ازدادت ثقة المسؤولين في بنك اليابان في أن الاقتصاد قوي بالدرجة الكافية لمحاولة الخروج الوشيك من أسعار الفائدة السلبية، في دلالة قد تجعله يتخلى عن لقبه واسع الصيت بين المتداولين بـ "صانع الأرامل" والذي اكتسبه بسبب تمسكه بعدم رفع الفائدة منذ 2007 حيث أدى الحماس المتجدد لمديري الصناديق الأجنبية للرهان ضد المركزي الياباني كانت دائما ما تؤدي إلى نتائج عكسية بشكل متكرر على مدى العقدين الماضيين.
وأصبح البنك المركزي أكثر تفاؤلاً بشأن توقعاته للتضخم بسبب الزخم المتزايد لزيادة الأجور، والنمو في أسعار قطاع الخدمات، وبما عزز وجهة النظر القائلة بأنه يمكن أن ينهي أسعار الفائدة السلبية - وهي إحدى ركائز سياسته النقدية شديدة التساهل منذ عام 2016 - في أقرب وقت ممكن، بحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
وفي قرار كان متوقعاً على نطاق واسع، أبقى بنك اليابان أسعار الفائدة لليلة واحدة عند سالب 0.1 بالمئة في اجتماع السياسة الأخير في يناير. ولم يقدم كازو أويدا، محافظ البنك، سوى القليل من التلميحات حول الموعد الذي قد يرفع فيه أسعار الفائدة لأول مرة منذ العام 2007.
ومع ذلك، ظهر تغيير طفيف ولكنه مهم في تقرير التوقعات الاقتصادية الفصلية الصادر عن بنك اليابان في نفس وقت صدور قرار سعر الفائدة.
أضاف بنك اليابان فيه عبارة جديدة ترتبط بأن "احتمالية" تحقيق هدف التضخم بنسبة 2 بالمئة "استمرت في الارتفاع تدريجيا" - مقدما أقوى تلميح حتى الآن إلى أن تطبيع السياسة يقترب.
وقال مسؤول في بنك اليابان إن إضافة العبارة تهدف إلى إيصال نيته إلى الأسواق المالية وتوضيح أن هناك توقعات أقوى للاقتصاد. وقال المسؤول: "لا يمكننا أن نقول متى، لكن الاقتصاد يتحرك بثبات في الاتجاه نحو مراجعة السياسة"، وفق الصحيفة ذاتها.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد الأسبوع الماضي، أوضح أويدا أيضًا أن دورة الزيادات ليست مضمونة بعد قرار إنهاء أسعار الفائدة السلبية، قائلاً: "ستستمر البيئة المالية التيسيرية للغاية في الوقت الحالي".
وجاءت الإشارات الصادرة عن بنك اليابان مصحوبة بتحذيرات بأنه يحتاج إلى تقييم المزيد من البيانات الاقتصادية حول الأسعار والأجور.
ومع ذلك، أكد مسؤولو البنك المركزي أيضًا على لهجتهم الأكثر تشددًا في التبادلات المنتظمة مع المشاركين في الأسواق المالية.
زيادة أسعار الفائدة
وقال مورغان ستانلي MUFG وBNP Paribas في مذكرات منشورة إن زيادة أسعار الفائدة قد تتم في مارس.
ومنذ اجتماع بنك اليابان، ارتفع الين بنسبة 1 بالمئة تقريبًا مقابل الدولار الأميركي، في حين ارتفع العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات إلى 0.7 بالمئة من 0.6 بالمئة قبل قرار بنك اليابان. وسيكون تعزيز الين متسقًا مع وجهة النظر القائلة بأن اليابان قد تبتعد قريبًا عن أسعار الفائدة السلبية.
يعكس ملخص الآراء الصادرة عن اجتماع السياسة الأخير أيضًا الثقة المتزايدة بين أعضاء مجلس إدارة بنك اليابان في أن الظروف الاقتصادية ستدعم الخروج من إجراءات التخفيف.
وأدى تراجع التضخم في جميع أنحاء العالم إلى زيادة التوقعات بأن البنوك المركزية بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي ستبدأ في خفض أسعار الفائدة هذا العام، حيث أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جاي باول إلى أنه لن يبدأ في خفض أسعار الفائدة في مارس.
وعلى الرغم من اللهجة الأكثر تفاؤلاً لبنك اليابان بشأن الاقتصاد، قال ستيفان أنجريك، كبير الاقتصاديين في Moody’s Analytics، إن أحدث البيانات لا تدعم بالضرورة وجهة نظر البنك المركزي، مع وصول الإنفاق الاستهلاكي إلى المستوى الذي كان عليه في عام 2021، وفق ما نقلته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
وأضاف: "يحاول بنك اليابان إعداد المدرج للخطوة التالية، ولكن إذا انتظر طويلاً، فقد تستمر البيانات في الضعف وقد تنفد مبررات التطبيع".
الأمر معقد
وعلق كبير استراتيجي الأسواق – BDSwiss MENA، مازن سلهب ، بقوله إنه وبالرغم من أن أسعار الفائدة في اليابان لا تزال في السالب ( -0.10 بالمئة) وهي الوحيدة بين الاقتصادات المتقدمة التي لا تزال تعمل بها، لكن الخروج من هذه الفائدة السلبية يبدو أكثر تعقيداً وصعوبةً من الأسباب التي دفعت أصلاً إلى العمل بها منذ العام 2016.
وأضاف سلهب، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه عندما قرر بنك اليابان وضع سياسة نقدية متساهلة، كان التضخم في اليابان عند صفر بالمئة تقريباً، بل إنه تراجع الى ما دون الصفر في 2017 ، وحتى مع السياسات النقدية المتساهلة لم يبدأ التضخم بالارتفاع الحقيقي إلا بتأثير من الجائحة العالمية التي دفعت أسعار الغذاء والشحن الدولية للارتفاع دون أن ننسى الارتفاع التدريجي في أسعار الطاقة.
