"لن يتجاهل COP28 أية مشكلة، وسيقوم ببحث التحديات الخاصة بالمناخ بطريقة شمولية".. هذا ما أكده منذ اليوم الأول للمؤتمر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف "COP28" الدكتور سلطان الجابر، داعيا إلى الوفاء بالعهود المتصلة بالتمويل المناخي، وتوحيد الجهود لمواجهة التغير المناخي.
شمولية المحادثات وعدم تهميش أي من الملفات المتصلة بتغير المناخ وتداعياته العميقة، حاضرة بتطبيقات عملية واضحة، لجهة عديد من المناقشات حول قضايا وملفات مختلفة وواسعة، ربما لم تحظ من قبل بمثل هذا الزخم الذي تشهده الآن.
من بين تلك الملفات ملف "الصحة"، وهو ما تجلى في إعلان رئاسة المؤتمر بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في الإمارات، عن "إعلان الإمارات العربية المتحدة بشأن المناخ والصحة COP28"، للتأكيد على وضع الصحة في قلب العمل المناخي، وتسريع تطوير أنظمة صحية مستدامة وعادلة وقادرة على التكيف مع المناخ.
- أقرت الإعلان 123 دولة، وهو الأول من نوعه على مستوى العالم من جانب الحكومات.
- يعترف الإعلان بالفوائد الكبيرة التي تعود على صحة الناس من العمل المناخي الأقوى، عن طريق الحد من تلوث الهواء وخفض تكاليف الرعاية الصحية.
- الاعتراف بالآثار الصحية المتزايدة لتغير المناخ على المجتمعات والبلدان.
- تم الإعلان عن مجموعة من التزامات التمويل الجديدة المتعلقة بالمناخ والصحة لدعم هذه الالتزامات.
- من بين تلك الالتزامات التزام الصندوق العالمي لإعداد النظم الصحية بمبلغ 300 مليون دولار أميركي.
- علاوة على 100 مليون دولار من قبل مؤسسة روكفلر لتوسيع نطاق الحلول المناخية، فضلاً عن إعلان حكومة المملكة المتحدة عن تخصيص مبلغ يصل إلى 54 مليون جنيه إسترليني.
ضحايا أزمة المناخ
جاء ذلك الإعلان في الوقت الذي بلغ فيه عدد الوفيات السنوية الناجمة عن الهواء الملوث ما يقرب من 9 ملايين شخص، علاوة على تزايد الأمراض والوفيات المرتبطة بالحرارة، ومع تعرض 189 مليون شخص لظروف جوية شديدة.
"يرسل الإعلان إشارة قوية مفادها أنه يجب علينا تقليل الانبعاثات العالمية والعمل معًا لتعزيز أنظمتنا الصحية"، طبقاً لرئيس COP28، الدكتور سلطان الجابر، الذي قال: "لقد أدركت الحكومات أخيراً الصحة كعنصر حاسم في العمل المناخي".
وأضاف الجابر: "إن تداعيات تغير المناخ تؤثر على الجميع، وهي من أخطر التهديدات لصحة البشر في القرن الحادي والعشرين، وبدأت الحكومات بإدراج موضوع الصحة ضمن العناصر الأساسية في العمل المناخي، وهذا الإعلان يبعث برسالة قوية تدعو إلى ضرورة خفض الانبعاثات، وتعزيز تضافر الجهود لدعم المنظومات الصحية في كافة الدول".
أما المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، فقد شدد على أن:
- أزمة المناخ هي أزمة صحية، لكن الصحة ظلت لفترة طويلة مجرد هامش في المناقشات المتعلقة بالمناخ.
- تشكر منظمة الصحة العالمية دولة الإمارات على جعل الصحة أولوية رئيسية في رئاستها لمؤتمر الأطراف.
- ترحب المنظمة بهذا الإعلان الذي يؤكد على الحاجة إلى بناء أنظمة صحية منخفضة الكربون وقادرة على التكيف مع المناخ، لحماية صحة الكوكب والناس على حد سواء.
التزامات جديدة
وأصدرت مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة بما في ذلك الحكومات وبنوك التنمية والمؤسسات متعددة الأطراف والمؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية إعلانات تمويل لتوسيع استثماراتهم في حلول المناخ والصحة. وبلغت قيمة الالتزامات في هذا الصدد مليار دولار أميركي؛ بهدف تلبية الاحتياجات المتزايدة لأزمة المناخ والصحة.
- بنك التنمية الآسيوي: أطلق مبادرة جديدة للمناخ والصحة، وخصص مبلغًا أوليًا 7 ملايين دولار.
- مؤسسة بيل وميليندا غيتس: أعلنت عن تخصيص مبلغ 57.95 مليون دولار لصالح المناخ والصحة.
- مؤسسة Wellcome Trust قالت إنها ستنفق 100 مليون جنيه إسترليني في العام المقبل وحده لدعم أبحاث تغير المناخ والأزمة الصحية.
