يشكل المال جزءاً مهماً في حياة الأفراد، فهو الأداة التي تمكنهم من تلبية حاجاتهم اليومية، وتسهّل أمور حياتهم، فالمال هو عصب الحياة ومن دونه من الصعب الحصول على أي شيء له ثمن، حيث يحتاج البشر إلى المال لدفع ثمن المأوى والغذاء وفواتير الرعاية الصحية وغيرها الكثير من الأمور.
ونظراً لضرورة المال للفوز بحياة كريمة، فإن فهم التمويل الشخصي أمر ضروري أيضاً، إذ يجب على كل شخص أن يكون مسؤولاً عن الأموال التي يكسبها، من خلال تحديد ميزانية تساهم في رسم مساره المالي المستقبلي وتبعده عن العشوائية وسوء التخطيط.
وتم تصميم أنظمة الميزانية الشخصية لمساعدة الأفراد على فهم وتقييم علاقتهم بالمال، والهدف منها هو تأكدهم أنهم لا ينفقون أكثر مما يكسبون، وبهذه الطريقة يمكنهم تجنب الوقوع في مأزق الديون، ولكن ورغم الأهمية التي يمثلها مفهوم وضع ميزانية للمصاريف، إلا أن عدداً كبيراً من البشر يكرهون فكرة تحديد ميزانية.
تخلق شعورا بالحرمان
بحسب تقرير لـ CNBC فإن الكثير من الأشخاص في العالم يكرهون مصطلح الميزانية، تماماً كما يكرهون فكرة تحديد ميزانية لمصاريفهم، حيث يعتبر هؤلاء أن مفهوم تحديد ميزانية للمصاريف يؤدي إلى الشعور بالحرمان، تماماً مثل فكرة اتباع نظام غذائي صحي.
ووفقاً لشركة Sun Group Wealth Partners الأميركية لإدارة الثروات، فإن فكرة تحديد ميزانية هو مفهوم ساحق للغاية بالنسبة للمستهلك العادي، ويشبه إلى حد ما، إخبار الشخص أنه يحتاج إلى اتباع نظام غذائي وتناول طعام صحي.
وأشارت الشركة إلى أن أكثر من 60 بالمئة من عملائها يشعرون كما لو أنهم سيعانون حرفياً في حال قاموا بوضع ميزانية لمصروفاتهم.
وتقول خبيرة الاقتصاد السلوكي سارة نيوكومب لـ CNBC، إن الميزانية تساعد في تقييم الأولويات المالية للشخص، وبالتالي التحكم في الإنفاق، ولكن هذا الأمر يمكن أن يخلق شعور بالحرمان، مما يؤدي إلى تمرد الناس على هذا المفهوم، كاشفة أن النصيحة المالية الكلاسيكية التي تفرضها الميزانية والمتمثلة في خفض الإنفاق على احتياجات مثل الترفيه والمواعدة، تتعارض مع العملية الطبيعية للتحفيز البشري.
ويرى خبراء ماليون أن مفهوم الميزانية يحتاج إلى إعادة صياغة، والظهور على أنه خيار إيجابي وليس بسلبي.
وعلى سبيل المثال، يمكن للأسر أن تفكر في الأمر على أنه خيار للحصول على أموال إضافية دون التضحية بالكثير، إضافة إلى اعتباره خياراً يوفر الأمن والأمان.
وتقول المدربة المالية لينيت خلفاني كوكس، خلال جلسة أسئلة وأجوبة نظمها مصرف "جيه بي مورغان"، إن الميزانية يجب أن لا تمثل أي تقييد نفسي، بل الأمر يتعلق باختيار كيفية تخصيص الموارد المالية وكيفية أنفاقها.
ويرى الخبير المحاسبي والمالي المحلف لدى المحاكم، وليد كامل أبو خير، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الموازنة بشكلها العام تعرَّف على أنها خطة مالية يتم وضعها لفترة زمنية مقبلة، قد تكون فصلية أو سنوية أو نصف سنوية، وتتضمن مجموع المدفوعات والمصروفات، التي من المتوقع دفعها خلال الفترة المحددة.
كما تتضمن الموازنة تقدير الواردات المالية، حيث من خلالها يتحدد مقدار، إما الفائض المالي أو العجز المالي المتوقع، واصفاً الميزانية بالمشروع الذي يعكس التوجه الإنفاقي للمرحلة الزمنية المقبلة، ومن هنا تكمن أهميتها لدى الأفراد حيث تحدد طبيعة مصروفاتهم واتجاهاتها، وبالتالي تضبط مالية أو سيولة الفرد.
