تلوح في أجواء الحرب بين روسيا وأوكرانيا استعدادات كييف لشنّ "هجوم مضاد ثانٍ"؛ حيث طلب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الأربعاء، من الشركات العسكرية تسريع توريد الأنظمة الدفاعية إلى القوات، بعد يوم من إعلان باريس تشكيل تحالف لتزويد أوكرانيا بصواريخ متوسطة وطويلة المدى.
ويرجّح باحثان، روسي وأوكراني، في تعليقاتهما لموقع "سكاي نيوز عربية" بشأن هذه التطوّرات، وقوع هجوم أوكراني قوي (هجوم مضاد ثانٍ)، راصديْن المؤشّرات الممهدة لذلك، وشروط نجاحه بعد فشل الهجوم الأول في تحقيق معظم أهدافه.
وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، تشكيل تحالف جديد من دول في أوروبا لتزويد أوكرانيا بصواريخ وقنابل متوسّطة وطويلة المدى، قائلا: "نحن مقتنعون بأن هزيمة روسيا ضرورية للأمن والاستقرار في أوروبا".
وزاد على ذلك خلال مؤتمر صحفي في قصر الإليزيه، عقب المؤتمر الدولي لدعم أوكرانيا الذي انعقد في باريس، وضم رؤساء ورؤساء حكومات دول بأوروبا، بقوله إن إرسال قوات برية في المستقبل "لا يوجد إجماع بشأنه، لكن لا يمكن استبعاد أي شيء".
إلا أن واشنطن ولندن وبرلين وحلف "الناتو" وآخرين أعربوا في نفس اليوم عن رفضهم لفكرة إرسال قوات، وردّ الكرملين محذّرا من أن إرسال قوات إلى أوكرانيا "لن يكون في مصلحة هذه الدول بتاتا".
التحرّك الروسي
بعد هذا بيوم، أصدرت وزارة الدفاع الروسية، الأربعاء، بيانا بأن وزيرها، سيرغي شويغو، طلب من الشركات المصنّعة تسريع توريد عدد من الأنظمة العسكرية إلى القوات، وذلك خلال قيامه برحلة عمل إلى قوات المنطقة العسكرية الغربية.
ومما جاء في البيان:
- زار شويغو شركة "إن بي أو ستريلا" المصنّعة للرادار المضاد للبطاريات، وشركة "إن بي أو سبلاف" التي تنتج القذائف المتعدّدة الاستعمالات والمقذوفات.
- "ستريلا" ضاعفت إنتاج منظومات الاستطلاع المدفعية هذا العام، وستزيدها 4 أضعاف في 2025، وذلك نتيجة شرائها معدات جديدة، والانتقال إلى نوبة عمل مدتها 12 ساعة.
- كما زادت مؤسسة "سبلاف"، المنتج الأهم لراجمات الصواريخ، إنتاج القذائف 4 مرات ولأنواع محددة منها 7 مرات.
- طالب شويغو بتعديل جدول التسليم للقوات، وتحويل توقيت نقل المعدات إلى الربعين الثاني والثالث، وكذلك الحفاظ على إمدادات موحّدة من الأسلحة على مدار العام.
- قال شويغو: "تم إعداد التعليمات بشأن كل ما يتعلّق بتخصيص الأموال، وتحديد واعتماد الجداول الزمنية لتسليم الصواريخ "MLRS" والقذائف، والمركبات نفسها، وكذلك القاذفات".
هجوم مضاد جديد
في ظل الوعود الجديدة لأوكرانيا، أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن بلاده أعدّت خطة "واضحة" لهجوم مضاد جديد على القوات الروسية، لكنه قال إنه لا يستطيع الكشف عن التفاصيل.
وشنّت كييف هجومها المضاد الأول في يونيو 2023، لكنه لم يحقّق أهدافه الطموحة الخاصة باسترداد الأراضي التي سيطرت عليها روسيا في الجنوب والشرق خلال الحرب التي اندلعت فبراير 2022، وكذلك المناطق التي ضمتها إلى سيادتها، ومنها شبه جزيرة القرم.
ضربات العمق.. واليد الطولى
في تقدير مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات ومقره موسكو، آصف ملحم، فإن "فكرة تجهيز أوكرانيا للقيام بهجوم مضاد جديد نضجت؛ فالحديث عن أن مقاتلات "إف-16" سيتم تقديمها لكييف للقيام بهجوم العام المقبل بدأ منذ نهاية صيف العام الماضي".
ويبني ملحم استنتاجه هذا على عدة مؤشّرات:
- الطيّارون الأوكرانيون يتدرّبون حاليا على هذه الطائرة التي تعدّ بمثابة "يد طولى" تنال من عمق روسيا.
- "الناتو" يخطّط مع أوكرانيا لهجوم في المستقبل القريب، عندما يتم توفير نوعيات خاصة من الأسلحة والمعدات، منها صواريخ "توروس" التي يتم إطلاقها من مقاتلات تورنادو (البريطانية - الألمانية - الإيطالية)، و"هورنيت" الأميركية، و"غربين" السويدية، بينما لا يمكن إطلاقه من مقاتلات "سو-24" المتوفّرة في أوكرانيا.
- عدد مقاتلات "ميغ-29" ليس كبيرا في أوكرانيا، وهذه المقاتلات تحتاج إلى تعديلات لتتمكّن من إطلاق هذه الصواريخ.
ووفقا لتقارير غربية، فإنّ التحضير جارٍ لتسليم طائرات "إف-16" إلى أوكرانيا، وستتمكّن السويد من تقديم طائرات "غربين" بعد انضمامها لحلف "الناتو".
التوقيت والإمدادات
مِن ناحيته، يتَّفق ألكساندروفيتش يفغيني، المتخصِّص العسكري في المعهد الوطني الأوكراني، في أن كييف تدرس بالفعل شنّ هجوم مضاد آخر، متوقّعا أنه يعتمد في المقام الأول على منع القوات الروسية من التوغّل في الجبهة الشرقية.
وأرجع ذلك إلى أن هدف روسيا الحالي هو التمدّد قدر المستطاع في الجبهة الشرقية، والاستيلاء على كل مناطق لوغانسك ودونيتسك، لحماية العمق الروسي من هجمات المسيّرات الأوكرانية، حيث لا تزال كييف تسيطر على نحو نصف دونيتسك.
وحسب يفغيني، فإن نجاح الهجوم المضاد القادم يعتمد على ما يلي:
- بعد سقوط العديد من المدن بوتيرة سريعة خلال الأشهر الماضية، فإنّه من الضروري مراجعة الخطط العسكرية.
- مطلوب المزيد من الدعم الغربي الذي تأثّر نتيجة الأحداث في الشرق الأوسط والأحوال الاقتصادية في أوروبا.
- سرعة إرسال القذائف والصواريخ إلى الجيش الأوكراني لوقف عملية التوغّل الروسية، وهذا ما أكده الرئيس زيلينسكي بأن الوضع على الجبهة "صعب للغاية"؛ بسبب تأخّر وصول إمدادات الدعم العسكرية الغربية.