وفقاً لأحد التقديرات، كان هناك أكثر من 7500 حالة تسريح للعمال في قطاع التكنولوجيا منذ بداية العام الجاري، وهو ما يمثل تشتيتاً للآمال الوردية، إذ كان الكثيرون يأملون أن تتوقف تلك الموجة بعد التخفيضات الكبيرة في الوظائف في العام 2023.
ومع ذلك، مع بدء موسم أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة، يتوقع بعض المحللين أرقامًا قوية.
قد تظهر هذه الدفعة من النتائج المالية ربع السنوية أن الصناعة قد تخلصت من الإفراط في التوظيف في عصر الوباء وأعادت تنظيم نفسها حول الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، مما يستلزم تخفيضات في القطاعات ذات الآفاق الأقل وردية، حسبما يقول المحللون المهتمون بالذكاء الاصطناعي، والذين يشيرون إلى إننا في بداية سوق التكنولوجيا الصاعدة، بحسب صحيفة الغارديان.
- منذ بداية العام، قامت غوغل بتسريح أكثر من ألف موظف في مجالات الأجهزة، ومبيعات الإعلانات، والبحث والتسوق والخرائط والسياسة والهندسة الأساسية، ومساعد غوغل ويوتيوب.
- تعد التخفيضات طفيفة مقارنة بشهر يناير الماضي، عندما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، ساندر بيتشاي، عن تسريح 12 ألف عامل، لكن بيتشاي حذر من المزيد من التخفيضات في المستقبل.
في مذكرة داخلية الأسبوع الماضي، أخبر الموظفين أن شركة Alphabet كانت "تزيل الطبقات لتبسيط التنفيذ وزيادة السرعة في بعض المناطق".
وقال بيتشاي في المذكرة: لدينا أهداف طموحة وسنستثمر في أولوياتنا الكبرى هذا العام.. من أجل خلق القدرة على هذا الاستثمار، علينا أن نتخذ خيارات صعبة"، لكنه أضاف أن التخفيضات لن تكون بحجم التخفيضات التي تمت في العام الماضي، ولن تمس كل فريق.
ووصف اتحاد عمال شركة Alphabet عمليات التسريح من العمل بأنها "غير ضرورية" في منشور يوم الأربعاء على موقع X (تويتر سابقًا).
الذكاء الاصطناعي
يقول العضو المنتدب لشركة "آي دي تي" للتكنولوجيا، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن السبب الأساسي وراء تسريح العاملين في قطاع التكنولوجيا هو الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد على أن عمليات التسريح تفيد الشركات من الناحية المادية؛ فالذكاء الاصطناعي بالنسبة لها أوفر وأفضل من الموظف البشري، مشدداً على أن عمليات التسريح لن تتراجع في الفترة المقبلة بل من المرشح أن تزداد. ويشير إلى التأثير السلبي لهذه الظاهرة على الاقتصاد وزيادة البطالة، بالإضافة إلى خفض معدل الأجور.
وينوه بضرورة وضع استراتيجيات للاستفادة من موجة الذكاء الاصطناعي والحد من آثارها على سوق العمل.
- أعلنت أمازون أيضًا عن جولة جديدة من تخفيضات الوظائف التي أثرت على مئات الموظفين من أقسام استوديوهات Prime Video و Amazon MGM، كجزء من التراجع عن الإنفاق الزائد على الترفيه وإعادة التركيز على الأولويات الأساسية مثل لوجستيات التسوق عبر الإنترنت والأولويات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي.
- وفي ميتا ، حيث تم إلغاء أكثر من 20 ألف وظيفة العام الماضي، يبدو أن إلغاء الإدارات قد تباطأ ولكنه لم يتوقف.
- ألغى إنستغرام طبقة من الإدارة في منتصف شهر يناير، مما أدى إلى الاستغناء عن 60 مديرًا للبرامج الفنية. وقالت الشركة العام الماضي إنها ستضيف عمالاً لدعم "المجالات ذات الأولوية".
وقد تكون هذه هي القصة الحقيقية للتكنولوجيا في عام 2024. إذا كان محلل Wedbush، دان آيفز، على حق، فسيتم تخفيض الوظائف في الغالب، وسيكون موسم الأرباح مناسبة "لبدء عملية التخفيض"، وفق ما ذكرته الصحيفة.