وتابع: تعتبر اليابان من أكبر مستوردي النفط في العالم (الرابعة في العالم بعد أميركا والصين والهند)، لذلك كان فرض السياسات النقدية المتساهلة كان حلاً سهلاً، مضيفًا: "بالمناسبة هناك حقيقة لا يعرفها الكثيرين وهي أن بنك اليابان فعلياً كان أول بنك في الاقتصادات المتقدمة من يبدأ عمليات تيسير نقدية وليس الفيدرالي الأمريكي وبدأها منذ أكثر من عقدين وليس بتأثير الأزمة المالية العالمية في 2008".
وأشار سلهب إلى نقطة أخرى وهي أن اليابان تصنف على أنها البلد الأسرع في العالم في شيخوخة السكان، وهذا ما يتج عنه أن هرم السكان عريض في القمة بسبب ارتفاع عدد السكان ممن هم أكبر من 60 عاماً بينما تضيق القاعدة بسبب قلة المواليد، لذلك كان بنك اليابان ولا يزال يستجيب لهذه الديموغرافية المعقدة التي تميل الى استهلاك ضعيف وإنفاق أقل من مثيلاته في أمريكا والصين مثلاً.
ضعف الين
ولفت كبير استراتيجي الأسواق – BDSwiss MENA إلى أن اليابان تعتمد على الصادرات التي تشكل العمود الفقري ولا بد من إبقاء الين ضعيفاً في محاولة لتوسيع الحصة السوقية للمنتجات اليابانية ومواجهة العملاق الصيني ومنتجاته الأرخص نسبياً حيث إن الفائدة السلبية تجعل الين ضعيفاً وأقل تكلفة كعملة عالمية.
وأكد أنه وبالرغم من أن التضخم في اليابان وصل حالياً أكثر من 2 بالمئة (2.6 بالمئة في ديسمبر 2023) لكنه مستمر بالتراجع وهذا قد يجعله خارج قدرة بنك اليابان في الحفاظ على أداء متوازن دون الرجوع إلى انكماش سعري.
وأكمل: "إذا كانت التوقعات تشير أن الاقتصاد العالمي سيواجه تحديات في 2024 أكثر من 2023 وفقاً لصندوق النقد الدولي والتوقعات بتراجع أسعار الطاقة بزوال التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط فان خيارات بنك اليابان تبدو صعبةً بين رفع الفائدة الى صفر صفر بالمئة وبين إعادة تخفيضها مجدداً".
وتابع كبير استراتيجي الأسواق – BDSwiss MENA: حسب اعتقادنا لن يغامر بنك اليابان برفع الفائدة أكثر من 0.10 بالمئة حتى لا يعطي للين فرصةً للارتفاع، ولإغلاق المجال أمام الاستفادة من ضعف اليوان الصيني مقابل الدولار من ناحية أخرى.
تريث في القرار
وإلى ذلك، قال محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن البنك المركزي الياباني ليس في حاجة إلى التعجل في رفع أسعار الفائدة، حيث لا يوجد خطر كبير من أن يتجاوز التضخم هدفه بشكل كبير.
وأضاف أن التضخم حالياً عند مستويات 2.6 بالمئة وهو على عكس الظروف التي واجهها بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك أوروبا في السنوات الأخيرة. ويتعين على البنك أيضًا تقييم التأثير المحتمل لارتفاع أسعار الفائدة على البنوك الخاصة، وخاصة الإقليمية منها.
وأشار إلى أن بنك اليابان بات جاهز تمامًا للخروج من عصر الفائدة السلبي في الوقت الحالي، لكن ينتظر تأكيد بعض البيانات الاقتصادية بأن التضخم محلي وليس مستورداً، كما أنه في خضم انتظار بعض الإشارات من أرقام النمو الاقتصادي التي سجلت قراءة سلبية في الربع الآخير، خصوصًا وأن تأثير الزلزال الذي شهدته اليابان مؤخرًا على الاقتصاد لم يكن بالحجم الكبير.
وأوضح محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أن الأجور هي النقطة الأساسية التي قد تدفع بنك اليابان للشروع بعمليات رفع الفائدة، على النحو التالي:
- الأرقام المتوقعة لزيادة الأجور قد تصل إلى أعلى من مستويات 3-4 بالمئة وقد تكون هي الأعلى منذ أكثر من 30 عاماً.
- قراءة الأجور المرتفعة سينتج عنها ارتفاع مؤشر التضخم بشكل محتمل، وهذا سيكون بمثابة إشارة واضحة وصريحة لبنك اليابان بأن التضخم بات محلي.
وسلط عزام الضوء على أن فضيحة الأموال الفاسدة المتفاقمة التي تورط فيها الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم بزعامة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا لن تعرقل توقيت نهاية سعر الفائدة السلبي.
سيناريو متوقع
وتوقع عزام السيناريو الذي سيشهده الاقتصاد الياباني، على النحو التالي:
- بنك اليابان لن يتحرك إلا ببطء في عمليات رفع الفائدة، ولن يكون مشابه أبدًا لما فعله الاحتياطي الفيدرالي وبنك أوروبا.
- قد يستغرق البنك فترة زمنية طويلة للوصول لنهاية عمليات رفع الفائدة ولن تكون تلك الزيادات بشكل كبير.
- قد يحمل الربع الثاني معه خروج اليابان من الفائدة السلبية مع زيادات الفائدة والتي قد لا تتجاوز مستويات 0.50 بالمئة في نهاية الدورة التشديدية على المدى الطويل.