تلويح إيران بتغيير عقيدتها النووية، حال استهدفتها تل أبيب، ردا على هجوم مطلع هذا الأسبوع، اعتبره محللون يفتح مجالا لإحياء شكوك دولية حول مصداقية طهران بشأن برنامجها النووي الذي تقول دائما إنه مخصص للأغراض السلمية.
وبحسب خبراء في الشؤون الاستراتيجية والإيرانية والعسكرية، في أحاديث منفصلة مع "سكاي نيوز عربية"، فإن التصعيد الإيراني الإسرائيلي ليس مستبعدا أن يذهب المنطقة "إلى جحيم"، باعتبار أن "ورقة النووي" يحتمل أن تكون بداية لحل أزمة المنطقة بالذهاب لاتفاق وتسويات أو إشعالها بحرب إقليمية.
وعيد إيراني
والخميس، أكد قائد حرس حماية وأمن المراكز النووية بإيران، أحمد طلب، وفق ما نقلته وكالة إرنا الرسمية، أنه في "حال أراد الكيان الصهيوني اتخاذ إجراء ضد مراكزنا ومنشآتنا النووية، والمراكز النووية للكيان ستتعرض للهجوم والعمليات بالأسلحة المتطورة".
وأضاف أن "استخدم هذا الكيان التهديد بمهاجمة المراكز النووية الايرانية كأداة للضغط على إيران، فإن من المرجح مراجعة العقيدة والسياسات النووية والعدول عن الاعتبارات المعلنة في السابق".
فيما حذرالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الخميس، تل أبيب في تصريحات من أنه "إذا أخطأت إسرائيل وشنت أي عدوان على إيران فسنرد عليها وعلى حماتها ردا يجعلهم يندمون"، وفق قوله.
تصعيد إسرائيلي وتحذير أممي
وكان مدير هيئة الاستخبارات داخل جهاز الموساد السابق زوهار بالتي قال في تصريحات إن استهداف المنشآت النووية في إيران هو من بين الخيارات المطروحة على الطاولة، وسط مشاورات إسرائيلية داخلية حول كيفية الرد.
وفي هجومها غير المسبوق، أطلقت إيران ما يقرب من 350 طائرة بدون طيار وصاروخًا هجوميًا ضد إسرائيل في 13 أبريل، ردًا على غارة جوية مطلع أبريل على مجمع سفارتها في سوريا أسفرت عن مقتل جنرال إيراني كبير وآخرين.
والخميس، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في جلسة بمجلس الأمن أنّ الشرق الأوسط "على شفير" الانزلاق إلى "نزاع إقليمي شامل".
وفي 19 فبراير الماضي، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز احتياجات الاستخدام النووي التجاري، بعد أن حذر العام الماضي، في مقابلة مع سكاي نيوز عربية من اتساع الصراع في الشرق الأوسط واتخاذه "أبعادا نووية".
وكان الاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015، الذي انسحب منه في 2018 الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، يضع حدا لتخصيب طهران لليورانيوم، وسط محاولات أميركية وغربية لإحياء ذلك الاتفاق
استراتيجية أكثر عدوانية
أميد شكري، الخبير الاستراتيجي والأستاذ الزائر في جامعة جورج ميسون الأميركية يرى في حديث مع "سكاي نيوز عربية" أن العقيدة النووية الإيرانية، كما تزعم متجذرة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وإنكار السعي إلى امتلاك أسلحة نووية.
وتشير تصريحات إيران وفق شكري إلى خروج محتمل عن موقفها السابق. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تنذر باستراتيجية نووية أكثر عدوانية من جانب طهران، مما يثير المخاوف بشأن استقرار المنطقة ويثير إدانة دولية.
ولذا يبدو توقيت هذا التهديد استراتيجيًا، بحسب شكري، ويهدف إلى ردع الانتقام الإسرائيلي في أعقاب الهجمات الأخيرة، ولكن المجتمع الدولي سيظل متشككاً في نوايا إيران وقدرتها على متابعة مثل هذا الخطاب.