- صندوق الهواء النظيف وC40 Cities عن انضمام مبادرات جديدة بقيمة 30 مليون دولار.
- الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا أعلن عن تمويل بقيمة 500 مليون دولار على الأقل لدعم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في معالجة الآثار الصحية الناجمة عن تغير المناخ حتى 2026.
- مؤسسة روكفلرأعلنت عن التزام بقيمة 100 مليون دولار لتعزيز الحلول المناخية والصحية.
- المملكة المتحدة تعهدت بتقديم ما يصل إلى 18 مليون جنيه إسترليني.
- مؤسستا AVPN وBayer أعلنتا عن شراكة لمعالجة التداخل بين المناخ والصحة.
- صندوق المناخ الأخضر أعلن إطلاق منحة بقيمة 1.5 مليون دولار. كما أن مرفق البيئة العالمي أعلن عن شراكة بقيمة 17.85 مليون دولار مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الصحة العالمية لزيادة مرونة النظام الصحي في عدد من المناطق.
- التزامات جديدة من Evidence Action بقيمة 55 مليون دولار، لتوفير مياه الشرب المأمونة لعشرات الملايين.
المناخ والصحة
وفي تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يشير الخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ رئيس الكرسي العلمي للبصمة الكربونية والاستدامة بجامعة الدول العربية، السفير مصطفي الشربيني، إلى تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بالأمم المتحدة، والذي خلص إلى أن المخاطر المناخية تتفاقم بشكل أسرع وستكون أكثر حدة في وقت أقرب مما كان متوقعاً في السابق، وعليه فإنه سيكون من الصعوبة بمكان التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وقد تضمن التقرير عدداً من الإشارات المهمة، والتي تعكس مدى تأثر الصحة بالتغيرات المناخية، على النحو التالي:
- 6 مليار شخص يعيشون في مناطق شديدة التعرض لتغير المناخ (في البلدان النامية بشكل خاص) .
- رغم مساهمتها المحدودة في الانبعاثات العالمية، تعد البلدان المنخفضة الدخل والدول الجزرية الصغيرة النامية تعاني من أقسى الآثار الصحية الناجمة عن تغير المناخ.
- في مثل تلك المناطق المعرضة للخطر بشكل أكبر، كان معدل الوفيات الناتجة عن الظواهر الجوية المتطرفة في العقد الماضي أعلى بـ 15 مرة مما هو عليه في المناطق الأقل عرضة للخطر.
- يؤثر تغير المناخ على الصحة بطرق عديدة، ، بما في ذلك من خلال التسبب في الوفاة وكثير من الأمراض المختلفة، بسبب الظواهر الجوية المتطرفة المتكررة بشكل متزايد (موجات الحر والعواصف والفيضانات، وتعطيل النظم الغذائية.. إلخ).
يشدد الشربيني على أن "تغير المناخ يقوض كثيراً من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، مثل سبل العيش والمساواة والحصول على الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعي"، مُبرزاً في الوقت نفسه معاناة الفئات الأكثر ضعفاً من تداعيات تلك المخاطر الصحية، لا سيما كبار السن والأطفال وذوي الأمراض المختلفة.
- تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن ملياري شخص يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة وأن 600 مليون شخص يعانون من الأمراض المنقولة بالغذاء سنويا، ويتحمل الأطفال دون سن الخامسة 30 بالمئة من الوفيات الناجمة عن الغذاء.
- تؤدي الضغوطات المناخية إلى زيادة مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه والغذاء ، وفي العام 2020، واجه 770 مليون شخص الجوع، معظمهم في أفريقيا وآسيا، ويؤثر تغير المناخ على توافر الغذاء وجودته وتنوعه، مما يؤدي إلى تفاقم أزمتي الغذاء والتغذية.
- تعزز التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل، وبدون اتخاذ إجراءات وقائية، قد ترتفع الوفيات الناجمة عن هذه الأمراض، والتي تتجاوز حاليا 700 ألف سنويا.
- يؤدي تغير المناخ إلى حدوث مشكلات صحية نفسية فورية، مثل القلق والإجهاد اللاحق للصدمة، واضطرابات طويلة المدى بسبب عوامل مثل النزوح واختلال التماسك الاجتماعي.
تمويل التكيف
وعن توجيه العمل المناخي لحماية الإنسان والصحة، يقول الشربيني، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ثمة حاجة ماسة إلى الكثير من الخطوات لتحقيق العمل المناخى، أهمها المضي قدماً في إجراءات التكيف بشتى أشكالها، وبما يساعد بشكل كبير في حماية الصحة، لجهة أن تلك الإجراءات تضمن الاستعداد الجيد للظواهر المناخية الناجمة عن تغير المناخ، وبالتالي تقليص فاتورة الخسائر الصحية.
