أثار مقترح بجمع الأدوية المتبقية من استخدام المواطنين في البيوت، وإعادة توظيفها بشكل يحقق فائدة اقتصادية، ويخدم منظومة الدواء بالبلاد، نقاشا برلمانيا في مصر.
وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة المصرية، يبلغ حجم سوق الدواء في مصر نحو 300 مليار جنيه، حيث تستهلك المستشفيات والمرافق الطبية الحكومية ما يقرب من مليار دولار أدوية سنويًا، وهو ما يمثل نحو 25% من الاستهلاك العام للدواء في مصر.
وتصرف وزارة الصحة ما قيمته 40 مليار جنيه سنويا، أدوية مجانية للمرضى سواء من خلال وحدات صحية، أو علاج على نفقة الدولة، أو قوائم انتظار، بخلاف استهلاك قطاع المستشفيات الجامعية، وقطاع المجتمع المدني، والقطاع الخاص.
وقال وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار في وقت سابق إن 25% الأدوية تصرف في غير محلها نتيجة عدم وجود ضوابط لصرفها، مثل الضوابط العالمية.
وتستورد مصر نحو 92% من مدخلات صناعة حاجتها من الدواء وتنتجه محليا، فيما تستورد 8% أدوية مصنعة بالكامل من الخارج، بحسب تقرير للجنة الصحة بمجلس الشيوخ المصري عام 2022.
الاستفادة بدلا من سلات القمامة
المقترح الجديد تقدمت به عضوة مجلس الشيوخ، حنان سليمان، خلال جلسة برلمانية خصصت لمناقشة أزمة الأدوية وأسباب نقص بعض الأصناف، مؤكدة ضرورة إيجاد وسيلة لجمع متبقيات الأدوية لدى الناس في البيوت وتوظيفها بدلاً من أن ينتهي بها الحال في سلات القمامة مما يهدر ملايين الجنيهات.
النائبة حنان سليمان تحدثت عن مقترحها مع موقع «سكاي نيوز عربية»، قائلة إنها طالبت «هيئة الدواء بالتعميم على الصيدليات بأن يكون صرف الدواء بروشتة طبية وبالكمية الموصوفة من الطبيب بالضبط، بحيث لا يتبقى شيء من الجرعة لوقف إهدار الأدوية".
وأضافت أن "المقترح يقوم أيضا على جمع الأدوية المتبقية لدى الناس دون مقابل؛ لأن هذه الأدوية على أي حال تلقى في القمامة أو يتم التبرع بها للمساجد أو الكنائس أو لمؤسسات خيرية ولا نعرف مصيرها، ومن ثم جمعها من جانب هيئة الدواء وفحص سلامتها وتوزيعها على المستشفيات والصيدليات الحكومية لصرفها مجانا للمواطنين".
نهم لتخزين الأدوية
وتقول النائبة إن"هناك من يشتري الدواء بكميات كبيرة ويخزنه مثلما يخزن السكر والزيت، والدواء لا يتحمل التخزين السيئ، ويفسد في النهاية".
ومع التضخم المتزايد والارتفاع المستمر للأسعار في مصر، ظهرت ممارسات تتمثل في شراء السلع وتخزينها، وقد انسحب الأمر على بعض الأدوية التي يراها البعض من الأساسيات ولا تصرف بروشتة طبية، وهو ما حذرت من عواقبه السلطات مؤكدة على توافر السلع وعدم الحاجة للنهم في شرائها وتخزينها.
وسيلة لجمع الدواء
سليمان التي كانت تشغل منصب عميدة كلية العلوم بجامعة بني سويف، قالت إنها طالبت كذلك بإيجاد وسيلة لجمع الأدوية المتبقية لدى الناس.
وشددت على أن ممثل هيئة الدواء أشاد بالمقترح خلال الجلسة البرلمان، مؤكداً دراسته مع الجهات المعنية، وتحديد سبل تنفيذه بشكل يحقق الفائدة.
وأكدت أن مقترحها "لا يعني أنها تلقي باللوم في أزمة نقص الدواء على الناس وتبرئ الجهات المعنية، ولكن هذا أحد السبل والوسائل لتخفيف حدة الأزمة".
