يعد التضخم من التحديات الاقتصادية التي تسبب تدهورًا في القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وهو أمر يترك آثاراً كبيرة على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية.
في تونس، وبينما يتجه الأفراد نحو استعداداتهم لاستقبال شهر رمضان المبارك، يظهر تأثير ارتفاع معدلات التضخم بشكل واضح على الأسعار، مما ينعكس بشكل ملموس على سلة الاستهلاك في هذا الوقت الحساس.
المعدلات المرتفعة للتضخم -رغم تباطؤها- تعني زيادة في تكلفة المعيشة وتراجع في القوة الشرائية للمواطنين.
وهذا التضخم ينعكس بشكل مباشر على الأسعار الاستهلاكية، خاصة في شهر رمضان، الذي يشهد تزايداً في الاستهلاك والطلب على مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات.
ولا يزال الاقتصاد التونسي يرزح تحت وطأة أزمات واسعة، لعوامل داخلية وخارجية، حيث عانت البلاد من أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، ثم ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية؛ إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.
- بنهاية يناير الماضي بلغ معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في تونس 7.8 بالمئة مقابل 8.1 بالمئة في ديسمبر السابق، مسجلا أدنى مستوياته منذ مايو 2022، بحسب المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
- المعهد أوضح في بيان له أن التضخم السنوي لأسعار المواد الغذائية، بلغ 12.1 بالمئة في يناير وسط ارتفاع أسعار الخضار بنسبة 19.3 بالمئة، والزيوت النباتية بـ 22.7 بالمئة، والأسماك 11.9 بالمئة.
- فيما بلغ تضخم أسعار مجموعة المواد المصنعة بنسبة 6.9 بالمئة على أساس سنوي، مدفوعا بارتفاع أسعار مواد البناء بنسبة 5 بالمئة والملابس والأحذية بنسبة 9.9 بالمئة.
- وعلى أساس شهري، ارتفعت أسعار المستهلكين في يناير بنسبة 0.6 بالمئة، محافظة على نفس النسبة المسجلة في الشهر السابق.
وعلى الرغم من تباطؤ التضخم خلال الشهر الماضي لأدنى مستوياته منذ مايو 2022، إلا أنه ما يزال أعلى من هدف البنك المركزي على المدى المتوسط البالغ قرابة 3 بالمئة.
وفي آخر اجتماع له، أبقى البنك المركزي التونسي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 8 بالمئة، مشيرا أن النسبة الحالية من شأنها دعم تباطؤ التضخم خلال الفترة المقبلة.
ظروف اقتصادية صعبة
بدوره، يؤكد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن تونس تعيش ظروفًا اقتصادية صعبة، من بين أبرز شواهدها:
- اللجوء إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي.
- وجود تخوف من نقص المعروض من العملة الصعبة وقدرة الدولة على التزود بالمواد الأساسية اللازمة في شهر رمضان.
- تخوف من نقص المعروض من المواد الأساسية ومع تدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي.
- الأسعار غير مستقرة وترتفع من وقت إلى آخر.. والغموض سيد الموقف.
ويضيف الشكندالي أنه من الصعب توقع ما سيحدث في القريب العاجل خصوصاً أن هذا العام عام سداد الديون الخارجية، لتكون النتائج كالتالي:
- المخزون من العملة الصعبة سيتم اللجوء إليه بشكل أكبر للوفاء بالالتزامات الخارجية.
- يصاحب هذا الوضع بعض المشكلات متعلقة بالتزود بالمواد الأساسية اللازمة لتشغيل وتنشيط الاقتصاد.
- سينتج عن ذلك تراجع في النمو الاقتصادي.
- تراجع إيرادات الدولة من الضرائب، لتكون هناك حاجة ملحة للجوء إلى الاقتراض الخارجي.
