بعد سنوات من إدارة جو بايدن التي تميزت بالنهج التقليدي والعلاقات المضطربة مع القوى الكبرى، يعود دونالد ترامب إلى الواجهة حاملاً رؤية مختلفة ومثيرة للجدل حول إعادة تشكيل النظام العالمي.

في ظل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة، روسيا، والصين، يبدو أن ترامب يضع خارطة طريق جديدة تُبنى على مبدأ: "ابقِ أصدقاءك قريبين وأعداءك أقرب".

التطورات الأخيرة بين قادة العالم الثلاث: دونالد ترامب، فلاديمير بوتين، وشي جين بينغ، توحي بتغيرات عميقة. اتصالات مكثفة بين الأطراف الثلاثة تشير إلى محاولات لإعادة ترتيب موازين القوى العالمية.

وبحسب الباحث في العلاقات الدولية حسان القبي فإن المشهد السياسي يزداد ضبابية مع كل يوم بسبب التوترات بين القوى العظمى والحرب في أوكرانيا، لكن ترامب يبدو وكأنه يسعى لتغيير قواعد اللعبة.

حرب أوكرانيا.. مفتاح التفاهمات الكبرى؟

أعلن ترامب عن نيته إنهاء الحرب في أوكرانيا بأسرع وقت ممكن، واصفاً الوضع الحالي بأنه "كارثة اقتصادية" بالنسبة لروسيا.

كما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تصريحات سابقة استعداده لتقديم تنازلات لإنهاء الصراع. لكن الغزل السياسي بين ترامب وبوتين أثار قلقاً واسعاً في أوروبا، حيث تشعر دول الاتحاد الأوروبي بتهديد مباشر لتوازنها الأمني والاقتصادي.

من جهته، أوضح الكاتب والباحث السياسي، إيهاب عباس، خلال حديثه إلى التاسعة على سكاي نيوز عربية أن ترامب يستغل حالة الغضب الأوروبي من الحرب الطويلة والتكاليف الباهظة لإعادة توجيه موازين القوى لصالحه.

وأضاف أن "هناك فرصة لترامب ليظهر كقائد عالمي يسعى لإحلال السلام، ولكن التحديات الداخلية والخارجية ستظل قائمة".

أخبار ذات صلة

بعد تنصيب ترامب.. نهجان محتملان للتعامل مع "روسيا"
ترامب يهدد: هذا ما سأفعله إن لم يتفاوض بوتين لإنهاء الحرب

الصين.. شريك اقتصادي أم خصم استراتيجي؟

في الوقت الذي يسعى فيه ترامب لإصلاح العلاقات مع روسيا، يبدو أن الصين تمثل محوراً استراتيجياً آخر في أجندته. اتصالاته مع شي جين بينغ تشير إلى إمكانية بدء مفاوضات جديدة تهدف إلى تحقيق مكاسب متبادلة، لا سيما في المجال الاقتصادي.

وبحسب الباحث في العلاقات الدولية في جامعة باري ساكلاي الفرنسية، حسان القبي، فإن "ترامب رجل أعمال قبل أن يكون سياسياً، ويعلم أن التعاون مع الصين يمكن أن يحقق مكاسب ضخمة للطرفين".

لكن العلاقة بين واشنطن وبكين لا تخلو من التعقيدات، خاصة في ظل الصراع التكنولوجي والتجاري المتزايد. في هذا السياق، يلعب عمالقة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ دوراً محورياً في تشكيل السياسة الداخلية والخارجية الأميركية.

التحديات الأوروبية.. بين المصالح الأمنية والغضب من واشنطن

تصاعد القلق الأوروبي من التقارب الروسي الأميركي، مع تراجع الدعم الأميركي التقليدي لأمن القارة.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أشارت إلى ضرورة التعامل "ببراغماتية" مع إدارة ترامب، في إشارة إلى المخاوف من أن أوروبا قد تضطر للاعتماد على نفسها في مواجهة التهديدات الروسية.

وفي هذا السياق، يحذر القبي من أن "الضغوط على أوروبا ستزداد، خاصة إذا استغل ترامب هذه التفاهمات لبيع المزيد من الأسلحة الأميركية بأسعار مرتفعة، ما قد يزيد من الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي".

صراع عمالقة التكنولوجيا.. ساحة جديدة للنفوذ

بالتزامن مع التحولات الجيوسياسية، يبرز صراع داخلي آخر بين ترامب و"أباطرة التكنولوجيا". شخصية مثل إيلون ماسك، الذي يمتلك تأثيراً اقتصادياً وإعلامياً هائلاً من خلال منصة "إكس"، قد تصبح عائقاً أمام إدارة ترامب، خاصة مع تعارض مصالحه في مجال السيارات الكهربائية مع سياسات ترامب الاقتصادية.

الباحث السياسي إيهاب عباس يوضح أن "الصراع بين ترامب وماسك قد يزداد تعقيداً، خاصة إذا حاول ماسك توسيع نفوذه السياسي أو دعم أطراف معارضة لترامب".

أخبار ذات صلة

غضب في الصين.. سببه "طوق نجاة" رماه ترامب
بعد تنصيب ترامب بيوم.. بوتين وشي يبحثان "القمم الجديدة"

نظام عالمي جديد أم مواجهة مفتوحة؟

مع بداية ولايته الثانية، يبدو أن ترامب يخطط لإعادة تشكيل النظام العالمي بطرق قد تكون غير مسبوقة. بينما يسعى لإنهاء النزاعات وتقريب المسافات بين الخصوم التقليديين، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع ترامب تحقيق رؤيته لعالم جديد متعدد الأقطاب دون أن يدفع العالم نحو مواجهات جديدة؟

يرى القبي أن "ترامب يتبع نهجاً مغايراً تماماً في السياسة الدولية. قد ينجح في تقليل التوترات وإعادة تعريف التحالفات، لكنه في الوقت ذاته يواجه مخاطر حقيقية من الداخل والخارج، مما يجعل فترته المقبلة محفوفة بالتحديات".

ويبقى العالم في انتظار ما ستؤول إليه هذه التحركات الدولية. فبين إنهاء الحرب في أوكرانيا، إعادة صياغة العلاقات مع الصين وروسيا، ومعالجة المخاوف الأوروبية، يقف دونالد ترامب في قلب عاصفة من التحديات. فهل سيكون قادراً على تحقيق رؤيته لنظام عالمي جديد، أم أن الطموحات ستصطدم بالواقع المعقد؟