تشهد العلاقات الروسية الصينية تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ما أثار قلقاً متزايداً لدى الدول الغربية، فقد عمّقت موسكو وبكين تعاونهما الاستراتيجي على عدة جبهات؛ بما في ذلك المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
هذا التعاون يتجسد بشكل أساسي من خلال اتفاقات ضخمة تتعلق بالطاقة والموارد الطبيعية، فضلًا عن التعاون في مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تخدم مصالح البلدين.
وتستفيد الصين من الغاز والنفط الروسي لتلبية احتياجاتها المتزايدة، بينما تعزز روسيا علاقتها مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم في مواجهة العقوبات الغربية.
وتتحد روسيا والصين في مواجهة النظام الدولي الذي تسيطر عليه القوى الغربية، ذلك أن كلا البلدين يسعيان إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بحيث تكون لديهما مزيد من النفوذ والقدرة على اتخاذ القرارات العالمية دون الخضوع للضغوط الغربية.
وهذا يظهر بشكل واضح في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.
كل هذه العوامل تثير مخاوف الغرب الذي يرى في هذا التحالف تهديدًا مباشرًا لنفوذه الجيوسياسي.
ويخشى القادة الغربيون من أن يؤدي هذا التعاون إلى إضعاف قدرة الغرب على فرض عقوبات فعّالة أو الحفاظ على التفوق العسكري والتكنولوجي.
كما أن الغرب يخشى أن يتم استخدام هذا التحالف لإعادة تشكيل النظام الدولي بطرق تضر بمصالحه الاستراتيجية، خاصة في مجالات مثل الأمن السيبراني، الطاقة، والاقتصاد.
الصين وإيران
وفي هذا السياق، ذكر تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن:
- المسؤولون الأوروبيون يشعرون بقلق متزايد إزاء التعاون العسكري الروسي مع كل من الصين وإيران؛ في ظل تقاسم موسكو خبراتها الدفاعية المتطورة مع اثنين من أهم مورديها للحرب في أوكرانيا.
- ارتفعت التجارة الصينية مع روسيا بشكل كبير على مدى السنوات الثلاث الماضية، مما أدى إلى تعويض العقوبات الغربية وتوفير المكونات لمصانع الأسلحة في موسكو.
- كما تزود إيران روسيا بإمدادات كبيرة من الأسلحة مثل الطائرات بدون طيار الهجومية.
ووفق التقرير، فإنه على مدى الأسبوع الماضي، تبادل المسؤولون الأميركيون والأوروبيون معلومات استخباراتية حول مقدار المعرفة العسكرية والرؤى الدفاعية التي تقدمها روسيا للصين وإيران، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب كبرى على القدرات العسكرية المستقبلية للبلدين.
وأطلع نائب وزير الخارجية الأميركي، كيرت كامبل، كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على مساعدة روسيا للصين في مجال الغواصات المتقدمة والصواريخ وقدرات التخفي ، في مقابل الإمدادات الصينية لآلتها الحربية.
كما ناقش المسؤولون البريطانيون والأميركيون مشاركة روسيا للتكنولوجيا مع إيران والتي يمكن أن تساعد برنامجها للأسلحة النووية - بما في ذلك خلال زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى البيت الأبيض.
وتثير هذه الترتيبات المتبادلة مخاوف المسؤولين الدفاعيين الأوروبيين لسببين.
- أولا، يشعر القادة الأوروبيون بالقلق إزاء قدرة الصين وإيران على استخدام التكنولوجيا الروسية لتعزيز قدراتهما العسكرية، وتهديد أصولهما الدفاعية - أو أصول حلفائهما - في جميع أنحاء العالم.
- ثانياً، هناك قلق عميق بشأن ما قد تكشفه مثل هذه الخطوات عن الحالة الذهنية للكرملين. ففي الماضي كانت روسيا حريصة على حماية تقدمها العسكري، وخاصة من المنافسين المحتملين في المستقبل مثل الصين. ويرى البعض أن تداول معرفتها الآن يعد علامة على التهور المتزايد.
وقال كامبل إن الولايات المتحدة تتقاسم "البيانات والمقاييس الواضحة" مع حلفائها الأوروبيين بشأن ما وصفه بـ "التعاون المثير للقلق" فيما يتعلق بـ "التصميم والبحث والتطوير والتطبيق" العسكري الروسي.
وأوضح في إشارة إلى الروابط بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية: "نحن نتعاون بشكل وثيق بشأن الخطوات التالية. إنه موضوع مثير للقلق حقًا".