ويكمل الشكندالي أن هناك تحديات تواجه الحكومة التونسية فيما يتعلق بتدبير العملة الصعبة، وهذا قد يصاحبه تأثيراً واضحاً على الأوضاع الاقتصادية خلال شهر رمضان، علاوة على مشكلة المياه التي تؤرق الفلاحين في تونس، إضافة إلى تصاعد تكلفة الأعلاف أيضاً، وهذا ما سيؤثر على أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء.
ويواصل الشكندالي: "الأوضاع بشكل عام غامضة ولا نمتلك القدرة على معرفة هل الحكومة التونسية قادرة على توفير المواد الأساسية، وكيف سيتأثر الفلاح جراء تغيرات عدة على مستوى الشح المائي، إضافة إلى تصاعد فاتورة المدخلات للفلاحين، وإذا ما أضفنا إلى ذلك تزايد مديونية الفلاحين سيتأثر القطاع الزراعي بشكل كبير، وهو ما سيكون له نتائج واضحة فيما يتعلق بتوفير المواد الزراعية في شهر رمضان".
ويختتم استاذ الاقتصاد حديثه:" لا توجد مؤشرات واضحة تؤكد أن الأوضاع ستكون أفضل في شهر رمضان، ربما ستكون الأمور عادية خلال الأيام الأولى في شهر رمضان، لكن بعد ذلك ستطفو مشاكل على السطح فيما يتعلق بالتزود بالمواد الأساسية المهمة، وقد ترتفع أسعار المواد الغذائية".
تحليل للموقف
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل التونسي المقيم في باريس، نزار الجليدي، في تصريحات خاصة لـموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه لا يغيب عن أي باحث في الاقتصاد أن ارتفاع الأسعار في تونس أصبح مشكلة حقيقية حوّلت أوضاع التونسيين إلى التعقيد، مؤكداً على عدم وجود تحكم حقيقي في نسب التضخم، خصوصاً أن تونس قررت ألا ترضخ لضغوطات اقتصادية دولية من أي جانب، في محاولة منها استعادة الاقتصاد التونسي إلى المسار الصحيح.
هذا بالإشارة إلى العلاقة بين تونس وصندوق النقد الدولي، والتي شهدت توتراً وسجالاً منذ العام 2022، في الوقت الذي تقدمت فيه الدولة بطلب برنامج إصلاحات اقتصادية وقرض مالي من الصندوق، شهد عقبات مرتبطة بشروط وضعها الصندوق، ورفضتها البلاد.
ويضيف الجليدي أن هذه التحديات الاقتصادية يقابلها الآن وضعية اقتصادية معقدة مع قدوم شهر رمضان، حيث يأتي هذا الشهر في ظل نسق سياسي يضخم من هذه الأزمة، على حد وصفه.
ويكمل الجليدي: "رغم وجود الأزمة واستفحالها لكن هناك حلولاً لها خصوصاً وأن تونس تستقبل عقب شهر رمضان مباشرة بداية الموسم السياحي، وهو ما سينتج عنه توفير عملة صعبة تدعم الاقتصاد التونسي بشكل أو بآخر.
ويتابع المحلل التونسي في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": ذلك يأتي في وقت به إجماع شعبي على الاكتتاب الداخلي لحماية الاقتصاد الوطني التونسي؛ من أجل توفير أكبر كمية من العملة الصعبة لمجابهة التضخم.
ويشار إلى أن تونس، والتي تواجه أزمة مستفحلة في الدين العام تثير مزيداً من المخاوف حول قدرة البلد على الالتزام بتعهداتها، كانت قد تمكنت العام الماضي من سداد "جميع ديونها".
وأكد رئيس الحكومة أحمد الحشاني، التزام بلاده في الوقت نفسه بسداد ديونها في العام الحالي 2024، رغم صعوبات الوصول للأسواق الدولية وتعطل اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي.
والديون المستحقة للعام 2023 كانت في حدود 11.714 مليار دينار (3.79 مليارات دولار)، وفق بيانات المركزي التونسي.