خطوة على الطريق الصحيح
وتعد الخطوة التي تم إقرارها أخيراً في مؤتمر COP28 (إعلان الإمارات العربية المتحدة بشأن المناخ والصحة COP28) والالتزامات الجديدة المعلنة في هذا الصدد "خطوة على الطريق الصحيح"، من أجل التعامل مع التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ على نحو واسع.
ويذكر في هذا السياق أن نسبة تصل إلى أكثر من 90 بالمئة من المساهمات المحددة وطنياً تشمل اعتبارات صحية، بحسب منظمة الصحة العالمية، وذلك مقارنة بنسبة 70% من تلك المُبلَغ بها في العام 2019.
يغطي الإعلان مجموعة من مجالات العمل المناخي والصحي، منها إنشاء منظومات صحية مرنة مناخياً ومستدامة ومنصفة، وتعزيز سُبل التعاون بين القطاعات لخفض الانبعاثات وتحقيق أقصى استفادة من العمل المناخي لتحسين الصحة، وزيادة التمويل للحلول المناخية والصحية، حيث التزم الموقعون على الإعلان بإدراج المستهدفات الصحية ضمن خططهم الوطنية للمناخ، وتحسين سُبل التعاون الدولي لمعالجة المخاطر الصحية لتغير المناخ في مؤتمرات الأطراف القادمة.
ويشهد "يوم الصحة" في COP28 المُنعقد في 3 ديسمبر اجتماعاً وزارياً بشأن المناخ والصحة لأول مرة في مؤتمرات الأطراف، ومن المتوقع حضور وزراء الصحة وكبار ممثلي القطاع الصحي من أكثر من 100 دولة، ودَعتْ رئاسة COP28 جهات التمويل المناخي والصحة العالمية، وبنوك التنمية، والدول، والمؤسسات الخيرية، والقطاع الخاص للاستجابة إلى احتياجات الدول وأولوياتها التي تناولها COP28، بالتزامن مع تحفيز المساهمات المالية المخصصة لحماية وتعزيز صحة البشر.
الكوليرا.. وأمراض أخرى
وذكرت منظمة الصحة العالمية، خلال مشاركتها في COP28، أن أكثر من 40 مليون متخصص في القطاع الصحي حول العالم ينضمون إلى نداءات العمل التي أطلقتها المنظمة رفقة منظمات المجتمع المدني، من أجل تحديد الأولويات الخاصة بالصحة في مفاوضات المناخ. وقالت المنظمة إن "التقاعس عن العمل المناخي يكلف الأرواح ويؤثر على الصحة كل يوم".
ووفق المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، فإن العام الجاري شهد زيادة وصفها بـ "المثيرة للقلق" فيما يتعلق بالكوارث المناخية، ومن بينها حرائق الغابات وموجات الحر والجفاف، وجميعها أدت إلى كثير من الخسائر، بما في ذلك النزوح والأضرار التي تكبدها قطاع الزراعة، علاوة على تلوث الهواء، منبهاً إلى أن تنامي الأزمة يؤدي إلى انتشار أمراض خطيرة تهدد حياة الإنسان، منها الكوليرا وحمى الضنك.
من جانبه، يشير عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة، الدكتور مجدى بدران، لموقع "اقتصاد سكاي نيو عربية"، إلى أن تغير المناخ يتسبب في الكثير من الأمراض المنتشرة حالياً في العالم، علاوة على زيادة تغير نوعية الأمراض نفسها بشكل عام، خاصة بين الأطفال، منبهاً إلىح الات الإلتهاب الرئوي المنتشرة في الصين بدرجة كبيرة حالياً، وهي من ضمن تبعات التغير المناخي.
ويضيف: "التلوث البيئي وتسمم الهواء وغيرها من الظواهر المرتبطة بتغير المناخ أسهمت بشكل واسع في تفاقم خطورة أمراض مختلفة، من بينها أمراض الحساسية مثل والربو والالتهاب الرئوي المنتشرة وأمراض الحساسية عند الأطفال.. وغير ذلك"، مشدداً على أن نصف الأمراض المعدية المنتشرة حالياً في العالم والفيروسات الجديدة ليست كورونا فقط، بل جدري القرود والايبولا والزيكا وحمى الضنك والإسهال المنتشر فى بعض الدول والكوليرا لتغير المناخ ارتباط بها.
وفي هذا السياق، يوضح أهمية إيلاء العمل المناخي الاهتمام الكافي بهذا الشق، وتعاون جميع الدول لصد هذا الخطر الكبير (..) منبهاً في هذا السياق بضرورة دعم التوعية المحلية داخل المجتمعات لمواجهة التصرفات المعتادة التي بالحد منها يمكن تجنب عديد من الآثار السلبية لتغير المناخ على الصحة، وبالتالي من الضرورة بمكن إيلاء الاهتمام الكافي بنشر الثقافة والوعي البيئي، مع تحديد القضايا الصحية في كل مكان وفي كل دولة، ودعم الجهود المبذولة من الحكومات لرفع الحالة الصحية (بما يتضمن التمويلات اللازمة).