"يواصل الاقتصاد الهندي النمو بوتيرة صحية على الرغم من الظروف العالمية الصعبة"، وفقاً لتقرير (التنمية في الهند: فرص التجارة الهندية في سياق عالمي متغير) الصادر عن البنك الدولي.
ولكن لتحقيق هدفها المتمثل في تصدير سلع بقيمة تريليون دولار بحلول عام 2030، تحتاج الهند إلى تنويع سلة صادراتها والاستفادة من سلاسل القيمة العالمية.
يشير التقرير إلى أن الهند ظلت أسرع اقتصاد رئيسي نمواً، ونمت بمعدل سريع بلغ 8.2 بالمئة في السنة المالية 2023-2024. وتعزز النمو من خلال الاستثمار في البنية التحتية العامة وارتفاع الاستثمارات الأسرية في العقارات.
وعلى جانب العرض، كان مدعوماً بقطاع التصنيع المزدهر، الذي نما بنسبة 9.9 بالمئة، ونشاط الخدمات المرن، الذي عوض عن ضعف الأداء في الزراعة.
انعكاساً لهذه الاتجاهات، تحسنت البطالة في المناطق الحضرية تدريجياً منذ وباء كورونا، وخاصة بين العاملات. وانخفض معدل البطالة بين النساء في المناطق الحضرية إلى 8.5 بالمئة في أوائل السنة المالية 2024-2025، على الرغم من أن البطالة بين الشباب في المناطق الحضرية ظلت مرتفعة عند 17 بالمئة.
ومع تضييق عجز الحساب الجاري وتدفقات الاستثمار الأجنبي القوية، وصلت احتياطيات النقد الأجنبي إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 670.1 مليار دولار في أوائل أغسطس.
توقعات إيجابية
وفي ظل الظروف الخارجية الصعبة، يتوقع البنك الدولي أن تظل التوقعات الهندية في الأمد المتوسط إيجابية.
- من المتوقع أن يصل النمو إلى 7 بالمئة في السنة المالية 2024-2025 وأن يظل قوياً في السنة المالية 2025-2026 والسنة المالية التي تليها.
- ومع نمو الإيرادات القوي والمزيد من ضبط الأوضاع المالية، من المتوقع أن تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 83.9 بالمئة في السنة المالية 2023-2024 إلى 82 بالمئة بحلول السنة المالية 2026-2027.
- من المتوقع أن يظل عجز الحساب الجاري عند حوالي 1-1.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى السنة المالية 2026-2027.
كما يسلط التقرير الضوء على الدور الحاسم للتجارة في تعزيز النمو، فقد شهد المشهد التجاري العالمي زيادة في الحمائية في السنوات الأخيرة. وقد خلقت إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية بعد الوباء، والتي أثارها الوباء، فرصًا للهند.
ويؤكد التقرير أن الهند عززت قدرتها التنافسية من خلال السياسة اللوجستية الوطنية والمبادرات الرقمية التي تعمل على خفض تكاليف التجارة.
ومع ذلك، فإنه يلاحظ أيضًا أن الحواجز الجمركية وغير الجمركية قد زادت ويمكن أن تحد من إمكانات الاستثمارات التي تركز على التجارة.
وقال أوغست تانو كوامي، مدير البنك الدولي في الهند:
- آفاق النمو القوية في الهند إلى جانب انخفاض التضخم ستساعد في الحد من الفقر المدقع.
- يمكن للهند أن تعزز نموها بشكل أكبر من خلال تسخير إمكاناتها التجارية العالمية.
- بالإضافة إلى تكنولوجيا المعلومات وخدمات الأعمال والأدوية حيث تتفوق، يمكن للهند تنويع سلة صادراتها من خلال زيادة الصادرات في قطاعات المنسوجات والملابس والأحذية، فضلاً عن الإلكترونيات ومنتجات التكنولوجيا الخضراء.
متغيرات دولية
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول مستشار البنك الدولي محمود عنبر، إن الاقتصاد الهندي حقق خلال الفترة الأخيرة طفرة كبيرة في النمو، ما يؤهله ليكون من القوى الإقليمية المرشحة لقيادة العالم في حال إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية العالمية.
ويشير إلى أن حالة عدم اليقين التي تسود العالم اليوم، نتيجة الانقسام إلى معسكرين شرقي وغربي، تجعل من إعادة تشكيل هذه الخريطة أمراً حتمياً.
