يُنتظر أن يتم الإعلان رسمياً الأسبوع المقبل عن حزمة دعم مالي واستثماري بقيمة 7.4 مليار يورو يقدمها الاتحاد الأوروبي لمصر تهدف إلى دعم اقتصادها، وسط مخاوف من أن تؤدي الصراعات في غزة والسودان إلى تفاقم المشاكل المالية في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا وزيادة ضغوط الهجرة على أوروبا.
وبحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإنه "من المقرر أن تتوجه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى القاهرة يوم الأحد رفقة رؤساء وزراء اليونان وإيطاليا وبلجيكا من أجل وضع اللمسات النهائية على الاتفاقية والإعلان عنها".
- الصفقة المقترحة هي الأحدث في سلسلة من اتفاقات الاتحاد الأوروبي مع دول شمال إفريقيا؛ بهدف تجنب عدم الاستقرار الاقتصادي في الدول المجاورة لأوروبا ووقف الهجرة غير الشرعية من إفريقيا.
- يأتي ذلك في أعقاب اتفاقات أخرى مع تونس وموريتانيا تم التعهد فيها بتقديم أموال وحوافز أخرى مقابل تحسين مراقبة الحدود (..).
ويأتي الاتفاق بعد شهور من المفاوضات التي تسارعت في أعقاب بدء الحرب في غزة في السابع من شهر أكتوبر الماضي، وسط مخاوف من تحركات محتملة للاجئين من غزة.
وفقًا لعدد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي المطلعين على الأمر، يتضمن الاتفاق:
- دعم قطاع الطاقة في مصر.
- المساعدة في التعامل مع العدد المتزايد من اللاجئين السودانيين في البلاد.
- المساعدة في تحصين حدود مصر مع ليبيا، حيث يعبر المهاجرون البحر الأبيض المتوسط في طريقهم إلى أوروبا.
تفاصيل الحزمة الجديدة
تتضمن الحزمة المخطط لها 7.4 مليار يورو في شكل منح وقروض حتى نهاية العام 2027.
ويمكن دفع نحو مليار يورو من المساعدات المالية الطارئة على الفور.
وهناك مبلغ آخر قدره 4 مليارات يورو من المساعدات المالية الكلية، المرتبطة بالإصلاحات في إطار برنامج صندوق النقد الدولي الموسع قيد المناقشة، وسيحتاج إلى موافقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤولين أوربيين، قولهم إن الحزمة سيتم استخلاصها من مصادر تمويل مختلفة للاتحاد الأوروبي.
ووفق مسؤول مشارك في الاستعدادات لهذه الحزمة، فإن الاتفاق "جوهري ومهم من الناحية الاستراتيجية"، مضيفًا: "نحن قلقون بشأن حدودين: الحدود السودانية المصرية، حيث يدخل السودانيون البلاد، والحدود المصرية الليبية".
وقال وزير الهجرة اليوناني ديميتريس كيريديس لصحيفة فايننشال تايمز إن:
- مصر لعبت "دورا رئيسيا وحاسما للغاية" في إدارة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
- من الضروري تقديم دعم فوري لمصر، التي تواجه "أزمة اقتصادية خطيرة وأزمة لاجئين خطيرة".
والعام الماضي، سجلت المنظمة الدولية للهجرة حوالي 286 ألف مهاجر غير نظامي وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق برية وبحرية مختلفة.
ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تستضيف مصر حوالي 480 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجل، فر معظمهم من الحرب الأهلية في السودان التي اندلعت في أبريل 2023.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤول ثان بالاتحاد الأوروبي اطلع على المناقشات، قوله إن الاتفاق من المرجح أن يعيد صياغة بعض برامج الدعم الحالية من الاتحاد الأوروبي لمصر، التي ظلت منذ فترة طويلة شريكا مهما للتكتل.
التمويلات الأوروبية لمصر
ووفقًا لوزارة التعاون الدولي المصرية، بشأن تفاصيل الشراكات الدولية لمصر مع الدول والمنظمات الأوروبية خلال آخر أربع سنوات، فإن:
- إجمالي اتفاقات التمويل التنموي الميسر التي أتاحتها الدول والبنوك الأوروبية على مدار الفترة من 2020 – 2023، بلغ 8 مليار دولار، تمثل نسبة 33 بالمئة تقريبًا من مجمل التمويلات التنموية.
