تشهد سوريا حراكا دوليا ملحوظا يستهدف إعادة رسم ملامح مستقبلها السياسي والاقتصادي بعد الإطاحة بنظام أسد في ديسمبر الماضي.

ففي تطور جديد، اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على خريطة طريق لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا. بينما تترقب الإدارة السورية الجديدة هذه التحركات، تبرز التساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيشكل بداية لرفع كامل للعقوبات أم مجرد خطوة تكتيكية تحت المراقبة الدولية.

التحول الأوروبي.. خطوة نحو تخفيف العقوبات

أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن خريطة الطريق المتفق عليها تهدف إلى دعم الاقتصاد السوري وإعادة البلاد إلى مسارها الطبيعي.

وقالت كالاس: "نريد التحرك بسرعة، لكن يمكن التراجع إذا اتخذت دمشق قرارات خاطئة".

الاتحاد الأوروبي يدرس تخفيف العقوبات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل، لكنه لم يحسم موقفه بعد من القيود المفروضة على المعاملات المالية.

هذه الخطوة تُظهر تحولًا تدريجيًا في النهج الأوروبي تجاه دمشق، الذي كان مرتبطًا لفترة طويلة بالموقف الأميركي.

يرى الباحث في الفلسفة السياسية، رامي خليفة العلي، خلال مداخلته على سكاي نيوز عربية أن هذا التحول يعكس "تماشي النهج الأوروبي مع الأميركي خلال الأسابيع الماضية"، مضيفًا أن "بعض العقوبات ستبقى، وستراقب الدول الغربية ما تقوم به الحكومة السورية عن كثب".

التحديات أمام الإدارة السورية الجديدة

يرى الخبراء أن تخفيف العقوبات يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في الاقتصاد السوري، إذ يفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية ويعزز الحركة التجارية داخليًا وخارجيًا.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تتطلب استجابة ملموسة من الإدارة السورية الجديدة، التي تسعى لاستعادة ثقة المجتمع الدولي. وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، وصف رفع العقوبات بأنه "بوابة لعودة سوريا إلى الساحة الدولية".

لكن الباحث رامي خليفة العلي يحذر من التفاؤل المفرط، مشيرًا إلى أن "سوريا لا تقترب من الرفع الكامل للعقوبات ويحتاج ذلك إلى وقت وعملية سياسية تشمل حكومة تضم كافة المكونات." وأضاف أن "الحديث يدور حاليًا حول تخفيف العقوبات أو تعليق بعضها مؤقتًا، مع بقاء النهج الغربي حذرًا".

سوريا.. ترقب رفع بعض العقوبات وعمليات أمنية متواصلة

 العوامل المؤثرة على القرار الأوروبي

تتأثر مواقف الدول الأوروبية تجاه سوريا بثلاثة عوامل رئيسية، وفقًا للعلي:

  • الوضع على الأرض: كيفية تعامل الإدارة السورية مع القضايا المختلفة ومدى التزامها بالإصلاحات.
  • الموقف الأميركي: الذي لا يزال يشكل تأثيرًا كبيرًا على قرارات الدول الأوروبية.
  • موقف الدول العربية: الذي شهد تحولات ملحوظة، مثل المؤتمر الأخير في الرياض وزيارات مسؤولين عرب إلى دمشق.

وأشار العلي إلى أن "الثقة بين الدول العربية والحكومة السورية تزداد، لكنها ليست كافية لرفع العقوبات بشكل كامل".

الإطار القانوني والتحديات السياسية

لا تزال العقوبات المفروضة على سوريا قائمة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وليست من الأمم المتحدة. هذا يجعل الحوار مع الأطراف الأوروبية والأميركية هو السبيل الأساسي لتحقيق تقدم. ومع ذلك، يظل قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الإطار المرجعي للمرحلة الانتقالية، رغم أن السلطات السورية ترفض الالتزام الكامل به.

يقول العلي: "القرار 2254 قد تجاوزه الزمن إلى حد ما، لكنه لا يزال أساسًا لتشكيل حكومة تمثل جميع مكونات الشعب السوري وبدء عملية العدالة الانتقالية." وأضاف أن تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان هما المحور الأساسي لأي تقدم في ملف رفع العقوبات.

النهج الحذر والمراقبة الغربية

رغم الانضباط الذي تحاول الإدارة السورية الجديدة إظهاره، لا تزال الدول الأوروبية متوجسة من الوضع في دمشق. "شكل الحكومة الحالي منذ ديسمبر الماضي يثير القلق، خاصة مع وجود أصوات متطرفة في هيئة تحرير الشام"، وفقًا للعلي.

وأضاف: "الأوروبيون يراقبون الوضع عن كثب، ولن يرفعوا العقوبات بشكل كامل إلا إذا امتلكوا أوراق ضغط كافية على الإدارة السورية".

سوريا بعد الأسد.. تغييرات جوهرية ومرحلة دقيقة

الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لتخفيف العقوبات

رفع أو تخفيف العقوبات يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياة السوريين، حيث سيؤدي إلى انتعاش الحركة التجارية وجذب الاستثمارات الخارجية. تقرير لوكالة "رويترز" نقل عن دبلوماسيين أوروبيين تأكيدهم أن تعليق القيود في قطاعات مثل الطاقة والنقل ضروري لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والشروع في إعادة الإعمار.

لكن هذه الخطوات لا تزال مرهونة بتقييم الوضع السياسي والأمني في سوريا. يقول العلي: "هناك حاجة لاتخاذ أفعال ملموسة من قبل الإدارة الجديدة، وليس مجرد أقوال." وأضاف أن "النهج الغربي لن يسمح برفع كامل للعقوبات حتى يتم التأكد من التزام دمشق بالإصلاحات والانتقال السياسي".

الطريق إلى الأمام

بين تفاؤل الإدارة السورية الجديدة وإصرار الغرب على المراقبة الحذرة، يبدو أن رفع العقوبات الكاملة لا يزال بعيد المنال. أوروبا تخفف الضغوط تدريجيًا، لكن الخطوة مرتبطة بشروط صارمة تتعلق بالإصلاحات السياسية واحترام حقوق الإنسان.