تهدد الاضطرابات التي تشهدها الملاحة في البحر الأحمر بتعميق آلام الاقتصاد العالمي، بعد أن قررت شركات عالمية كبرى زيادة أسعار الشحن، لتجنبها السير عبر البحر الأحمر وقناة السويس التي تمثل نحو 12 بالمئة من حركة الشحن العالمية، بسبب الهجمات على السفن التجارية، واتخاذ عديداً من الشركات مسارات بديله حول أفريقيا.
على إثر الهجمات ارتفعت تكلفة شحن البضائع بشكل ملحوظ مع استمرار شركات الشحن العملاقة في تجنب طريق البحر الأحمر الرئيسي، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن بنسبة 80 بالمئة في الأسبوع الماضي، بعد أن ارتفعت بالفعل بنسبة 50 بالمئة تقريبًا في الأسبوع السابق، طبقاً لتقرير نشرته "سكاي نيوز" البريطانية.
ويعد البحر الأحمر شريان إمداد رئيسي، لكنه أصبح يمثل خطراً بشكل متزايد مع المسلحين الحوثيين في اليمن، ردًا على الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة حماس في قطاع غزة، بمهاجمة الشاحنات المتوجهة لها.
كما يعد منفذاً بحرياً جنوبياً مهماً لإسرائيل عبر معبر إيلات الذي توقفت فيه حركة السفن بشكل كبير، وفق موقع آسيوس، وبالتالي فهو صاحب مكانة كبيرة في الجغرافيا السياسية.
وأعلن عديد من عمالقة الشحن عن تعليق رحلاتهم عبر البحر الأحمر، عقب تعرض السفن لهجمات هناك، وفي ضوء التوترات الأمنية المتصاعدة في المنطقة، والتي ترفع علاوة المخاطر، من بين تلك الشركات "سي أم آ سي جي أم" العملاقة الفرنسية، و "شركة البحر الأبيض المتوسط للشحن" MSC الإيطالية السويسرية.
- ارتفع سقف أسعار الشحن البحري، الأسبوع الماضي نتيجة تحويل مسار السفن من البحر الأحمر.
- وصل السعر إلى 2694 دولارًا لكل حاوية قياس 20 قدمًا من شنغهاي إلى أوروبا، وذلك بعد أن كانت الأسعار في الأسبوع الذي سبقه 1497 دولارًا لنفس الحاوية، وفقًا للبيانات المقدمة إلى سكاي نيوز من قبل الخدمات اللوجستية العالمية، شركة دي إس في.
- لم يكن السعر مرتفعًا إلى هذا الحد منذ 30 سبتمبر 2022، أي قبل 15 شهرًا.
- يؤثر ارتفاع أسعار الشحن على المبالغ التي يتم دفعها عند الخروج ويمكن أن يكون له تأثير تضخمي، حيث أن معظم البضائع ستنفق خلال الرحلة حتى الوصول إلى المستهلكين.
- يمكن أن يؤدي تجنب المنطقة بتغيير المسار لإضافة ما يصل إلى أسبوعين من وقت بدء الرحلة، حيث أن البديل هو السفر إلى جنوب إفريقيا وحولها عبر رأس الرجاء الصالح.
وفي هذا الصدد، حذر خبراء في تصريحات متفرقة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، من أن الاضطرابات التي يشهدها البحر الأحمر قد يعم صداها في أنحاء العالم، لتدفع معدلات التضخم نحو الارتفاع وتعاود أزمة سلاسل الإمداد من جديد بسبب ارتفاع أسعار الشحن.
تداعيات زيادة أسعار الشحن
من جانبه، أشار العميد الأسبق لكلية النقل الدولي واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الدكتور محمد علي إبراهيم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن البحر الأحمر صُنف اخيراً بأنه عالي المخاطر، وهو ما كانت له ارتدادات سريعة على قطاع الشحن، بزيادة أسعاره في حدود 80 بالمئة وهي نسبة مرشحة للزيادة، منوهًا إلى أن هناك تداعيات لهذه الزيادة من أهمها:
- قيام شركات التأمين برفع قيمة تكلفة التأمين على الشحن (وعلاوة المخاطر)، بقيمة تتراوح بين 200 إلى 250 بالمئة، وهو ما انتقل إلى أسعار الشحن وأدى إلى ارتفاعها.
- زيادة أجور البحارة في السفن، نظرًا للإبحار في أماكن عالية الخطورة بالعبور في البحر الأحمر، حيث طالبوا بزيادة الأجور واستجابت الشركات برفعها بقيمة 100 بالمئة.
وذكر العميد الأسبق لكلية النقل الدولي واللوجستيات، أن شركات عديدة بدأت تغيير مسار السفن باعتبارها منطقة حرب والتوجه إلى رأس الرجاء الصالح، وهو ما له تداعيات مترتبة على أسعار الشحن والاقتصاد العالمي بشكل عام، محددا إياها إجمالًا فيما يلي:
- زيادة مسافة الإبحار وتكلفتها.
- استهلاك كميات أكبر من الوقود؛ ففي غمار الحرب ترتفع أسعار الوقود لتتضاعف التكلفة.
- حجز الإمدادات في البحر لفترة أطول يعني تعطيل رأس المال، وبالتالي تزيد التكلفة، لنجد أن وصول الإمدادات متأخرة بعد تغيير مسارها لطريق أطول من قناة السويس لمدة تتراوح بين 10 إلى 14 يوما، إذا كانت الرحلة كاملة من الشرق إلى الغرب.
