من المتوقع أن يؤدي عدم اليقين العميق بشأن سياسات إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب بشأن التجارة والتكنولوجيا والحرب في أوكرانيا وملف تغير المناخ إلى تجميد الاستثمار وعرقلة النمو.
كما أن إطلاق حرب تعريفات محتملة من قبل الولايات المتحدة، وهي أكبر شريك تجاري وأقرب حليف للاتحاد الأوروبي وبريطانيا، من شأنه أن يضرب الصناعات الكبرى مثل السيارات والأدوية والآلات، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، تحت عنوان أوروبا تستعد لترامب "أسوأ كابوس اقتصادي قد يواجهه العالم"، اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه.
ووفق التقرير، فإن:
- الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري بسبب الشكوك حول الضمانات الأميركية في أوروبا من شأنها أن تزيد من ضغوط الميزانيات الوطنية وتزيد من العجز.
- بالإضافة إلى ذلك، فإن موقف الرئيس المنتخب الأكثر عدوانية تجاه الصين من شأنه أن يضغط على أوروبا لاختيار الجانب أو مواجهة الانتقام.
ونقل التقرير عن كبير خبراء الاقتصاد في بنك آي إن جي الهولندي، كارستن برزيسكي، قوله "لقد تحقق أسوأ كابوس اقتصادي في أوروبا". وحذر من أن التطورات قد تدفع منطقة اليورو إلى "ركود كامل" في العام المقبل.
وفي ظل الاضطرابات السياسية في ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في أوروبا، فإن هذه الضربة الأخيرة لا يمكن أن تأتي في وقت أسوأ من هذا.
سياسات الإنفاق
وفي السياق، وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن بروكسل تعمل على تغيير سياسات الإنفاق الخاصة بها بهدف إعادة توجيه عشرات المليارات من اليورو إلى الدفاع والأمن، وذلك في ظل تواصل الحرب في أوكرانيا، ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مما يزيد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستثمار.
بحسب التقرير، فإن هذا التحول السياسي سوف ينطبق على حوالي ثلث الميزانية المشتركة للاتحاد، أو حوالي 392 مليار يورو من عام 2021 إلى عام 2027، وهي الأموال التي تهدف إلى الحد من التفاوت الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي.
ولم يتم إنفاق سوى نحو 5 بالمئة من هذه الأموال المخصصة للتماسك حتى الآن، في حين أنفق أكبر المستفيدين، بما في ذلك بولندا وإيطاليا وإسبانيا، أقل من ذلك.
وبموجب القواعد الحالية، لا يمكن استخدام هذه الأموال لشراء معدات دفاعية أو تمويل الجيش بشكل مباشر، ولكن الاستثمار في ما يسمى بالمنتجات ذات الاستخدام المزدوج مثل الطائرات بدون طيار مسموح به.
وسيتم إبلاغ عواصم الدول الأعضاء في الأسابيع المقبلة بأنها ستتمتع الآن بمزيد من المرونة بموجب القواعد لتخصيص أموال التماسك لدعم صناعاتها الدفاعية ومشاريع التنقل العسكري مثل تعزيز الطرق والجسور للسماح بمرور الدبابات بشكل آمن، بحسب مسؤولين في الاتحاد الأوروبي.
وسوف يشمل هذا السماح بتمويل تعزيز إنتاج الأسلحة والذخائر، على الرغم من أن الحظر المفروض على استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لشراء تلك الأسلحة سوف يظل قائما.
أزمة اقتصادية محتملة
من لندن، أكد خبير اقتصاديات الطاقة نهاد إسماعيل في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الاتحاد الأوروبي يستعد لمواجهة أزمة اقتصادية محتملة مع حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025. وأوضح أن هناك مخاوف من نشوب حرب تجارية قد تضطر الاتحاد الأوروبي إلى تبني سياسات حمائية. ومن المتوقع أن تشمل هذه الحرب:
- ضغوطًا من ترامب على أوروبا لتقليص علاقاتها التجارية مع الصين، التي بلغ حجم التجارة البينية معها 739 مليار يورو، أي ما يزيد عن 800 مليار دولار في 2023.
- فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 و20 بالمئة على صادرات الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه أن يعطل النمو الاقتصادي الأوروبي، لا سيما في الاقتصاد الألماني.
وأشار إلى أن هناك اعتمادًا متزايدًا في الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال الأميركي كبديل للغاز الروسي، لكنه لفت إلى وجود نقاط تصادم قد تؤثر سلبًا على العلاقة بين الجانبين، مثل:
- القضايا المتعلقة بالطاقة المتجددة وحماية البيئة والمناخ، وهي مواضيع لا يبدو أن ترامب يعيرها اهتمامًا.
- الضغط الأميركي لزيادة مساهمات دول الناتو في الدفاع عن أوروبا، وسط خلافات حول دعم أوكرانيا.
- التشريعات الأوروبية التي تهدف إلى تنظيم منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت.
وأكد أن العلاقة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مهمة للغاية، إلا أن فوز ترامب يهدد هذه الملفات بحالة من عدم اليقين. وأضاف أن الاقتصاد الأوروبي، الذي يبلغ حجمه 19 تريليون دولار، يمثل ركيزة هامة للولايات المتحدة والصين والعالم بأسره، محذرًا من أن أي خطوات غير مدروسة من الجانب الأميركي قد تؤدي إلى تداعيات كارثية تؤثر على الاقتصاد العالمي.
