خيمت أجواء من القلق والترقب على أسواق المال الصينية منذ تولي وو تشينغ، المعروف بلقب "جزار الوسطاء"، رئيساً للجنة تنظيم الأوراق المالية في فبراير الماضي والذي جاء تعيينه بعد سلسلة من الانخفاضات الحادة التي شهدتها أسواق الأسهم الصينية، والتي أدت إلى تراجعها لأدنى مستوياتها منذ ما يقرب من خمسة أعوام.
وعلى مدى خمسة أشهر تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات والسياسات التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار وتنشيط سوق الأسهم، ولعل آخرها الإعلان عن سياسة جديدة لدعم رأس المال الاستثماري، مما يزيد الآمال في الحصول على موافقات أسرع للاكتتابات العامة الأولية، فهل استعادت أسواق الصين توازنها؟
تعافت الأسواق من خسائرها لهذا العام وذلك الإجراءات الجديدة وتولى تشينغ منصبه في فبراير الماضي، وذلك بعد انخفاض حاد في أسواق الأسهم في البر الرئيسي، بحسب ما ذكر تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
الإجراءات الجديدة
وشملت الإجراءات الجديدة توسيع قنوات خروج رأس المال الاستثماري، مع التركيز على دعم الشركات التي تحقق اختراقات تكنولوجية، كما دعت الإجراءات إلى تنفيذ نظام إدارة للإدراجات الخارجية وتسهيل قنوات خروج صناديق رأس المال الاستثماري غير المقومة باليوان.
وقامت لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية برفع غرامات تضليل المستثمرين وأوضحت المتطلبات الخاصة بالاكتتابات العامة الأولية في الخارج. وكانت أعلنت عن قواعد محدثة دخلت حيز التنفيذ اعتباراً من 31 مارس 2023، والتي تنص على ضرورة امتثال الشركات المحلية لإجراءات الأمن القومي وقانون حماية البيانات الشخصية قبل الاكتتاب العام في الخارج.
ومن السياسات الداعمة للأسواق أيضاً ضخ السيولة في السوق عبر خفض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك، وكذلك كبح عمليات بيع الأسهم على المكشوف.
وكانت الأسهم الصينية تراجعت في بداية فبراير الماضي قبل تعيين تشينغ ببضعة أيام إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2019 وعانت بورصتا شنغهاي وشنتشن من عمليات بيع كثيفة للأسهم العقارية، وانخفضت الأسهم الصينية الكبرى بنسبة 11.4 بالمئة العام الماضي، في حين انخفض مؤشر هونغ كونغ بنحو 14 بالمئة.
وو تشينغ، هو مصرفي سابق وكان يشغل منصب نائب عمدة مدينة شنغهاي، المركز المالي الرئيسي في الصين، كما عمل لمدة عامين رئيساً لبورصة شنغهاي، ويطلق عليه لقب "جزار الوسطاء" بسبب سجله في قمع المتداولين، بحسب محللين.
رأس المال الاستثماري قوة إيجابية في السوق الصينية
ونقلت الشبكة الأميركية عن مارسيا إليس، الرئيسة المشاركة العالمية في شركة "في موريسون فورستر" وفي تعليقها على إجراءات دعم السلطات الصينية للاكتتابات العامة الأولية: "سيعتمد كل شيء على اللوائح التنفيذية، من الإيجابي أن تدرك الحكومة على المستوى المركزي وجود مشكلة، على الأقل فيما يتعلق بالاستثمارات في التكنولوجيا، يمكن لرأس المال الاستثماري أن يكون قوة إيجابية في السوق الصينية، وبصراحة يمكن أن يساعد الصين على المنافسة مع الولايات المتحدة في سباق التكنولوجيا"، بحسب تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وأردفت إليس: "إن أهم مؤشر يجب مراقبته فيما يتعلق بالاكتتابات العامة الأولية هو ما إذا كانت الموافقات ستصدر بوتيرة أسرع، إن مستثمري رأس المال الاستثماري لن يقوموا باستثمارات إلا إذا رأوا مساراً واضحاً إلى حد ما للخروج من الاستثمار".
ثقة المستثمرين بالأسواق تعود تدريجياً
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال علي حمودي الخبير الاقتصادي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons": "لتقييم أداء الأسواق الصينية بعد خمسة أشهر من تولي (جزار الوسطاء) مهامه، ومعرفة فيما إذا كانت الأسواق قد استعادت توازنها، يمكن متابعة أداء مؤشر بورصة شنغهاي المركب ومؤشر شنتشن المركب، إلى جانب مواكبة التدخلات التنظيمية وفيما إذا كانت أحدثت تغييرات في اللوائح والسياسات التي تهدف إلى قمع الممارسات غير القانونية وتعزيز الشفافية في السوق".