- تنقسم تلك التمويلات بواقع 7.2 مليار دولار لقطاعات الدولة، و5.4 مليار دولار للقطاع الخاص، ونحو 200 مليون دولار في شكل مبادلة ديون.
- بلغت التمويلات من بنك الاستثمار الأوروبي نحو 4.7 مليار دولار، من بينها 2.8 مليار دولار للقطاع الخاص و1.9 مليار دولار للقطاع الحكومي.
- أتاح البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، تمويلات تنموية ميسرة بقيمة 3.45 مليار دولار خلال الفترة من 2020 إلى 2023، من بينها 2.2 مليار دولار للقطاع الخاص، و1.23 مليار دولار للقطاع الحكومي
- أتاح الاتحاد الأوروبي منحًا بقيمة 371 مليون دولار، من بينها 15 مليون دولار للقطاع الخاص و356 مليون دولار للقطاع الحكومي.
كما أن مبادلة الديون من أجل التنمية تعد من البرامج الهامة التي تنفذها مصر مع الشركاء الأوروبيين، حيث يتم تنفيذ برنامجين مع الجانبين الإيطالي ويجري تنفيذه منذ عام 2001، بينما يتم تنفيذ برنامج مع الشريك الألماني منذ عام 2011، وفق ما ذكرته وزيرة التعاون الدولي المصرية، والتي لفتت إلى أن قيمة البرنامجين تبلغان نحو 720 مليون دولار، ويتم من خلالهما تنفيذ أكثر من 120 مشروعًا في مجالات تنموية مختلفة.
استكمال الإصلاحات
من جانبه، أكد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، مصطفى أبوزيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- تلك الحزمة التمويلية من شأنها أن تسهم بشكل إيجابي وفعال في مساعي الدولة المصرية للمضي قدماً نحو استكمال الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري.
- الحصول على مساعدات بقيمة 7.4مليار يورو، سيدعم جهود التغلب على التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري واستعادة قوته وعافيته لتحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويضيف: من المتوقع أن يكون لذلك انعكاسات إيجابية، ومن بينها:
- استقرار السياسة النقدية فيما يتعلق بسعر الصرف ومجابهة التضخم.
- زيادة القدرة على الإفراج الجمركي بما يسرع من وتيرة الإنتاج وضبط الأسواق.
- تلك الحزمة من المساعدات بمثابة رسالة طمأنة وتعزيز لثقة المستثمرين في الاستثمار المباشر وغير المباشر.
- تلك التمويلات ستعمل على تغيير النظرة لدى المؤسسات الدولية خاصة بعد تغيير نظرة الاقتصاد المصري من سلبية إلى إيجابية من قبل مؤسسة موديز.
التصنيف الائتماني
وكانت كالة موديز للتصنيف الائتماني، قد قررت تعديل النظرة المستقبلية لمصر إلى إيجابية مؤكدة تصنيفها عند CAA1. وقالت الوكالة في بيانها، إن التغيير في النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري يعكس الدعم الكبير الذي تم الإعلان عنه والخطوات الملحوظة التي تم اتخاذها على صعيد السياسة خلال الأسبوع الماضي.
وأضافت أن تأكيد التصنيف يعكس ارتفاع نسبة الدين في مصر وضعف القدرة على تحمل الديون مقارنة بنظيراتها.
وتوقع مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن تُقدم باقي مؤسسات التصنيف الائتماني على تغيير نظرتها تجاه الاقتصاد المصري، بعد الإعلان بشكل رسمي عن تلك الحزمة من المساعدات.
تدفقات العملة الأجنبية
وأشار إلى أن بعد إتمام تلك الحزمة التمويلية سيتوفر قرابة 50 مليار دولار تدفقات دولارية لمصر (بما في ذلك التدفقات الخاصة بصفقة رأس الحكمة، علاوة على التدفقات المرتبطة بالاتفاق مع الصندوق النقد الدولي، وأخيراً حزمة المساعدات من الاتحاد الأوروبي)، مؤكدًا أن تلك التدفقات الدولارية ستسهم بشكل فعال في زيادة مرونة الاقتصاد المصري والإسراع نحو استكمال الاتجاه إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
وكان المركزي المصري قد قرر قبل أيام رفع رفع أسعار الفائدة في اجتماع مفاجئ بـ 600 نقطة أساس. وسمح للسوق بتحديد سعر الصرف وفق آليات العرض والطلب، بما شكل ضربة قاصمة للسوق الموازية للدولار.