أوروبا.. وعصر جديد
وبحسب تقرير لـ "ذي كونفرسيشن"، فإنه بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بات لزاماً على أوروبا أن تستعد لعصر جديد من الحمائية الاقتصادية.
ولا شك أن سياسات ترامب خلال ولايته الثانية سوف تخلف عواقب وخيمة على اقتصاد القارة، واستقرارها الجيوسياسي، وتقدمها في معالجة تغير المناخ، بل وربما تهدد مستقبل العولمة ذاتها.
ويشير التقرير إلى أن المخاطر كبيرة بالنسبة لأوروبا. فبالإضافة إلى عقود من التعاون السياسي والثقافي، يتمتع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأكبر علاقة تجارية واستثمارية ثنائية في العالم، والتي بلغت ذروتها في عام 2021، حيث بلغت 1.2 تريليون يورو .
- القلق الاقتصادي الأكثر إلحاحا بالنسبة لأوروبا سوف يتمثل في الرسوم الجمركية. فقد طرح ترامب فكرة استبدال ضريبة الدخل الفيدرالية برسوم جمركية شاملة تتراوح بين 10 و20 بالمئة. وسوف تؤثر الرسوم الجمركية المرتفعة على أوروبا بشكل مباشر وغير مباشر.
- وسيكون التأثير المباشر هو فرض رسوم جمركية أعلى على الصادرات الأوروبية في جميع الفئات، من الصلب والمركبات إلى الجبن والنبيذ، بهدف جعلها أقل قدرة على المنافسة في الأسواق الأميركية.
انعكاسات رسوم ترامب
وإلى ذلك، أوضح كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن حجم التجارة الخارجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتجاوز التريليون دولار (..) مشيراً إلى أن أية عملية رفع للرسوم والتعريفات الجمركية على الدول الأوروبية كما وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من شأنها أن تشكل صدمة للشركات الأوروبية المُصدرة، لذا لابد أن يتعامل الاتحاد الأوروبي مع هذه الصدمة بكافة الوسائل المتاحة.
وأشار إلى أنه لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الرسوم، حيث قام ترامب في ولايته السابقة عام 2016 بفرض رسوم على استيراد الألمنيوم والحديد الصلب بمقدار 25 بالمئة، ولكن آنذاك لم يكن الاتحاد الأوروبي مستعدا للتعامل مع هذه الرسوم وهذه السياسات، بينما اليوم هو أكثر جاهزية للتعامل مع الرسوم المقترحة.
ورجح أن يكون للاتحاد الأوروبي ردًا قاسيًا على الولايات المتحدة الأميركية، مشيرًا إلى أن مجموعة العشرين سيكون لها اجتماعًا خلال أسبوع ليكون للاتحاد نصيبًا كبيرًا في نقاشات اجتماع المجموعة بشأن كيفية الرد على سياسات ترامب التي وعد بها خلال حملته الانتخابية وبعد أن فاز بالانتخابات.
وقال إن ما بعد هذا الاجتماع المنتظر سيتضح للعالم ما هي سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وهو ما يشكل فرصة استباقية للاتحاد بأن يظهر ويوضح موقفه من هذه السياسات.
واستعرض انعكاسات فرض ترامب الرسوم التي تعهد بها، مؤكدًا أن:
- سيكون لها تأثيرًا على مبيعات الشركات الأوروبية بالإنخفاض ما سيؤدي لانخفاض أسعار السوق الأوروبية أيضا، ما يمثل معاناة إضافية للشركات الأوروبية.
- في حال نفذ ترامب وعده بفرض رسوم بحدود 60 بالمئة على البضائع الصينية، في هذه الحالة ستقوم الشركات الصينية باستكشاف أسواق جديدة وعرض بضائعهاعلى هذه الأسواق لتصبح منافسة للبضائع الأوروبية، ما يشكل منافسة حادة بعد انخفاض مبيعات البضائع الأوروبية في هذه الأسواق.
وأكد أن إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي يدركان مدى حدة الصراع الذي سينشأ بينهما، وأن هناك سبيلًا للتفاوض والحصول على استثناءات، متوقعًا أن يعتمد ترامب هذا المسار، خاصة وأنه قادر على تغيير آرائه عندما يرى احتمال الفشل، وأن السياسة الحمائية اقتصاديا ليس لها جدوى وأثبتت عبر التاريخ أنها ليست بالسياسة الاقتصادية الجيدة.
كما توقع أيضاً أن يضطر الاتحاد الأوروبي استخدام السياسات المالية الإنفاقية لتمويل العجز الذي سيحدث للشركات الأوروبية، وهو ما يؤدي إلى حدوث تضخم بفعل تمويل العجز، مشددًا على ضرورة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بمساعدة الشركات الكبرى تجنبها لمرورها بضائقة اقتصادية تؤثر على الاقتصاد.
وأضاف أن الحكومات الأوروبية عليها أن تكون جاهزة لتقديم الدعم والتحفيز لهذه الشركات لإنقاذها من تردي الإيرادات والأرباح، وهو ما يؤثر على العمالة في الاتحاد الأوروبي ومستويات الأسعار، مؤكدًا أن أوروبا أمام تحدٍ كبير إلا إذا كان هناك سبيل للتفاوض مع الولايات المتحدة بأن يكون هناك توازن بين القوة الاقتصادية والتجارة البينية.