أجمع دبلوماسيون ومراقبون على وصف الزيارة التي يقوم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تركيا، الأربعاء، بأنها تحمل "نقلة نوعية" للعلاقات بين البلدين تنعكس إيجابياً على المنطقة بشكل عام، بعد نحو ما يزيد على عقد من الخلافات الممتدة، والتي طغت على ملفات ثنائية وإقليمية مشتركة، قبل أن يحدث اختراقًا كبيرًا بالاتفاق على تطوير العلاقات الدبلوماسية، وتبعها زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة في فبراير.
ووصفت الرئاسة المصرية، زيارة السيسي إلى أنقرة بـ"التاريخية"، معتبرة أنها تمثل محطة جديدة في مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، والبناء على الزيارة السابقة للرئيس أردوغان، وتأسيساً لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين، سواء ثنائياً أو على مستوى الإقليم، الذي يشهد تحديات جمة تتطلب التشاور والتنسيق بين البلدين.
ويرى دبلوماسيون ومحللون مصريون وأتراك في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن لقاء السيسي وأردوغان سيشهد بشكل أساسي دفع علاقات التعاون الاستراتيجي والاقتصادي بين الجانبين، فضلًا عن إعلان موقف موحّد تجاه الحرب في غزة، والدعوة لضرورة الوقف العاجل للقتال المتواصل منذ أكتوبر الماضي، فضلًا عن التطرق لملفات ذات اهتمام مشترك مثل الموقف في ليبيا وسوريا، وكذلك الحرب بالسودان، وما يجري في الصومال.
مجلس التعاون الاستراتيجي
ووفق جدول أعمال الزيارة، فإنه من المقرر عقد جلسة مباحثات معمقة تجمع السيسي وأردوغان، إضافة إلى رئاسة الرئيسين للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، الذي يتناول سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
من المنتظر أن يتبادل الرئيسان المصري والتركي الرؤى إزاء القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها جهود وقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنهاء المأساة الإنسانية بالقطاع، وخفض التصعيد في الشرق الأوسط، وفق الرئاسة المصرية.
كما سيشهد السيسي وأردوغان التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين حكومتي الدولتين في مختلف مجالات التعاون.
ووفق موقع "خبر تورك"، فإنه على الجانب الاقتصادي، من المقرر أن يبحث الطرفان كيفية العمل على تحقيق زيادة في حجم التجارة بين البلدين إلى 15 مليار دولار، إذ تشهد الزيارة توقيع نحو 20 اتفاقية في قضايا الطاقة والغاز الطبيعي، والتعاون في مجالات الصحة والسياحة والدفاع.
دلالة التوقيت
بدوره، اعتبر رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي، في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الزيارة تأتي في توقيت مهم للغاية، إذ أنها الأولى من نوعها للرئيس السيسي منذ توليه منصبه قبل 11 عامًا، بيد أنه زار أنقرة عندما كان وزيرًا للدفاع في العام 2013.
وقال العرابي إن "مصر وتركيا لديهما تطلع إلى مرحلة جديدة في التعاون التي تشهد سياسات متفقة في الرؤى بالنسبة للأوضاع بالمنطقة"، مشددًا على أن تطوير العلاقات بين الجانبين سيكون له انعكاسات إيجابية مباشرة لتحقيق استقرار أكبر في هذه المنطقة التي تعاني من ويلات الصراعات والأزمات.
وأضاف رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية أن "الأزمات الإقليمية باتت متشابكة ومتصلة بعضها البعض، فلا نستطيع الفصل بين الحرب بغزة والتوتر بالبحر الأحمر، كما لا نستطيع الفصل بين ما يجري في السودان وأزمات منطقة القرن الأفريقي وصولًا إلى ليبيا، وبالتالي وهذا يتطلب تنسيقًا متواصلًا بين القاهرة وأنقرة، سعيًا نحو رؤية واحدة لمحاولات حل هذه القضايا والتشابكات لوقف دائرة العنف بالإقليم".
وفي نظر العرابي، فإن زيارة السيسي لتركيا ستكون "تتويجًا للمصالحة" من الناحية السياسية، ما يعطي العلاقات دفعة أكثر قوة، مع مزيد من التعاون في مختلف المجالات، مشيرًا إلى أن "العلاقات على المستوى التجاري والسياحي والشعبي لم تتأثر وقت الأزمة بين الجانبين".
