، على حد وصفه.
يتوافق بعض هذا مع المصالح التجارية لماسك، بحسب كاتب المقال، الذي يرى أن "هناك شيء أعمق يحدث.. إذ يقود ماسك وثيل ومردوخ ورفاقهم حركة ضد الديمقراطية".
دعم الشركات والأعمال
من جانبه، قال رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية الدكتور أكرم حسام، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نجح خلال انتخابات العام 2016 في جذب قطاع عريض من طبقة رجال الأعمال في المجتمع الأميركي من أصحاب الشركات العملاقة وحتى الصغيرة والمتوسطة؛ بسبب:
- تبنيه شعار أميركا أولاً.
- تبنيه بعض الشعارات والسياسات الحمائية التي عاد من خلالها خطوات للخلف فيما يتعلق بمسألة العولمة والانفتاح، خصوصاً أمام الاستثمارات الأجنبية لدول كالصين والتي أشعل معها حرباً تجارية كان لها أكبر الأثر على مستوى الدخل الأميركي ومستوى مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي، خاصة في القطاع الصناعي.
وأضاف خبير العلاقات الدولية: "ما حدث كان محل ترحيب من قبل قطاع كبير من أصحاب الأعمال في الداخل الأميركي، ولذلك يظل من المتوقع تكرار الأمر في انتخابات العام الحالي 2024، على اعتبار أن أجندة ترامب السابقة قابلة للتكرار حالياً حال توليه رئاسة الولايات المتحدة من جديد".
واعتبر حسام أن الأمر المختلف في انتخابات العام الجاري هو الاختلاف النوعي في فئة رجال الأعمال التي استطاع ترامب أن يكون معهم تحالفاً جديداً مثل إيلون ماسك وغيره، فهذا التحالف سببه الرئيسي مواجهة الرئيس بايدن مستغلاً نفوذ هذه الشركات وقدرتها على التأثير في الرأي العام الأميركي والدولي عبر تملكها لأدوات كمواقع التواصل الاجتماعي.
وذكر أن الصراع الدائر في أميركا حالياً هو بين الدولة العميقة ممثلة في المؤسسات المؤيدة للرئيس بايدن وبين التحالف الذي يعبر عنه الرئيس السابق ترامب والذي يمثل الاتجاه اليميني في أميركا الذي يمتلك مواقف قوية ضد مسائل مثل الهجرة والحدود مع المكسيك والقوانين الخاصة بمنح التأشيرات واللجو وغيرها من القضايا المختلفة.
واستطرد: "لابد أن يتم التعامل مع هذه الانتخابات على أنها صراع بين تيارين فكريين وسياسيين في المجتمع الأميركي؛ التيار الليبرالي المعولم والتيار الشعبوي اليميني.. ولكل تيار قواعد شعبية داعمه له".
وواصل: " رجال الأعمال من المفترض أن يكونوا ضمن قواعد التيار الليبرالي، لذلك فإن نجاح ترامب في جذبهم يعتبر ضربة قاصمة لقواعد ومرتكزات الحزب الديمقراطي".
وشدد رئيس مركز السلام للدراسات الاستراتيجية، على أن ترامب طور من أدواته في حملة انتخابات 2024، ومن غير الصحيح أنه يخوض الانتخابات الحالية بنفس الوسائل التي أوصلته للبيت الأبيض في 2016؛ ذلك أن ترامب لديه مهارات خاصة في اللعب على نقاط ضعف المنافس، وسيستغل عدة نقاط لصالحه في هذه الانتخابات وهي:
- الأداء الاقتصادي (الذي لا يرضي كثيراً من المواطنين) لإدارة بايدن، وتعامله مع الملفات الاقتصادية داخلياً وخارجياً.
- سقطات بايدن المتكررة.
- موقف بايدن الضعيف من الصين وروسيا وإيران.
- موقف الرئيس الأميركي الحالي من أزمة غزة.
- موقف بايدن من التيار اليساري بالجامعات الأميركية ممثلا في الشباب الداعم لوقف الحرب والمطالب بوقف التعاون مع اسرائيل.