كما وافق صندوق النقد الدولي، على زيادة قيمة قرض مصر إلى 8 مليارات دولار، من ثلاثة مليارات دولار، كان قد تم الاتفاق عليها في ديسمبر 2022.
ووافقت مصر في فبراير على صفقة استثمارية مع دولة الإمارات لتطوير مدينة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط، بقيمة 35 مليار دولار.
تأثيرات إيجابية
من جانبها، عددت الخبيرة المصرفية، سهر الدماطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، التأثيرات الإيجابية لتلك الحزمة التمويلية على الاقتصاد المصري، على النحو التالي:
- تلك الحزمة ستخلق وفرة بالعملة الأجنبية، ما يساعد في القضاء على السوق الموازية للصرف الأجنبي التي تعد عائقًا كبيرًا أمام تحريك الاقتصاد.
- ستساعد كذلك في دعم خفض معدلات التضخم، من خلال ضبط سعر الصرف وفي نفس الوقت مع وفرة العملة الأجنبية، وهو ما يساعد على التخلص من مشكلة التضخم بشكل أسرع.
- توفير العملة الأجنبية لاستيراد المواد الخام.. وكان محافظ البنك المركزي قد صرح بأن التمويلات المتوفرة تغطي كافة القروض وفوائدها العام الجاري، إضافة إلى تغطية السلع المدعمة وجزء من البضائع التي كانت مكدسة بالموانئ المصرية، وهو ما يجعل مثل هذا التمويل فارقًا مع الاقتصاد المصري.
وأفرجت مصر عن سلع وبضائع من الموانئ بقيمة 1.7 مليار دولار في أول عشرة أيام من الشهر الجاري، في ظل الإنفراجة الدولارية التي تشهدها البلاد بعد صفقة "رأس الحكمة" والاتفاق مع صندوق النقد.
وقال وزير المالية المصري، محمد معيط، إن العشرة أيام الأولى من مارس الحالى شهدت تزايد معدلات الإفراج عن السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج الداعمة بشكل مباشر للصناعة، مشيرا إلى أن ذلك يسهم فى زيادة حجم المعروض السلعى بالأسواق، على نحو يساعد فى تحقيق التوازن بالأسعار.
وكان البنك المركزي المصري قد كشف، مؤخرًا عن ارتفاع صافي احتياطيات النقد الأجنبي إلى 35.31 مليار دولار بنهاية فبراير، من 35.25 مليار دولار بنهاية يناير.
وعلى مدى العام الجاري 2024، يتعين على مصر سداد ما يزيد عن 42 مليار دولار من إجمالي الالتزامات الخارجية بما في ذلك الأقساط وفوائد الديون.
"تمويل جيوسياسي"
وأوضحت الخبيرة المصرفية أن الحزمة التمويلية القادمة من الاتحاد الأوروبي مختلفة عن التمويل الخاص بمشروع رأس الحكمة وقرض صندوق النقد والبنك الدولي، لافتة إلى أنها تمثل تمويلاً "جيوسياسي" للتعويض عن تبعات الأحداث في المنطقة والتي أثرت بالسلب على الاقتصاد المصري وعلى رأسها الحرب في غزة التي تضررت من تبعاتها قناة السويس، إضافة إلى الحرب المشتعلة في السودان التي أدت إلى تدفق المهاجرين إلى مصر.
وتوقع معهد التمويل الدولي، أن يبلغ إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي في مصر ما يزيد عن 50 مليار دولار، أي ما يكفي ثمانية أشهر من الواردات، بنهاية السنة المالية الحالية، بدعم من صفقة رأس الحكمة الاستثمارية وإبرام الحكومة اتفاق موسع مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف المعهد في تقرير صدر حديثا أن إبرام مصر لاتفاق بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد، بدلا من ثلاثة مليارات دولار في السابق، والخفض القوي لسعر صرف الجنيه، الذي تجاوز 50 جنيها في البنوك.