صناديق تبرعات بالصيدليات
نقيب صيادلة القاهرة، محمد الشيخ، قال لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "المقترح مهم ومفيد، وعلى الجهات المعنية التي تعمل على دراسته أن تحدد وسيلة تضمن تطبيقه بشكل يحقق الغرض النافع للمجتمع منه".
وتابع أنه من واقع دوره نقيباً لصيادلة القاهرة وعضواً بمجلس الشيوخ أيضاً، اقترح على الجهات المعنية أن تكون هناك صناديق بكل الصيدليات يضع الناس فيها أدويتهم المتبقية، وهذه الصناديق لا تفتح إلا من خلال لجان معينة من جانب وزارة الصحة وهيئة الدواء؛ لضمان عدم تسرب تلك الأدوية أو الاستيلاء عليها.
فحص سلامة الأدوية
ولأن طريقة حفظ الدواء في البيوت قد تتسبب في فسادها، مما يهدر قيمة المقترح، قال الشيخ إنه اقترح على المعنيين أن تكون هناك لجان لفحص تلك الأدوية بعد جمعها؛ لتحديد مدى صلاحيتها، وبعد ذلك توزيعها على المستشفيات الحكومية لتوفير العلاج الناقص لديها.
وشدد على أن الفحص المقصود هنا سيكون بالاعتماد على تواريخ الصلاحية والنظر إلى العبوات وأشرطة الدواء وملاحظة أي تغييرات عليها من واقع خبرة أعضاء لجان الفحص، لأن الفحص المخبري سيكون مكلفا بشكل كبير مما يهدم قيمة المقترح، منوها في الوقت نفسه إلى الاعتماد على الثقة في وعي المواطنين وكونهم لن يتبرعوا بأي دواء يشكون في فساده بسبب طريقة حفظ خاطئة من جانبهم.
أدوية الجمارك أحد الحلول
نقيب صيادلة القاهرة كشف عن أنه، التقى رئيس مصلحة الجمارك المصرية واقترح عليه وعلى السلطات المعنية أن تتم الاستفادة من الكميات الهائلة من الأدوية التي يتم ضبطها بالمنافذ خلال محاولات تهريبها من الخارج أو من الداخل.
وشدد على أن الأدوية المضبوطة بالجمارك مكدسة بملايين العبوات، وهي أدوية غالية الثمن وفعالة جداً، ومطلوبة لعلاج الكثير من الأمراض وينتهي بها الحال إلى أن تفسد بمخازن الجمارك.
وبلغ حجم الأدوية المهربة المضبوطة في مصر خلال الشهرين الماضيين أكثر من 2 مليون دولار بحسب هيئة الدواء.
ثقافة الأطباء جزء من أزمة الدواء
نتج عن أزمة نقص الدولار في مصر لجوء الكثير من شركات الأدوية لزيادة أسعار منتجاتها بشكل كبير، ولكن ظهرت أزمة أخرى تتمثل في نقص المواد الخام بسبب عدم القدرة على استيرادها لغياب العملة الصعبة.
إلا أن نقيب صيادلة القاهرة قال إن أزمة الدواء في مصر يعود جزء منها أيضاً لإصرار الأطباء على وصف أسماء تجارية معينة دون اللجوء لمثيلاتها، فكل دواء أساسي له 13 مثيلاً، ومن ثم فإن بحث المرضى عن الدواء الأساسي وعدم حصولهم عليه يهدران وقتهم، ويوحيان بوجود أزمة، في حين أن مثائل الدواء لها نفس تأثيره وفاعليته.
وقال إنه "يجب على هيئة الدواء توفير قاعدة بيانات توضح بشكل شهري الرصيد المتوفر من كل صنف دوائي أو المادة الفعالة لدى المصانع، ومن ثم فإن ذلك يجعل المعنيين يخاطبون البنك المركزي لتخصيص الاعتمادات الدولارية اللازمة لاستيراد أي صنف قبل أن ينقص، ومن ثم لا تحدث الأزمة التي يشعر بها الناس حالياً".
وختم بأن "مصر لديها كفاءات كبرى في صناعة الدواء، ويجب توفير الدعم اللازم لصناعة الدواء، وتحقيق هدف التصدير بعد تغطية السوق المحلية، مما يخدم منظومة العلاج ويفيد الاقتصاد".