تدفق أموال المليارديرات
وبالعودة لمقال الوزير الأميركي السابق في الغارديان، فإنه يشير إلى تدفق أموال المليارديرات الآن على انتخابات 2024. وقد ضخت 50 عائلة فقط بالفعل أكثر من 600 مليون دولار في الدورة الانتخابية للعام 2024 ، وفقًا لتقرير جديد صادر عن منظمة أميركيين من أجل العدالة الضريبية . معظم هذا يذهب إلى حزب ترامب الجمهوري.
وقد طلب ترامب أخيراً من مجموعة من كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط جمع مليار دولار لحملته، ووعد بأنه إذا تم انتخابه فإنه سيواجه على الفور العشرات من القواعد البيئية وسياسات الطاقة الخضراء التي اعتمدها بايدن. وقال ترامب إن هذه ستكون "صفقة" للمسؤولين التنفيذيين في مجال النفط من شأنها أن تتجنب فرض الضرائب والتنظيم على صناعتهم.
وفي حديثه في مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير الماضي في دافوس بسويسرا، أشاد جيمي ديمون - رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس، أكبر البنوك وأكثرها ربحية في الولايات المتحدة، وأحد المديرين التنفيذيين الأكثر نفوذاً في العالم - بسياسة ترامب أثناء فترة رئاسته. وقال: "تراجع خطوة إلى الوراء، وكن صادقاً.. لقد نما الاقتصاد بشكل جيد. لقد نجح الإصلاح الضريبي".
لكن كاتب المقال يوضح أنه في عهد ترامب، فقد الاقتصاد 2.9 مليون وظيفة. حتى قبل الوباء، كان نمو الوظائف في عهد ترامب أبطأ مما كان عليه في عهد بايدن.
وذهبت أغلب فوائد التخفيض الضريبي الذي أقره ترامب إلى الشركات الكبرى مثل جيه بي مورغان تشيس والأفراد الأثرياء مثل ديمون، في حين أحدثت التكاليف فجوة هائلة في عجز الموازنة. ولولا تخفيضات ترامب الضريبية، إلى جانب تخفيضات بوش الضريبية وتمديداتها، لكانت نسبة الدين الفيدرالي إلى الاقتصاد الوطني في انخفاض الآن.
توافق المصالح
خبير العلاقات الدولية والشؤون الأميركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن عدداً كبيراً من المليارديرات يدعمون الرئيس الأميركي السابق؛ لأن السياسات الاقتصادية لترامب تتوافق مع مصالح رجال الأعمال، فهو يميل إلى خفض الضرائب على الشركات الكبرى؛ لأن هذه السياسة سينتج عنها:
- توسيع استثمارات الشركات .
- زيادة فرص العمل، وهو ما يسهم في تحقيق معدلات تشغيل كبيرة في الولايات المتحدة.
وأضاف سيد: "ترامب خلال عامين عقب فوزه في انتخابات 2016 حقق معدلات توظيف مرتفعة وخفض البطالة، لكن أزمة كورونا في العام 2020 أطاحت بهذه المجهودات وقضت على ما قام به من إنجازات اقتصادية؛ بسبب الإغلاق الذي غلب على الاقتصاد الأميركي والعالمي في هذه الفترة".
وتابع خبر الشؤون الأميركية: الإجراءات التي اتخذها ترامب ومنها فرض الضرائب على المنتجات القادمة للبلاد من الخارج عززت من مكانة وقوة منتجات الشركات الوطنية وأهلتها للمنافسة في السوق الأميركية.
وواصل: "في المقابل سياسات الرئيس بايدن الحالية لا تتوافق مع رغبات كبار رجال الأعمال؛ لأنه ينتهج سياسة فرض المزيد من الضرائب؛ لتمويل الإنفاق العام والخدمات العامة ودعم الأسر الفقيرة والمتوسطة وهو ما يتعارض مع سياسة هذه الفئة من ملاك كبرى الشركات الأميركية.