ويقول: "ستكون لثورة الذكاء الاصطناعي مستفيدون، ولكن أيضًا الشركات التي تقف على الجانب الخطأ منها، لذا يتعين عليها خفض التكاليف في المجالات التي لا تنتج إيرادات ومضاعفة الذكاء الاصطناعي".
أبرز العوامل
خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات، هشام الناطور يبين في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن شركات التكنولوجيا الكبيرة بدأت منذ العام 2022 بتقليص إنفاقها والاستعداد لركود اقتصادي محتمل عبر موجات من تسريحات الموظفين استمرت حتى عام 2023 كالتالي: أمازون سرحت 18 ألف موظف، بينما استغنت مايكروسوفت عن 10 آلاف موظف، وألفابيت الشركة الأم لغوغل سرحت 12 ألف موظف، وميتا الشركة الأم لـ فيسبوك سرحت 3 آلاف موظف".
ويوضح أن للتحديات التي تواجهها الشركات أثر كبير في هذه التسريحات؛ فعلى سبيل المثال شهدت شركة تويتر عام 2022 تحديات إذ انخفض عدد المستخدمين النشطين يوميا بنسبة 10بالمئة وانخفضت الإرادات بنسبة 12 بالمئة. وفي يونيو 2023، وبعد استحواذ إليون ماسك على الشركة، سرح 30 بالمئة من موظفيها، أي ما يعادل 3 آلاف موظف، وماسك صرح أن الشركة كانت تعاني من مشكلات تنظيمية ومالية وتلك التسريحات تساعد في إصلاح هذه المشاكل.
ويرى بعض المحللين أن تسريحات شركة تويتر هي علامة على دخول قطاع التكنولوجيا مرحلة الركود بعام 2022.
ويقول الناطور إن الأسباب وراء استمرار عمليات التسريح يمكن تلخيصها في:
- ارتفاع معدلات التضخم التي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والعمالة.
- ارتفاع أسعار الفائدة خلال السنة الماضية، ما صَعَّبَ الحصول على التمويل بالنسبة للشركات.
- الركود الاقتصادي وانخفاض الطلب على الخدمات والمنتجات الإلكترونية.
تأثير التسريح على الشركات
يشير خبير التكولوجيا في الوقت نفسه إلى أن فقدان العمال المهرة سيؤدي إلى قلة الإنتاجية وانخفاض الجودة، وقد لا يكون لدى الموظفين المتبقين المهارات المطلوبة، خاصة إن كانت الشركات تعمل على نظام العمل المشترك.. ومن بين أبرز التأثيرات أيضاً:
- تراجع الابتكار
- زيادة التكاليف نتيجة محاولة تغطية نفقات مكافآت نهاية الخدمة والتعويضات
- انخفاض الروح المعنوية للموظفين المتبقين وزيادة قلقهم حول اختفاء الأمان الوظيفي
- إضعاف القدرة التنافسية للشركات
- تأخير إطلاق المنتجات والخدمات الجديدة
وويرى الناطور أنه على الشركات التكنولوجية وضع خطة للتعامل مع هذه التسريحات عن طريق تقييم الخبرات والمهارات اللازمة لأداء المهمات المطلوبة، وتحديد التسريحات حسبها حتى لا تصبح عشوائية ولا تؤثر على الإنتاجية أو الجودة وتعزيز روح المعنوية بين الموظفين المتبقيين.
إلى أي حد يمكن أن تستمر مقصلة التسريح؟
يوضح خبير التكنولوجيا، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن العالم حاليا متقلب جداً والاقتصاد يعتمد بدرجة كبيرة على حروب سياسية واقتصادية وتسويات، ما يجعل من الصعب الجزم باتجاه الاقتصاد العالمي، ولكن العوامل الحالية مثل ارتفاع التضخم والركود الاقتصادي المحتمل تشير إلى استمرار موجة التسريحات.
كما يضيف الناطور أن عملية التسريحات يمكن أن تحوي إيجابيات مثل تحسين كفاءة الشركات، وزيادة الابتكار إذا تمت بشكل منظم عن طريق تسريح الموظفين الذين يمثلون إعاقة أو تكلفة على الشركات وإبقاء الموظفين الأكفاء، وعدم ترك الموظفين للخوف الوظيفي.