- تأخر الإمدادات سيؤدي إلى عدم توافر الاحتياجات للمستهلكين في المتاجر، وهو ما يشكل ضغوطًا تضخمية تنتهي إلى رفع الأجور وآليات العرض والطلب، واشتعال نيران التضخم في الأسواق ما يؤدي إلى ضغوط تضخمية.
الاقتصاد العالمي
وأوضح العميد الأسبق لكلية النقل الدولي واللوجستيات، أن الاقتصاد العالمي يعاني من ارتفاع التضخم منذ أزمة جائحة كورونا التي أعقبتها الأزمة الروسية الأوكرانية، لافتًا إلى أن أزمة البحر الأحمر جاءت لتكمل المسيرة، وبالتالي التضخم سيستمر في التزايد في ظل حالة ركود من الصعب علاجهما.
وتوقع حال استمرار الأزمة تزايد الضغوط التضخمية، وأن يتحول في نفس الوقت التضخم إلى تضخم ركودي أو ركود تضخمي، إضافة إلى نقص فرص العمل بالقطاع، فضلا عن عدم توافر السلع في الأسواق، وارتباك سلاسل الإمداد خاصة وأنه ممر يمر منه 10 بالمئة من الطاقة و12 بالمئة من حجم التجارة العالمية، وأيضا حوالي 27 بالمئة من حجم حاويات العالم.
وبحسب الشركة الأميركية "فليكس بورت" المتخصصة في إدارة سلاسل الإمداد، فإن 299 سفينة بسعة إجمالية 4.3 مليون حاوية، غيرت مسارها الأسبوع الماضي بعيداً عن البحر الأحمر أو تخطط لذلك، وهو ما يعادل ضعف الرقم المسجل قبل أسبوع.
تم إعادة توجيه 364 سفينة بسعة 5 ملايين حاوية إلى طريق رأس الرجاء الصالح، منذ بداية الأسبوع وحتى الأربعاء الماضي، ارتفاعاً من 314 سفينة في 22 ديسمبر الماضي.
ضربة جديدة للتجارة العالمية
وإلى ذلك، أفاد المستشار والخبير الاقتصادي، الدكتور كمال أمين الوصال، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بأن التهديدات فى البحر الأحمر تمثل ضربة جديدة للتجارة العالمية والاقتصاد العالمي المتخم بالفعل بضربات ومشكلات أخرى.
وأوضح أن البحر الأحمر يمثل أحد شرايين التجارة العالمية، وبالتالي فإن تراجع حركة مرور السفن فيه سيؤدي إلى تراجع حجم التجارة العالمية، بما يؤثر سلباً على أداء الاقتصاد العالمي الذي يعتمد على التجارة الدولية بأكثر من أي وقت مضى.
ولفت إلى أن ارتفاع أسعار الشحن ونقل السلع الناتج عن ارتفاع رسوم التأمين سيضيف إلى تضخم جانب العرض نتيجة لارتفاع تكاليف السلع، مما يضيف إلى معدلات التضخم ويعمق من الركود التضخمي الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي، متوقعًا أن يؤدي ذلك إلى تراجع الطلب وهو ما سيترجم إلى تراجع في مستويات إنتاج الاقتصادات الرئيسية بما له من تداعيات على معدلات النمو الاقتصادي.
واستبعد المستشار والخبير الاقتصادي كمال أمين الوصال، وجود حلول سريعة للأزمة، ليرى أن الحل الوحيد هو أقل وطأة وإن كان له تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي أيضا هو تحويل طرق التجارة واستخدام طرق بديلة مثل طريق رأس الرجاء الصالح.
ويعد البحر الأحمر شرياناً حيوياً يمر من خلاله حوالي 10 بالمئة من إمدادات النفط المنقولة بحراً حول العالم (أي ما يعادل من ستة إلى سبعة ملايين برميل نفط يومياً)، و12 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية، وفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
تغيير مسار السفن
من جانبها، أوضحت الباحثة في الاقتصاد الدولي، الدكتورة سمر عادل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن تغيير مسار البضائع بسبب الأزمة إلى مسار آخر أطول أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن وتغيير خارطة سلاسل الإمداد، وهو ما ينذر بأن أسعار السلع ستشهد ارتفاعًا كبيرًا، قد يكون بقيمة الشحن أو أكثر، وهو مايعني أن العالم سيشهد ارتفاعًا في معدلات التضخم.
كان صندوق النقد توقع مستوى أعلى من التضخم مما كان يتوقعه خلال النصف الأخير من عام 2023، عند 6,9 بالمئة على المستوى العالمي، والسنة الجديدة 2024عند 5,8 بالمئة، أي 0,6 بالمئة أكثر من توقعاته في يوليو الماضي.
وقالت إن شركات الشحن ليس أمامها سوى تغيير مسار السفن وهي تكلفة أعلى، لافتة إلى أن هذا ما حدث أثناء أزمة سلاسل الإمداد بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن بآليات مختلفة، حيث تغير مسار السلع وحركة التجارة الدولية، ما أثر على سلاسل الإمداد وكان هناك ارتفاعًا في أسعار السلع.
وأضافت أن الأزمة من الممكن أن تدفع بعض دول العالم لتغيير سياساتها الاقتصادية، على سبيل المثال قرار الفيدرالي الأميركي اعتزامه تخفيض أسعار الفائدة في العام الجديد، فقد يتخذ قرارات معاكسة وفقًا للمتغيرات الدولية، لافتة إلى أن العالم يمر بمتغيرات عنيفة وحادة لا يمكن التكهن بقرارات فيها، وأنه حال انتهاء الأزمة سيتأثر العالم لفترة من تبعاتها حتى يعود إلى الاستقرار مرة أخرى.