وبشأن تداعيات تلك التصريحات، قال أميد شكري، إن الجهات الفاعلة العالمية ستراقب تصرفات إيران عن كثب، وسيكون هناك تخوف دولي بشأن التداعيات المحتملة لأي انحراف عن عقيدتها النووية الراسخة، وسيشعر شركاء إيران المفاوضون، على وجه الخصوص، بالقلق من أي تحولات قد تؤدي إلى تقويض الجهود الدبلوماسية السابقة وتصعيد التوترات.
وسيبقى وفق أميد شكري، تهديد إيران بإعادة النظر في عقيدتها النووية عنصراً مثيراً للقلق ويزيد من عدم القدرة على التنبؤ بتحولات المنطقة، الأمر الذي يفرض تحديات على الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية.
ولايزال المدى الذي ستتبعه إيران في هذا التهديد غير واضح، مما يترك مجالًا للمشاركة الدبلوماسية وجهود وقف التصعيد، يختتم شكري حديثه.
تصعيد جديد
من جانبه، يرى محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسيات الإيرانية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الحديث الإيراني في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية" أن تراجع إيران عن عقيدتها الإيرانية يعني ببساطة التراجع علنا عن عقيدة عدم إنتاج سلاح نووي التي التزمت بالفتوى الشهيرة التي أصدرها المرشد الأعلى على خامنئني سابقا.
ويستدرك قائلا: "لكن معلوم أن إيران منذ وقت طويل امتلكت التقنية النووية ووتنظر القرار السياسي بإنتاج أول قنبلة نووية والإعلان عنها، وشكوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي أكدت ذلك أكثر من مرة وقالوا إن إيران تخصب اليورانيوم أكثر من المستويات المطلوبة".
ويترتب على ذلك أن تصبح إيران دولة نووية علنا، وبالتالي أي تصعيد في المواجهة مع الغرب وإسرائيل ينقلنا من المرحلة الاستراتيجية الحالية التي استخدمت مسيرات وصواريخ لمرحلة امتلاك السلاح النووي الذي كانت تسعى إلى كلما كان الغرب يفرض سابقا حزمة عقوبات، يضيف "أبو النور".
ويحمل ذلك التصريح الإيراني، وفق "محمد محسن أبو النور" تصعيدا مع المجتمع الدولي لأبعد مدى، وتأكيدا على سياساتها بشأن الردع الاستراتيجي.
تغذية حدوث حرب إقليمية
الخبير العسكري، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والسياسية الاستراتيجية، سمير راغب، يرى في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن التلويح الإيراني أمام التهديد الإسرائيلي، سيغذي حدوث حرب إقليمية وشكوك دولية تجاه البرنامج الإيراني.
ويرى راغب أن تلويح إيران تصعيد كلامي مشروط بضرب إسرائيل منشآتها الإيرانية، لافتا إلى أن البرنامج النووي الإيراني في أي حال حاضر لدى صناع القرار في أميركا، وليس فقط يزيد الشكوك الدولية بشأنه.
وأضاف أن التصعيد يعجل في فكرة الوصول لاتفاق نووي قابل للتنفيذ وقد يشمل تسويات في المنطقة، مؤكدا أن هذا كله مرتبط بالتهدئة في غزة.
وحال استمر التصعيد الإسرائيلي ولم يذهب لتسويات واتجهت العمليات نحو إجهاض البرنامج النووي الإيراني فهنا يجب أن نستعد لحدوث حرب إقليمية، يضيف راغب.
وإن فكرة ضرب إيران واجهاض برنامجه النووي تعني تفكيك الحرس الثوري وإشعال الصراع خارج إيران في مناطق يتواجد فيها وكلاء طهران. مضيفا الأخطر أن إيران ستدافع عن نفسها بضرب القواعد الأميركية بالمنطقة، وبالتالي إشعال الصراع في دول الجوار وليس فقط اشتعال حرب إقليمية، وستكون حرب غزة وما يحدث في لبنان أمور بسيطة للغاية حينها
ولفت إلى أنه تحت وتيرة التصعيد الإسرائيلي الإيراني ستستمر وتيرة سباق التسليح التي تتزايد منذ سنوات، وتحت أي حسابات خاطئة من الجانيان قد نفاجأ بانفجار جحيم في المنطقة.