مصدر قلق
الكاتب والباحث الروسي ديمتري بريجع، أشار في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن التعاون المتزايد بين روسيا والصين يشكل مصدر قلق لأوروبا على عدة مستويات، فهذا التعاون يعزز من القوة الاقتصادية والجيوسياسية لكلا البلدين، مما يؤدي إلى تقليص نفوذ أوروبا على المسرح العالمي.
وأكد أن المخاوف الأوروبية تزداد من احتمال أن يؤدي هذا التحالف إلى خلق محور عسكري واقتصادي جديد يمكن أن يهدد الأمن الأوروبي، خاصة مع التوترات المتصاعدة بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا.
ومن بين الأسباب التي تجعل أوروبا تشعر بالقلق، لفت بريجع إلى أن التعاون بين روسيا والصين يمتد إلى مجالات حيوية مثل الطاقة والتكنولوجيا، وهذا التعاون يسهم في زيادة استقلالية روسيا ويقلل من تأثير العقوبات الأوروبية المفروضة عليها.
كما أن الانفتاح الصيني على السوق الروسية قد يؤدي إلى تعزيز النفوذ الصيني في آسيا الوسطى، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لأوروبا.
وأضاف: "هذا التعاون قد يسهم في تعزيز الاقتصاد الروسي، مما يمكن موسكو من تمويل المزيد من العمليات العسكرية، مثل ما يحدث في أوكرانيا، وهو ما يزيد من حدة التوتر مع الغرب. بالإضافة إلى ذلك، تخشى أوروبا من أن تعزيز العلاقات العسكرية بين روسيا والصين قد يؤدي إلى تغيير ميزان القوى في آسيا وأوروبا الشرقية".
كما أوضح أن ثمة مخاوف من أن هذا المحور الروسي-الصيني قد يدفع دولًا أخرى في آسيا إلى التقرب من هذا التحالف، مما قد يؤدي إلى عزلة جيوسياسية لأوروبا، مضيفاً: التكنولوجيا الصينية قد تساعد في تعزيز القدرات العسكرية الروسية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن أوروبا. كما أن التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة قد يقوض جهود أوروبا للتحرر من الاعتماد على الطاقة الروسية.
وفي ظل الحرب الاقتصادية المتزايدة بين الغرب والصين، أشار بريجع إلى أن التعاون الروسي-الصيني قد يشكل جبهة موحدة ضد المبادرات الأوروبية في مجالات الاقتصاد والأمن العالمي. كما أن تزايد حدة المنافسة العالمية، بجانب التحالفات الاقتصادية مثل تحالف بريكس، يشكل ضغطًا إضافيًا على أوروبا، حيث يُظهر تحرك روسيا والصين نحو تعزيز نفوذهما في أفريقيا تغييرات جيوسياسية واقتصادية هامة.
وأوضح بريجع أن روسيا تركز أكثر على الاهتمامات العسكرية، بينما تركز الصين على المعاملات التجارية والاقتصادية، وهو ما أتاح لروسيا فرصة مواجهة العقوبات الغربية من خلال تدفق البضائع الصينية إلى السوق الروسي.
الغرب شريك هام للصين
من جانبه، أوضح الاستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الوضع الجيوسياسي العالمي الحالي يكشف بوضوح عن وجود الولايات المتحدة الأميركية كقطب أوحد يجمع بين القوة العسكرية والاقتصادية، مما يجعلها القوة المهيمنة عالمياً.
وأشار إلى أن الصين وروسيا معاً يمكن أن يشكلا قطباً ثانياً، حيث تعتبر روسيا قوة عسكرية عظمى بينما تمثل الصين قوة اقتصادية متنامية تطمح لتكون الوجهة الاقتصادية الأولى عالمياً.
وأكد القليوبي أن مخاوف الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، من تحالف روسيا والصين قد تكون مبالغاً فيها. فالصين، رغم طموحاتها الكبيرة، لا تستطيع الاستغناء عن شراكتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي لتحقيق أهدافها. وأوضح أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا لا تزال أقل وزناً مقارنة بعلاقات الصين مع الغرب، لافتاً إلى أن عديداً من المصارف الصينية تلتزم بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وأضاف أن الشراكة بين الصين وروسيا، خاصة في مجال الطاقة، تهدف بشكل أساسي إلى تأمين النفط بأسعار تفضيلية، ما يتيح للصين تحقيق مكاسب اقتصادية دون التصعيد إلى مستوى استراتيجي يُزعج الغرب.
وأشار إلى تأجيل تنفيذ مشروع خط أنابيب "سيبيريا 2" كمثال على رغبة الصين في الحفاظ على التوازن في علاقاتها الدولية، حيث تحرص على عدم توتير العلاقات مع أوروبا والغرب.