مع سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا مرحلة انتقالية غامضة ومحفوفة بالتحديات، حيث تتنافس القوى الإقليمية والدولية على صياغة مستقبل البلاد.

في هذا السياق، تناول محللون في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" مواقف اللاعبين الرئيسيين، مثل تركيا والولايات المتحدة، ودورهم في تشكيل المرحلة المقبلة، وسط تساؤلات حول إعادة الإعمار وصراع النفوذ الإقليمي.

تركيا ومصالحها

تحدث الكاتب والباحث السياسي طه عودة أوغلو عن الدور التركي المتزايد في سوريا بعد سقوط الأسد، مشيرًا إلى تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فدان التي أكدت أن "الشعب السوري هو الذي سيحدد مصيره ومستقبله".

وأضاف أن تركيا تركز على خطوات انتقالية تضمن استقرار الأوضاع ومنع حدوث فوضى، لا سيما مع تصاعد المخاوف من التنظيمات الإرهابية مثل داعش.

وأشار أوغلو إلى أن تركيا تواجه تحديات أمنية كبيرة في المناطق الحدودية، حيث صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان بأن "السلام مع الأسد كان ممكنًا لو لبى الأخير المطالب التركية".

ومع ذلك، فإن رفض الأسد لهذه المطالب جعل أنقرة تضاعف من تحركاتها لحماية مصالحها.

وأوضح أوغلو أن الاجتماع الثلاثي في الدوحة بين تركيا وروسيا وإيران كان خطوة استراتيجية لمناقشة "مصالح الدول الثلاث في سوريا".

تركيا، بحسب المحلل، تدرك أن المرحلة المقبلة تتطلب التوازن بين التنسيق مع القوى الكبرى، مثل روسيا، والحفاظ على وجودها في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

أميركا بين الحذر والمصالح الأمنية

من جهة أخرى، أوضح موفق حرب، محرر الشؤون الأميركية في "سكاي نيوز عربية"، أن الموقف الأميركي تجاه سوريا يتسم بالحذر. وقال إن الولايات المتحدة، تحت إدارة بايدن وترامب، ركزت على "محاربة داعش ومعاقبة روسيا وإيران"، مع تجنب التورط المباشر في الشأن الداخلي السوري.

وأضاف أن إدارة بايدن حافظت على وجود عسكري محدود في شرق سوريا، حيث تدعم الفصائل الكردية والفصائل المعارضة لضمان استمرار تحقيق الأهداف الأمنية الأميركية. "الولايات المتحدة ليست مهتمة بالتدخل في الشؤون السياسية السورية، لكنها ملتزمة بمنع عودة داعش والتصدي للنفوذ الإيراني والروسي في المنطقة"، وفقًا لحرب.

وأشار إلى أن التنسيق الأميركي-الإسرائيلي يعد أحد المحاور الرئيسية في السياسة الأميركية في سوريا. هذا التنسيق يهدف إلى مراقبة الترسانة العسكرية السورية، وضمان عدم وقوع أسلحة متطورة في أيدي الفصائل المتشددة.

كما أشار حرب إلى أن "الولايات المتحدة تشك في استمرار تطوير النظام السوري لقدراته الكيميائية"، وهو مصدر قلق مشترك مع إسرائيل.

أخبار ذات صلة

فيديو متداول.. سيارات الأسد "الفارهة" تصدم السوريين
محكومون بالإعدام وأطفال.. فيديو للحظة تحرير سجناء في سوريا

إعادة الإعمار وصراع النفوذ

وقال حرب إن تركيا، رغم نفوذها الكبير في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، "تفتقر إلى الموارد الاقتصادية اللازمة لإعادة الإعمار". وأكد أن أنقرة ستحتاج إلى دعم دولي كبير، خصوصًا من الدول العربية، لتتمكن من إعادة بناء المناطق المدمرة.

وفي هذا السياق، شدد عودة أوغلو على أهمية "توحيد المعارضة السورية" كخطوة حاسمة لضمان انتقال سياسي مستقر.

ومع ذلك، فإن الانقسامات العميقة داخل المعارضة منذ عام 2011 تعرقل هذه الجهود، ما يجعل تحقيق الاستقرار أكثر صعوبة.

أما عن النفوذ الإيراني، فقد أشار أوغلو إلى أن طهران تواجه اختبارًا صعبًا في ظل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة لتقليص وجودها في سوريا.

"إيران استثمرت كثيرًا في سوريا على مدى السنوات الماضية، وتعتبر البلاد ركيزة أساسية لنفوذها الإقليمي"، بحسب المحلل. ومع ذلك، فإن تزايد التنسيق بين الدول العربية وتركيا قد يضعف من قدرتها على الاحتفاظ بنفس المستوى من النفوذ.

أخبار ذات صلة

العراق يؤكد "ضرورة احترام الإرادة الحرة للسوريين"
الائتلاف الوطني السوري المعارض يكشف عن خطة سياسية انتقالية

مخاطر الفوضى وفراغ السلطة

أجمع المحللون على أن المرحلة الانتقالية في سوريا ستكون محفوفة بالمخاطر.

وقال حرب إن "غياب رؤية دولية موحدة قد يؤدي إلى فراغ سياسي مشابه لما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين"، حيث أدى الفشل الأميركي في إدارة المرحلة الانتقالية إلى سيطرة إيران على مفاصل الدولة العراقية.

وأكد عودة أوغلو أن "تركيا هي اليوم صاحبة النفوذ الأقوى في سوريا"، لكنها تواجه تحديات كبيرة في إدارة الفصائل المسلحة، مثل هيئة تحرير الشام، والتي تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. ورغم التنسيق التركي مع بعض الدول، يبقى السؤال حول قدرة أنقرة على فرض السيطرة الكاملة وضمان الاستقرار في المناطق التي تديرها.