بعد يومين من مقتل ثلاثة من جيرانها بغارة جوية أثناء محاولتهم شراء احتياجات يومية في أحد الأسواق القريبة من حي الصحافة جنوب الخرطوم، وجدت فاطمة سليمان نفسها أمام خيارين: أن تخاطر بحياتها وتخرج لإنقاذ أطفالها الجوعى أو أن تبقى في بيتها وتتركهم لمصيرهم المحتوم.
فرحة فاطمة كانت كبيرة بعودتها سالمة بعد نجاحها في الحصول على قطع خشبية توقد بها نيرانًا تطبخ بها القليل من حبوب الذرة لسد رمق أطفالها الخمسة وتدفئتهم من البرد القارس في ظل الانقطاع المستمر للكهرباء وغاز الطبخ والشح الكبير في السلع الغذائية.
وتقول فاطمة لموقع سكاي نيوز عربية: "لم أتردد كثيرًا لأن صرخات أطفالي من الجوع والبرد كانت أكبر من أن أحتمل، لكن الهاجس الذي كان ينتابني دائمًا هو مصير أطفالي في حال موتي في أي قصف أو غارة جوية مثل المئات ممن فقدوا حياتهم خلال الأسابيع الماضية."
ومع تصاعد القتال في أكثر من ثلثي مناطق البلاد، والصعوبات المعيشية الكبيرة التي تواجه النازحين وسكان الولايات الآمنة نسبيًا، أصبح الحصول على الدواء والقليل من مياه الشرب والطعام أو وصول الكهرباء لساعات قليلة من اليوم هو غاية أحلام معظم السودانيين.
وفي الواقع، حولت الحرب المستمرة في السودان حياة أكثر من 30 مليون سوداني من الفارين والعالقين في مناطق القتال إلى جحيم لا يُطاق.
ففي ظل أزمة اقتصادية وإنسانية طاحنة بسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار وشح السيولة الناجم عن إجراءات تغيير العملة التي اتخذها بنك السودان المركزي مؤخرًا، يواجه الملايين مثل فاطمة سليمان صعوبات كبيرة في القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم.
وتوضح سليمان: "كلما طال أمد هذه الحرب كلما زادت معاناتنا... لا يبدو أن هنالك حلًا قريبًا وفي كل مرة نسمع أن أطراف الحرب ترفض الحلول وتريد حسم المعركة عسكريًا، لكن المدنيين هم من يدفعون الثمن."
وبعد سقوط أكثر من 150 ألف قتيل حتى الآن، تتزايد المخاوف من أن يؤدي تطاول أمد الحرب إلى سقوط المزيد من الضحايا بسبب الجوع وعدم القدرة على الوصول إلى المستشفيات في ظل الأوضاع الأمنية المعقدة.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يعاني نحو 26 مليون سوداني من خطر انعدام الأمن الغذائي، في حين تراجعت القدرة على الحصول على الخدمات الطبية إلى أقل من 20 بالمئة.
وتشهد أكثر من عشر ولايات سودانية انقطاعًا واسعًا للكهرباء والمياه، وهي أزمات تظهر أيضًا في الولايات الآمنة نسبيًا والتي تأوي نحو 90 بالمئة من الفارين من مناطق القتال والمقدر عددهم بنحو 12 مليون نازح.
ومنذ منتصف الأسبوع الماضي، تعيش معظم أنحاء ولايات البحر الأحمر والقضارف وكسلا ونهر النيل والشمالية وأجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم، في ظلام شبه كامل بعد أن تعرض عدد من محطات التوليد لضربات أدت إلى أضرار كبيرة.
وتسبب انقطاع الكهرباء في شح كبير في إمدادات المياه بعد توقف محطات الضخ، خصوصًا في العاصمة والولاية الشمالية.
ولليوم العاشر على التوالي، يصطف السكان لساعات طويلة للحصول على مياه الشرب، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
ووصل سعر برميل المياه في أحياء مدينة أم درمان بالعاصمة الخرطوم، إلى 15 ألف جنيه، أي نحو 6 دولارات.
وانعكس انقطاع المياه سلبًا على المطابخ الخيرية التي دأبت على تقديم الوجبات لمتضرري الحرب، وتوقف معظمها عن العمل.
وتتفاقم الأزمة في الولايات الشرقية والشمالية التي تعاني أصلًا من ضغط كبير على الخدمات، حيث انضم إلى سكانها نحو 10 ملايين من النازحين من مناطق القتال، بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023.
ومع اتساع رقعة الحرب، خرجت العديد من المناطق الزراعية عن دائرة الإنتاج، مما أدى إلى توسيع الفجوة الغذائية المتفاقمة. ووفقًا لمنظمة الزراعة والأغذية العالمية، فقد تراجع إنتاج الحبوب في السودان بنسبة 46 بالمئة العام الماضي.
ويفاقم نقص الإنتاج من أزمة الجوع التي تحاصر بالفعل نصف السكان البالغ تعدادهم 48 مليون نسمة.