عند النظر إلى السماء يرى الجميع خطوطًا بيضاء خلف الطائرات النفاثة، يقول الخبراء إن هذه الخطوط، التي تسمى contrails "المخلفات المكثفة" أو "خطوط التكثيف" وتتكون عندما يتكثف بخار الماء حول الملوثات الصادرة عن محركات الطائرات النفاثة، والتي تساهم في تغير المناخ منذ عام 1999 على الأقل.
والـ contrails هي كلمة إنجليزية مركبة تتكون من كلمتي "condensation" (تكثيف) و "trails" (خطوط) ، وهي تشير إلى خطوط البخار البيضاء التي تتكون خلف الطائرات أثناء تحليقها على ارتفاعات عالية. والتي يعتقد أن هذه الخطوط تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.
وذكر تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2021 أن السحب المتكونة من المخلفات المكثفة تساهم بنسبة 35 بالمئة تقريبًا من تأثير قطاع الطيران على الاحتباس الحراري العالمي، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
اليوم، تبحث كلا من شركات الطيران وشركات التكنولوجيا وغيرها من الباحثين عن طرق ممكنة للتنبؤ بتوقيت ومكان تشكل المخلفات المكثفة، على أمل تقليل تأثيرها البيئي.
يقول أندرو جيتلمان، وهو عالم جيولوجي في مختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية في ريتشموند بولاية واشنطن: "إن أكثر المخلفات المكثفة ضررًا هي تلك كسحب من نوع "السحب الطباقية" (سحاب السمحاق أو cirrus clouds) والتي تستمر لساعاتٍ في بعض الأحيان. وفي حالات أخرى، تتحد حتى المخلفات المكثفة الناتجة عن طائرات منفصلة لتشكل مساحة سطح أكبر تحبس المزيد من الحرارة".
وسحاب السمحاق هي نوع من أنواع السحب تتميز بأنها سحب جليدية على ارتفاعات عالية أي تتكون في طبقات الجو العليا وهي سحب رقيقة تشبه في شكلها الصوف، لونها ابيض ناصع في كل الفصول وهذا لارتفاعها عن سطح الأرض ومولوثاته.
لاستكشاف إمكانية الحد من الغطاء السحابي الناتج عن المخلفات المكثفة، أجرت الخطوط الجوية الأميركية وشركة غوغل للبحث ومبادرة "Breakthrough Energy" التابعة لبيل غيتس 70 رحلة تجريبية باستخدام صور الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي لمراقبة تشكل المخلفات المكثفة.
ويقول دينيش سانيكومو، مدير منتجات المخلفات المكثفة في غوعل للبحث، إنه من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية لتحديد تشكل المخلفات المكثفة، ينبغي أن تكون شركات الطيران قادرة على تخطيط مسارات تتجنب المناطق التي تتشكل فيها المخلفات المكثفة عادةً.
أظهرت الاختبارات الأولية أن الطائرات نجحت في تجنب تكون المخلفات المكثفة عند استخدام مسارات العودة التي حددها النموذج.
وتقول جيل بليكستين، نائب رئيس الاستدامة في الخطوط الجوية الأميركية، إنه على الرغم من تفاؤل نتائج الاختبارات الأولية، فإنه لتقليل المخلفات المكثفة بشكل كبير يتعين دمج هذه التقنية في أنظمة الطيران الحالية لشركات الطيران، ويجب على شركات طيران أخرى التعاون.
وتضيف: "إذا تجنبت شركة طيران واحدة إنشاء مخلفات مكثفة ولم تفعل أخرى، فسيظل هناك مخلفات مكثفة."
كما تطور شركة طيران دلتا، بالشراكة مع قسم علوم الملاحة الجوية والفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، خوارزمية لكشف وتوقع المخلفات المكثفة.
ويقول ستيفن باريت، الرئيس السابق للقسم والمدير الحالي لمختبر الطيران والبيئة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن هدف المشروع هو تقليل المخلفات المكثفة بنسبة 80 بالمئة تقريبًا باستخدام الذكاء الاصطناعي لاستخراج معلومات الأقمار الصناعية في الوقت الفعلي.
ويرى المشاركون في الدراسات أن معالجة مشكلة المخلفات المكثفة يمكن أن تكون بسيطة مثل تعديل ارتفاع الطائرات لتجنب المناطق ذات الرطوبة العالية، لتجنب الظروف التي يمكن أن تتشكل فيها المخلفات المكثفة.
ويقول مارك شابيرو، رئيس فريق "مخلفات الطاقة المكثفة" التابع لمبادرة "Breakthrough Energy"، وهي إحدى المجموعات في مبادرة واسعة بدأها بيل غيتس لدعم البحث والتطوير في مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة: "ربما تكون قد سافرت على متن طائرة واجهت فيها اضطرابات شديدة (مطبات هوائية) وأخبرك الطيار بأننا سنصعد أو نهبط للخروج منها؛ الأمر سيكون مشابهًا هنا".
ويضيف شابيرو أنه في بعض الحالات، قد يؤدي ذلك إلى استهلاك كمية صغيرة إضافية من الوقود لأن الطائرة لا تطير في المسار الأمثل.