انعكاسات استراتيجية
من الناحية الاستراتيجية والأمنية، يعتقد رئيس جهاز الاستطلاع المصري الأسبق وأستاذ العلوم الاستراتيجية، اللواء نصر سالم، أن "التقارب المصري التركي يمنع الخلافات في القضايا المحورية، ما يعزز التفاهم الاستراتيجي والعسكري بين الجانبين".
وأوضح سالم في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن هناك قضايا مثلت توترًا سابقا بين القاهرة وأنقرة، مثل التواجد التركي في ليبيا، والنشاط بالبحر المتوسط، وترسيم الحدود البحرية، وبالتالي جرت خلال الشهور الماضية تفاهمات لتسوية هذه الخلافات، وسيتم التواصل بشأنها بشكل مستمر، وبالتالي يعزز ذلك من فرص حل هذه الأزمات، بما يساهم في إخماد أي توتر في هذا الإقليم.
ولفت الخبير العسكري إلى أن التعاون العسكري سيكون مثمرًا في الفترة المقبلة، خاصة مع قرب حصول مصر على الطائرة بدون طيار "بيرقدار"، وهي طائرة أثبتت كفائتها في العمليات العسكرية، وقد نشهد تعاونًا عسكرياً أوسع في مجال التدريبات المشتركة، على حد قوله.
وسبق أن كشف وزير الخارجية التركي هاكان عن موافقة بلاده على تزويد مصر بطائراتها المسيرة التي تحظى بشعبية متزايدة بعد تطبيع العلاقات بين البلدين.
وشدد سالم على أن حرب غزة، والوضع في السودان والصومال سيكون ملفات بارزة خلال مناقشات الرئيسين السيسي وأردوغان، ما يعني أن التنسيق المشترك سيكون له تبعات مؤثرة بشكل إيجابي، خاصة أن كلا الجانبين يرغبان في تهدئة النزاع في السودان حفاظًا على استقرار هذا البلد، وحماية للأمن الإقليمي في هذه المنطقة.
الاقتصاد و"الصيغة السحرية"
على الجانب الاقتصادي، يرى المحلل التركي وعضو حزب العدالة والتنمية، يوسف كاتب أوغلو، أن الاقتصاد سيكون "الصيغة السحرية" لمعالجة آثار القطيعة التي عصفت بالعلاقات الثنائية خلال الفترة الماضية، مؤكدًا أن الأولويات الآن هي للمصالح المتبادلة بين البلدين، والاقتصاد هو المحور الأساسي للتركيز.
واعتبر أوغلو أن الارتقاء بالتبادل التجاري سيكون محورًا أساسياً للمباحثات بين الجانبين المصري والتركي، وصولًا لهدف الـ 15 مليار دولار عوضًا عن قرابة 7 مليارات دولار خلال العام المنقضي.
وكان حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا سجل 6.6 مليار دولار في العام الماضي، مقابل 7.8 مليار دولار في عام 2022، بانخفاض قدره 15.7 بالمئة، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.
وأكد المحلل التركي أن "مصر وتركيا لديهما القناعة والإصرار على الارتقاء بالتبادل التجاري للوصول إلى الهدف المرجو"، مشيرًا إلى أن تركيا تريد الاستفادة من السوق المصري الذي يعتبر سوقا إنتاجياً مميزًا، وبوابة لأفريقيا، في المقابل تسعى مصر للاستفادة من تركيا وخاصة في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية، كما أنها تعد بوابة لأوروبا في المقابل.
ولفت إلى أن الاتفاقيات التي سيجري توقيعها بالزيارة تستهدف دعم الاستثمارات التركية في مصر، وتقديم تسهيلات لها بما يساهم في تنشيطها بالفترة المقبلة.
وشدد أوغلو على أن "تعزيز آليات التعاون بين البلدين اقتصاديا واستثمارياً، سيكون لها بصمات إيجابية على التقارب السياسي والدبلوماسي".
نتائج ملموسة
كما أوضح الباحث السياسي التركي جواد غوك، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هناك أمل كبير في الجانب التركي لتحسين العلاقات مع مصر، ما يعني تحسين الوضع بالملفات المتشابكة معها.
وأضاف: "هناك توقعات بأن يكون هناك موقفا موحدا بين الجانبين تجاه ما يحدث في غزة بالدعوة لوقف العمليات العسكرية والضغط لإدخال المزيد من المساعدات، نظرا لمكانة مصر المهمة بالمنطقة".
ورجح أن تشهد الزيارة حديثًا عن "ملف سوريا"، بالدفع نحو مزيد من التقارب التركي السوري، مضيفًا أن "الرئيس السيسي يهتم بهذا الموضوع".