في ظل تراجع الأسهم الصينية إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، تكثف الحكومة إجراءاتها لوقف هذا الانخفاض في محاولة لتعزيز الثقة بالسوق وبالتالي دعم الاقتصاد، إذ بعد توجهها أخيراً لضخ السيولة في السوق من خلال خفض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك تعمل الآن على كبح بيع الأسهم على المكشوف ما يدفع مهتمين وخبراء للتساؤل فيما إذا كانت هذه التدخلات من قبل السلطات الصينية مجدية؟
هذا التوجه يأتي بعد فشل تدخل الدولة في وقف انخفاض الأسهم بعد شرائها لأـسهم البنوك حيث تم محو أكثر من 6 تريليونات دولار من القيمة السوقية للأسهم الصينية وهونغ كونغ منذ ذروتها في عام 2021، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ، التي ذكرت أن أكبر شركة وساطة للأوراق المالية في البلاد، وهي مملوكة للدولة، تعمل على تعليق البيع على المكشوف لبعض العملاء في أسواق البر الرئيسي.
فما هو البيع على المكشوف؟
البيع على المكشوف هو عملية اقتراض للأسهم بسعرها الحالي مع عمولة إقراض من الوسيط بهدف بيعها بسعر السوق ومن ثم إعادة شراءها من السوق بأسعار أقل من تلك التي تم البيع فيها ويعيد بذلك المستثمر الأسهم المقترضة للوسيط محققاً ربحاً جراء تراجع الأسهم.
وتم العمل بالبيع على المكشوف رسمياً في سوق الأوراق المالية الصينية في مارس 2010 بعد إطلاق برنامج تجريبي في عام 2008، وكان 90 سهماً فقط مؤهلاً للبيع على المكشوف في البداية، ومع مرور الوقت توسعت القائمة، وبحلول عام 2024، تم السماح ببيع أكثر من 3000 سهم ومنتجات متداولة في البورصة على المكشوف، لكن توقفت شركة سيتيك سيكيوريتيز المملوكة للدولة، وهي أكبر شركة وساطة في الصين، عن إقراض الأسهم للمستثمرين الأفراد ورفعت المتطلبات للعملاء من المؤسسات، وفقًا لتقرير بلومبرغ.
كما يشير التقرير إلى أن شركة China Securities Co. وشركة GF Securities Co. تحظران على العملاء استخدام قروض الهامش لشراء وإرجاع الأسهم التي باعوها على المكشوف، حيث يُنظر إلى هذا السلوك على أنه خطر متزايد لأنه يسمح للعميل بمضاعفة الرافعة المالية، وفي شهر أكتوبر الماضي، شددت الجهات التنظيمية متطلبات الهامش لصناديق التحوط ما يتطلب من أولئك الذين يرغبون في بيع الأسهم على المكشوف أن يحتفظوا بنسبة 100 بالمئة من قيمة الصفقة في حساباتهم. وأجبر أمر لاحق في نوفمبر الماضي شركات السمسرة على وضع حد أقصى لحجم أعمالها في مجال إقراض الأوراق المالية.
وفي عام كامل لم تستطع مؤشرات الأسهم الرئيسية في ثاني أضخم سوق مالي في العالم (أصولها تتجاوز 8 تريليونات دولار) اللحاق بأداء نظيراتها الأميركية والأوروبية واليابانية وذلك بعد أن تراجع مؤشر شنغهاي 12 بالمئة ومؤشر شنغهاي بين 19 و50 بالمئة وكذلك شنغهاي 300 21 بالمئة، لكن الأسهم المتعثرة تلقت جرعة إيجابية بعدما ضخ المستثمرون نحو 12 مليار دولار في صناديق الأسهم الصينية في الأسبوع المنتهي يوم الأربعاء الماضي في أكبر تدفق منذ 2015 وثاني أكبر تدفق على الإطلاق.
وبحسب تقرير لـ "بنك أوف أميركا"، ارتفع مؤشر Hang Seng بنسبة 5 بالمئة في الأسبوع الماضي، وهو أفضل أداء له منذ يوليو الماضي، وارتفعت الأسهم القيادية المحلية بنسبة 1.5 بالمئة.
منع المضاربة وتحقيق الربح السريع
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة "Equiti" رائد الخضر: "مع التراجعات التي شهدناها في الأسهم الصينية تسعى الدولة إلى تقليص هبوط الأسواق من خلال تعليق البيع على المكشوف عبر أكبر وسيط للأوراق المالية في البلاد، ويُفهم هذا الإجراء على أنه ليس منعاً لبيع الأسهم، ولكنه يهدف لمنع المضاربة على أسعار الأسهم والذي يهدف إلى الربح السريع ما يزيد من تقلبات الأسعار ويعمق التراجعات، وهذا القرار جاء في أعقاب تراجع قيمة الأسهم في الصين وهونغ كونغ، بأكثر من 6 تريليونات دولار منذ ذروتها".