ميزات وضع ميزانية
وقال أبو خير إن ميزات الميزانية من الوجهة النفسية، هي أنها تخلق ذاك الشعور التنظيمي والمتناسق لدى الفرد، والتي تبرز الناحية الترتيبية لأفكاره ومسار حياته، وإدخال عنصر الأمان وبالتالي الحد من المخاطر التي قد تعترضه، والابتعاد عن عنصر عدم اليقين، فيتحدد من خلالها ما نسميه الأمان المالي، ولو بصورة نسبية.
وبحسب أبو خير فإن مجرد التفكير بوضع خطة مالية لفترة زمنية مقبلة، يضع الفرد في خانة الحذر من طبيعة هذا الالتزام، ما يخلق في نفسه نوعاً من الخشوع من عدم تجاوز الخطوط الموضوعة، فيضحى الفرد أسير المدة الزمنية المرسومة.
وأضاف أن الخوف من تجاوز سقف الإنفاق الذي تم وضعه، يدفعه الى تخفيض وحتى إلغاء النفقات الشخصية والتي باعتقاده قد تكون مفيدة لحياته، ليشكل الحرمان منها حالة استفزازية تنفره من الالتزام بالموازنة.
إعادة صياغة مفهوم الميزانية
شدد الخبير المحاسبي والمالي وليد كامل أبو خير في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على أهمية أن يعتاد الفرد أولاً على فكرة الالتزام باتخاذ القرارات المالية، فالمدخن على سبيل المثال وكي يتمكن من الاقلاع عن التدخين، عليه أن يعتاد على فكرة أنه يريد أن يترك السيجارة لتكون صحته وحياته أفضل، تماماً كفكرة تحديد الميزانية التي تسهم بتوفير عنصر السيولة المالية، فمن دون موازنة للنفقات قد تأخذ المصروفات منحى عشوائياً يدفع المرء الى إنفاق ما لا يلزم، وهذه العشوائية قد تضيّع فرص تكوين احتياطيات نقدية أو وفر مالي يستخدم لأغراض أخرى.
ويرى أبو خير أن التفكير الإيجابي له عدة أوجه في مسار تحديد الموازنة الإنفاقية، حيث على المرء اعتبار الميزانية خطة للتحوط لفترة زمنية محدودة وليست مجرد قيد فرضه على نفسه.
ويضيف أبو خير في حديثه، إنه إذا كنت من الأشخاص الذين يكرهون فكرة وضع ميزانية لمصاريفهم، ولكنك بحاجة فعلاً لها، فيجب عليك أن تحاول تسميتها باسم شيء يثير اهتمامك، مثل "خطة بناء الثروة" أو "خطة شراء منزل" أو أي شيء آخر، من شأنه أن يقلل من المشاعر السلبية تجاه المفهوم التقليدي للميزانية.
وقال أبو خير إنه عندما يتعلق الأمر بالادخار، فليس من الضروري أن يكون الوضع مرهقاً، إذ يجب على الفرد تحديد المبلغ الذي يريد ادخاره كل شهر، ثم إنفاق المبلغ المتبقي على نفسه، ما يزيل بعضاً من الكره الذي تسببه فكرة الميزانية، فالمتعة جزء مهم من أي ميزانية، ولا بأس أن نفعل أشياء رائعة بأموالنا، مثل القيام برحلة، أو الإقامة في فندق، أو تناول الطعام في مطعم جميل، حيث لا يلزم أن تقتصر الميزانية على المدخرات وإنفاق الأموال بين "الجدران الأربعة" أي المنزل، لافتاً إلى أنه عند التفكير في كيفية وضع الميزانية، يجب عليك أيضاً إفساح المجال للأشياء التي تستمتع بها.
ويرى الخبير المحاسبي أنه طالما يقوم الفرد بدفع فواتيره في الوقت المحدد، ويدخر لتحقيق أهدافه طويلة المدى، فإن إنفاق المال على ما يحب لا يضر بصحته المالية، ولذلك على كل شخص البحث عن مساحة في ميزانيته لمكافأة نفسه، على تحقيق التقدم المالي، وهذا يخفف من الشعور بالكره تجاه الميزانية.