ويؤكد على وجود أمثلة لشركات استفادت من عمليات التسريح مثل شركة تويتر التي صارت أكثر استدامة بعد عمليات التسريح بحسب تصريحات إليون ماسك، بالإضافة إلى شركة نيتفليكس التي سرحت في مايو الماضي 300 موظف، وجهت الموارد التي كانت تنفق عليهم إلى مجالات النمو الرئيسية.
مقصلة التسريح
إلى ذلك، يستعين أستاذ علم الحاسوب وخبير تكنولوجيا المعلومات في وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا، حسين العمري، بتقرير لشركة تشالنجر جريه أند كريستماس، ذكر أن أصحاب الشركات خططوا لتسريح 721,677 عاملاً في العام الماضي بارتفاع مقداره 98 بالمئة عن عام 2022 الذي سرحت فيه 363,832 موظفا.
ووفق التقرير، فقد تَحمَّل قطاع التكنولوجيا الجزء الأكبر من خسائر الوظائف في عام 2023، بتسريح 168,032 موظفاً، وهي زيادة مذهلة بنسبة 73 بالمئة عن العام السابق، وقريبة من الرقم القياسي السنوي للتخفيضات التي أعلنت عنها القطاع في عام 2001 والتي بلغت 168,395 تسريحاً.
يوضح العمري أن تسريح العاملين من شركات التكنولوجيا يؤثر عليها بطرق مختلفة، منها:
- يمكن أن ينظر إلى تسريح العمال في شركات كبيرة مثل ميتا وألفابت وتويتر على أنها علامة على مشاكل أكبر داخل الشركة أو القطاع بأكمله.
- يؤثر أيضاً على قدرة الشركة على الابتكار وتطوير منتجات وخدمات جديدة، خاصةً إذا تم تسريح موظفين ذوي مهارات وخبرات مهمة.
- يمكن أن يؤدي إلى إرهاق العمال المتبقين ويقلل من رضاهم الوظيفي وولائهم للشركة.
هل تستمر مقصلة التسريح؟
يشير أستاذ علم الحاسوب وخبير تكنولوجيا المعلومات إلى أن التنبؤ بمدى استمرار تسريح العمال في شركات التكنولوجيا خلال الفترة المقبلة يعتمد على عدة عوامل هي:
- الوضع الاقتصادي: ويدخل تحته الركود الاقتصادي العالمي، التضخم، والتغيرات في سياسات البنوك المركزية مثل رفع أسعار الفائدة
- تغيرات السوق التكنولوجية والتطور السريع في مجال التكنولوجيا وتغير احتياجات السوق
- القرارات الاستراتيجية الداخلية للشركات التي تسعى إلى تقليل التكاليف أو تغيير نموذج أعمالها
- ويضاف إلى هذه العوامل التوترات الجيوسياسية، والأزمات الصحية العالمية، والتغيرات المناخية من المهم الأخذ في الاعتبار أن كل شركة تواجه ظروفها الفريدة، لذا يصعب التحديد بدقة مدى استمرار هذه الموجة من التسريحات.
ويشدد على أنه على الرغم من النظرة السلبية لتسريح العمال، إلا أن في طياته بعض الجوانب الإيجابية، بالنسبة للشركات أو للسوق تتمثل في التالي:
- تحسين الكفاءة: إذ يمكن أن يكون جزءاً من جهود الشركة لتحسين كفاءتها وتركيز مواردها للاستثمارات في مشاريع أكثر ربحية.
- الاستقرار المالي: للشركات التي تعاني من مشكلات مالية، قد يكون التسريح وسيلة لخفض التكاليف والحفاظ على الاستقرار المالي، مما يمكن أن يحمي الشركة من الإفلاس.
- التأثير على السوق العام: إذ يمكن أن تؤدي إلى إعادة توزيع المواهب في السوق، ما يعزز الابتكار والنمو في شركات أخرى أو قطاعات جديدة.
- تعزيز الشفافية والمساءلة: يمكن أن تؤدي التسريحات إلى زيادة التركيز على الشفافية والمساءلة داخل الشركات، مما يعود بالنفع على المستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين.
ويشير العمري إلى أن توقعات قطاع التكنولوجيا لعام 2024 تشير إلى استمرار المقصلة نظرا تطور الذكاء الاصطناعي واستخدام نماذج برمجية له بشكل متزايد في برمجة التطبيقات بالإضافة لتقاربه مع تقنيات أخرى مثل إنترنت الأشياء، مما يمكن أن يفتح الباب لتطوير أنظمة ذكية تعزز الحياة اليومية والعمل.