وبعد فترة طويلة من الإغلاقات والتضيق على القطاع الخاص وقطاع التكنولوجيا إلى جانب "الإيديولوجيات السياسية" التي أدت الى زيادة التوترات مع الولايات المتحدة وتراجع حصة الصين من الأسواق العالمية، فإن خطوة منع البيع على المكشوف ضرورية حالياً للحد من التداول غير المستقر الذي شهدناه مؤخراَ، وقد نرى ارتداداً إيجابياً للأسواق بعد موجات البيع الكبيرة والتوجه الى أسواق آسيوية أخرى مثل تايوان واليابان وحتى عالمية مثل الولايات المتحدة والتي أعطت فرصاً أفضل ومردوداً أقوى خلال السنوات الثلاث الماضية ما أوجداً فرصاً لشراء الأسهم الصينية بأسعار "رخيصة" مقارنة بالأسواق الأخرى بحسب الخضر.
تراجع ثقة المستثمرين يجعل الخطر مستمراً
وبالإضافة إلى ذلك، يرى الخضر أن هذه الخطوة قد تعتبر بداية لتصعيد محتمل من السياسات الداعمة بعد التدخلات "غير الرسمية" سابقاً لمحاولة وقف تدفق الأموال إلى الخارج.
ولكن رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة "Equiti" يؤكد أن الخطر في الأسواق الصينية مستمر بسبب تراجع ثقة المستثمرين بالسياسات الصينية ما يؤكد أهمية رؤية سياسات واضحة على أرض الواقع تعالج قضايا رئيسية مثل القطاع العقاري والاستهلاك المحلي والبطالة ومخاوف قطاع التكنولوجيا لتحقيق نمو مستدام في أسواق الأسهم الصينية.
علاج قصير المدى
من جهته، يقول الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons" علي حمودي: "تحركت الصين للحد رسمياً من البيع على المكشوف بعد فشل الجهود غير الرسمية في وقف عمليات البيع المتفاقمة في سوق الأسهم، إذ لن يُسمح للمستثمرين الذين يشترون الأسهم بإقراضها للبيع على المكشوف خلال فترة إغلاق متفق عليها، في بورصتي شنتشن وشانغهاي".
ويتعرض المنظمون في الصين لضغوط متزايدة لوقف عمليات بيع الأسهم، والتي غذتها حالة عدم اليقين بشأن آفاق النمو الاقتصادي في البلاد، وفي الآونة الأخيرة أيضاً قامت السلطات الصينية بتشديد حركات تدفق رأس المال إلى الخارج عن طريق الحد من الوصول إلى الأموال التي تستثمر في الأوراق المالية الخارجية، طبقاً لما قاله حمودي.
ورداً على سؤال فيما إذا كان لهذه الخطوة الأثر المنشود على السوق أجاب حمودي: "قد يكون لهذه الخطوة تأثيراً محدوداً من حيث استقرار السوق، حيث تظهر بعض التقديرات أن رصيد إقراض الأوراق المالية أو البيع على المكشوف ليس له حجم كبير، ومع ذلك، يبدو أن هذا الإجراء هو علاج قصير المدى، ويفتقر إلى أي دواء فعال لمعالجة الأسباب الجذرية التي ساهمت في الانهيار الأخير في سوق الأسهم".
ويرى الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons" أن قدرة سوق الأسهم الصينية على الاستقرار ستظل تعتمد على الثقة، حيث تعرض المستثمرون المحليون لخسائر كبيرة نتيجة لهبوط السوق".
وكان الرئيس التنفيذي لشركة "Intermarket Strategy" أشرف العايدي أشار في حديث سابق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن هناك نوعين من التدخلات المالية والاقتصادية التي تتميز بها الصين عن غيرها لمحاولة تعزيز الثقة بالسوق الأول هو منع بيع الأسهم على المكشوف وهي حلول مؤقتة تشجع المستثمرين الكبار على شراء الأسهم، والثاني هو ضخ السيولة في السوق وتخفيض الفائدة لكن التأثير الإيجابي لهذه الإجراءات سيكون مؤقتاً أما استمرار هذا التأثير فيعتمد على توجهات البنوك المركزية الأخرى في التوقف عن رفع أسعار الفائدة.