ويضيف: "من المحتمل ألا تبقى الولايات المتحدة الأميركية هي القطب المسيطر، حيث قد يتحول العالم إلى نظام ثنائي القطبية أو حتى متعدد الأقطاب، بما يتيح الفرصة لقوى إقليمية مثل الهند للعب دور أكبر في الهيمنة على الساحة الاقتصادية العالمية".
ويوضح عنبر أن الهند واحدة من القوى المؤهلة للعب دور محوري في هذا التحول لعدة أسباب:
- امتلاكها موارد طبيعية هائلة ومؤثرة على المستوى العالمي.
- التجارة الهندية مع بقية دول العالم تشهد نمواً ملحوظاً،.
- الاستثمارات المتبادلة التي تتزايد بين الهند والدول الأخرى.
ويلفت إلى تقرير الأونكتاد الأخير الذي يوضح أن بعض الدول، مثل الهند، شهدت زيادة في تدفق الاستثمارات رغم تباطؤ معدلات الاستثمار على المستوى العالمي في الفترة الأخيرة، مضيفاً: "من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الهندي بنسبة تقترب من 7 بالمئة في عام 2024، وربما بشكل ثالث أكبر في 2025، مما يعزز من التفاؤل حول مستقبل الهند الاقتصادي".
تزايد الطلب
ويتابع قائلاً: "زيادة الطلب المحلي والاستهلاك العالمي، الناتج عن الأزمات المالية المتلاحقة بدءاً من جائحة كورونا وصولاً إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، ساعد الهند في الاستفادة من هذا الطلب المتزايد، لا سيما على المواد الغذائية التي تمتلك الهند منها مخزوناً كبيراً. هذا الأمر أسهم في زيادة الصادرات والاستثمارات.
كذلك يشير إلى أن الهند نجحت في مواكبة التطورات الاقتصادية العالمية، خصوصاً في القطاعات المعتمدة على التكنولوجيا والمعرفة، مؤكداً أن الهند تعدّ من أوائل الدول التي تمتلك القدرة على استخدام التكنولوجيا وابتكارها، وأصبحت مصدراً رئيسياً للتكنولوجيا لدول أخرى.
لكنه يشدد على أن مستقبل الاقتصاد الهندي سيظل مرتبطاً بالتغيرات الجيوسياسية، سواءً استمر الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي في إطار العقوبات الاقتصادية أو تصاعد إلى نزاع مسلح قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
الطلب المحلي
من جانبه، يقول خبير الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- من العوامل الأساسية التي تعزز من قوة الاقتصاد الهندي هو النمو القوي في الطلب المحلي؛ إذ تتمتع الهند بقاعدة سكانية ضخمة تتجاوز 1.4 مليار نسمة، ما يخلق سوقًا داخليًا ضخمًا.
- هذه السوق لا تعتمد فقط على الطبقة المتوسطة المتنامية، بل تشمل أيضًا التوسع في الطبقات الفقيرة التي أصبحت لديها قدرة شرائية أكبر بفضل التحسن في الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
- وفقاً لتقرير صندوق النقد الأخير، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة تتجاوز 6 بالمئة خلال الأعوام المقبلة، في حين يتباطأ النمو في عديد من الاقتصادات المتقدمة إلى أقل من 3 بالمئة.
- عامل آخر مهم هو الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ فالهند تستفيد من التدفقات الاستثمارية الكبيرة، خاصة في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية.
- شركات مثل غوغل وأبل قامت بتوسيع استثماراتها في البلاد، مما يدعم النمو التكنولوجي ويخلق فرص عمل ضخمة.
ويضيف: إضافة إلى ذلك، تنفذ الهند إصلاحات اقتصادية منذ وصول رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة في 2014، حيث أطلقت الحكومة عدة مبادرات مثل صنع في الهند "Make in India" و"Digital India" لتشجيع التصنيع المحلي والتحول الرقمي.
هذه السياسات -بحسب أرشيد- عززت من إنتاجية الاقتصاد وأسهمت في تقليل الاعتماد على الواردات، بالإضافة إلى زيادة الصادرات الهندية من المنتجات التقنية والبرمجيات.
كما يشير خبير الشؤون الاقتصادية في الوقت نفسه إلى أن "الاستقرار النقدي" والتحكم في التضخم، يعتبران من العوامل المهمة.. وعلى الرغم من أن الهند عانت من موجات تضخم مؤقتة خلال جائحة كورونا، إلا أن البنك المركزي الهندي نجح في إعادة التضخم إلى مستويات مقبولة. في عام 2023، استقرت نسبة التضخم عند 5.1 بالمئة، وهو معدل يقل عن توقعات السوق، مما ساعد في تعزيز القوة الشرائية للمستهلكين.