كسائر دول العالم، تعيش تونس على وقع التغيرات المناخية وما تطرحه من مخاطر وانعكاسات صحية واقتصادية محتملة، خصوصا بعد استفحال ظواهر الجفاف والاحتباس الحراري وزيادة معدلات التلوث في الهواء وغيرها، الأمر الذي بات يهدد بشدة ثروات البلاد خاصة الزراعية والبحرية.
وتعمل تونس، بوصفها إحدى دول حوض البحر المتوسط الأكثر تأثرا بأزمة المناخ، على تبني مقاربة شاملة في معالجة قضية التغيرات المناخية، التي تقوم لا فقط على إيجاد الحلول للحد منها، لكن أيضا على التعايش معها، كونها أصبحت واقعا تعمل جل دول العالم على التكيف معه، وإيجاد خطط بديلة للتعامل مع تأثيراته.
وفضلا عن التوعية بمخاطر التغيير المناخي لدى النشء وترسيخ العلاقة مع القضايا البيئية والمناخية في مناهج الطفولة المبكرة، وتحديث المراجع التعليمية المتعلقة بقضايا البيئة، أطلقت بعض المنظمات التونسية المهتمة بالمناخ خطة شاملة للتعايش مع أزمة الجفاف والاحتباس الحراري واشتداد موجات الحر وغيرها من الظواهر.
وترى رئيسة المنتدى التونسي للتكيف مع التغيرات المناخية نسرين شحاتة، أن "أزمة المناخ العالمية أضحت أكثر من أي وقت مضى وضعية طبيعية مستديمة لا ظرفية، وهو ما يستوجب حتمية التكيف مع هذا الواقع الجديد" وفق قولها.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أكدت شحاتة أن "المنتدى التونسي للتكيف مع التغيرات المناخية يعمل على ترسيخ مشروع ينبني على إيجاد الطرق البديلة للحد من أضرار أزمة المناخ وضمان سلامة الغذاء والحفاظ على الثروات الطبيعية وذلك منذ إنشائه في عام 2021 بمشاركة مجموعات فاعلة في القضايا البيئية والمناخية، ودعم من السلطات".
وتابعت رئيسة المنتدى في حديثها: "لا بد من الوعي بحقيقة التغيرات المناخية والتعريف بطرق وآليات التكيف مع أزمة المناخ. تونس تعيش خلال السنوات الأخيرة على وقع ظواهر جديدة بدأت تتحول من عام إلى آخر لواقع معيشي مثل الجفاف وانحباس الأمطار وانقلاب الفصول وارتفاع درجات الحرارة وما ينجم عنها من حرائق في الغابات والمساحات المزروعة".
وأضافت: "كل هذه الظواهر تفرض علينا التفكير من الآن في كيفية التعايش مع تواتر مواسم الجفاف في البلاد والشح المائي وتراجع منسوب المياه العذبة والتفكير في حلول بديلة لتلافي هذا النقص الحاد أبرزها التسريع في تركيز محطات تحلية مياه البحر و مراجعة الخارطة الزراعية للبلاد والعمل على تطهير المياه المستعملة وإعادة توظيفها في الاستعمالات المنزلية".
وترى المتحدثة أن انحباس الأمطار يؤدي إلى تضرر الزراعات وتراجع المحاصيل، مما يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي وما له من انعكاسات وخيمة على حياة الإنسان، كما أن "أزمة المناخ ستطال بالتأكيد التنوع البيولوجي وستهدد الكثير من السلالات الحيوانية والثروة السمكية في تونس وسائر الدول المتوسطية".
وفي السياق ذاته، قال الخبير في المناخ حمدي حشاد لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الوضع المناخي في تونس يستدعي وضع استراتيجية شاملة للحد أولا من تداعيات التغيرات المناخية، ولوقف استنزاف الموارد المائية وإيجاد البدائل بالاتجاه نحو زراعات أقل استهلاكا للمياه وأكثر مقاومة للجفاف من جهة ثانية.
واعتبر حشاد أن "أزمة نقص المياه ستغير الخريطة الزراعية في تونس، لكن الأهم من ذلك أن البلاد مطالبة الآن بالتعايش معه، لأن عصر الرفاهية المائية لم يعد متاحا".
ونوه إلى أن "العديد من المنتوجات الزراعية الموجهة للتصدير تستهلك كميات قياسية من الماء، مما يستوجب مراجعة النموذج الاقتصادي الزراعي للبلاد".
يشار إلى أن تونس دخلت منذ أكثر من عام في اتخاذ إجراءات شاملة للتعايش مع التغيرات المناخية وتقليص التداعايات المنجرة عنها وذلك بفرض قوانين لترشيد الاستهلاك، والتوجه نحو زراعات أقل حاجة للمياه وغيرها.
وسجلت البلاد نقصا فادحا في نسب امتلاء السدود، وذلك بعد تراجع الأمطار بنسبة 70 بالمئة في العام الماضي، وهو ما يرجح تراجع نصيب الفرد الواحد من الماء إلى ما تحت 250 مترا مكعبا للفرد خلال عام 2023، بعد أن كان في حدود 420 مترا مكعبا للفرد سنويا، وهي أرقام تصنف جميعها أقل من المعدل الأممي.