تعيش سوريا اليوم منعطفا سياسيا غير مسبوق مع إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد بعد فترة حكم استمرت حوالي الربع قرن.
لا يمكن لأحد أمام مشهد سوريا بالغ التعقيد أن ينكر أو يتجاهل فرح الشعب السوري بمعظمه، فبقاء الأسد في السلطة بعد حراك عام 2011 كلف هذا الشعب بكل أطيافه الكثير من الأثمان الباهضة إنسانيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا.
وفي نظرة مراقبة للمشهد المحفوف بالمخاطر ترى السوريين مصرين على "فرحة اللحظة"، وتقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات مفادها بأن السوري يستحق التغيير وبأن الفرح حق مشروع لشعب تكبد على مدى سنوات خسائر لا يمكن إحصاؤها.
وفي خضم هذه الحالة نفسها، يمكن رصد المخاوف السورية على مستقبل البلاد، لاسيما أن أمثلة راسخة من دول عدة في المنطقة تثير القلق والشك من إمكانية الانتقال إلى مرحلة مختلفة سياسيا قد لا تكون "براقة" كما يحلم الكثر.
ما هو مصدر القلق في سوريا؟
من أبو بكر البغدادي في الموصل إلى أبو محمد الجولاني في المسجد الأموي في دمشق، لم يختلف المشهد إطلاقاً.
الرجلان اختارا منابر المساجد كوجهة لإلقاء الخطاب الأول، أو خطاب النصر متوسطين جماهير أتت مبايعة الزعيم المُستجد.
من مسجد الموصل في العراق، ألقى البغدادي خطابه الأول بعد سقوط المدينة بقبضة داعش، ومن المسجد الأموي في دمشق أعلن الجولاني سقوط العاصمة في يد هيئة تحرير الشام.
أما في الجوهر، فزعيم داعش السابق أي البغدادي كما زعيم هيئة تحرير الشام الجولاني ولدا من رحم تنظيم القاعدة.
قد يكون الزعيمان قد اختلفا بالعبارات المختارة في خطاباتهما إلا أنهما تطابقا بالمضمون إلى حد كبير وعكسا الخطاب المعتاد لأي تنظيم متطرف.
البغدادي، كان قد أعلن قبل 10 سنوات دولة الخلافة، أما الجولاني فيعلن حالياً أن ما يتم تحقيقه ليس نصرا لسوريا وحسب بل للأمة الإسلامية بأسرها مسقطاً بذلك الحدود الجغرافية.
واعتبر أن سقوط نظام الأسد كان بسبب من وصفهم بالمجاهدين.
ومن الأدلة على ذلك الكثير، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ظهر أحد قادة الفصائل المسلحة المنضوية تحت إطار هيئة تحرير الشام من ساحة المسجد الأموي في دمشق مؤكدا أن الأمر لن يقف عند دمشق بل يعد بالوصول إلى القدس وغزة والمسجد الأقصى والمسجد النبوي والكعبة.
عبارات تعيدنا وتذكرنا إلى حد كبير بالخطاب الجهادي، الذي يُعلي عقيدة التنظيم على فكرة الوطن.
مستقبل سوريا والمنطقة
سقوط نظام بشار الأسد ليس النهاية الكافية على ما بيدو لمستقبل سوريا وشعبها.
وصورة غياب اليقين المهيمنة على هوية الدولة في ظل وجود تنظيمات متطرفة في صفوف المعارضة السورية المسلحة يطرح علامات استفهام عديدة.
علامات استفهام تستتبع المزيد من القلق على مصير المنطقة برمّتها في حال فتح سقوط النظام الأبواب واسعة لعودة صعود الإسلام السياسي .
وتجارب الإسلام السياسي التي لم تبشر خيرا في كل من إيران ومصر طالت جوانب دقيقة من مفاصل الدولتين وأخرت تقديم نموذج الحكم المدني الناجح .
ففي إيران، بدأ الخميني خطابه بشعارات الحرية والعدالة قبل أن يؤسس نظاماً دينياً متشدداً.
وفي مصر ظهر الإخوان بخطاب سياسي مرن خلال الثورة، زعموا فيه أنهم لا يريدون الحكم، ولكن سرعان ما تحولوا إلى توجهات أيديولوجية متشددة تهدف إلى أخونة الدولة.
واليوم تحاول التنظيمات المتطرفة تقديم نفسها نموذجا مقبولا للإمساك بزمام الأمور السورية.
لكن الدروس المستفادة تحول دون إيمان المنطقة بطرحها، فالجرح السوري النازف منذ 14 عاما لا يحتمل أي مجازفة غير محسوبة.
وحرية السوريين لا يجب ان تكون ممراً لعودة التطرف .
واليوم، يتبنى الجولاني لغة يحاول فيها أن يتبنى نهجاً أكثر اعتدالًا ومرونة، لكن يبقى السؤال هل سيظل هذا التحول مستمرا أم أنه مجرد تكتيك مؤقت سينقلب مع مرور الوقت إلى تشدد أكبر، كما حصل في تاريخ الحركات الإسلامية والسلطة من طهران إلى مصر مروراً بغزة.