وأكد محلل الأسواق حمودي أنه بالفعل هناك تحسن في الأسواق الصينية، وذلك بالنظر إلى مؤشر شنغهاي الذي ارتفع ما يقرب من 3 بالمئة ومؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ الذي ارتفع أكثر من 8 بالمئة منذ بداية العام.
ومن الواضح أن ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بدأت تعود للأسواق الصينية حتى أن المستثمرين الأجانب بدأوا ينظرون بالإيجاب إلى الإجراءات التي يتم اتخاذها من قبل السلطات الصينية، كما أن هناك اعتقاد من قبلهم بأن السلطات سوف تفعل ما بوسعها لإعادة الثقة بالأسواق، بحسب حمودي، الذي أشار إلى الصين لا تزال تواجه مشكلة في القطاع العقاري لكنها في الوقت ذاته لديها الأدوات التي تمكنها من اتخاذ إجراءات تغرس الثقة وتحد من أية عوامل سلبية يمكن أن تؤثر على الأسواق.
7 طرق لجذب الاستثمارات
وفيما بقرارات تعزيز رأس المال والاكتتابات أوضح الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons" أن صدور مثل هذه القرارات يمكن أن يساعد الصين في جذب الاستثمارات من خلال عدة طرق هي:
- زيادة الشفافية والثقة، فالإصلاحات تهدف إلى تعزيز الشفافية والممارسات الجيدة في الأسواق ويمكن أن تزيد من ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، وهذه الثقة تعد عاملاً أساسياً في جذب الاستثمارات.
- تسهيل الإجراءات، إن تبسيط وتسهيل إجراءات الاكتتابات وجمع رأس المال يمكن أن يجعل العملية أكثر جاذبية للشركات والمستثمرين، فإذا كان باستطاعة الشركات جمع رأس المال بشكل أسرع وأسهل، فإن ذلك يشجع على المزيد من الاستثمارات.
- حوافز مالية: إن تقديم حوافز مالية مثل التخفيضات الضريبية أو الدعم الحكومي للشركات التي تسعى للاكتتاب يمكن أن يشجع المزيد من الشركات على دخول الأسواق، مما يخلق فرصاً استثمارية جديدة.
- تنويع الخيارات الاستثمارية: إن تعزيز رأس المال والاكتتابات يعني توفر المزيد من الفرص الاستثمارية المتنوعة، مما يجذب أنواعاً مختلفة من المستثمرين الذين يبحثون عن فرص تنمية رأس المال.
- تحسين البيئة التنظيمية: إصدار قوانين ولوائح تحمي حقوق المستثمرين وتعزز البيئة القانونية يمكن أن يقلل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأسواق الصينية، مما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين.
- دعم الابتكار والشركات الناشئة: يساعد التركيز على دعم الشركات الناشئة والمبتكرة من خلال سياسات تعزيز رأس المال على جذب الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والابتكار، مما يعزز النمو الاقتصادي.
- تحسين الاستقرار الاقتصادي: تعطي الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي إشارة إيجابية للمستثمرين حول استدامة النمو الاقتصادي في الصين، مما يعزز جاذبية السوق للاستثمارات طويلة الأجل.
ويرى حمودي أنه باتباع هذه السياسات، يمكن للصين أن تعزز قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
تأثيرات الدعم مؤقتة
من جهته قال طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية" في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "عندما تتدخل الحكومة في أسواق المال لدعمها، يكون هذا التدخل مؤقتاً بطبيعته، فبالنهاية، ستسير الأسواق وفق اتجاهها الطبيعي، وقد يتباطأ هذا الاتجاه قليلاً. على سبيل المثال، عندما تدخل البنك المركزي الياباني لدعم الين بعد تجاوزه حاجز الـ 150 ين مقابل الدولار، نجحوا في البداية، ولكن بعد فترة قصيرة، عاود الين الانخفاض مجدداً".
الأمر ذاته ينطبق على أسواق المال بشكل عام، فالتدخلات الحكومية غالباً ما تكون ذات تأثيرات مؤقتة، فمؤشر شنغهاي الصيني مثلاً وصل إلى قمته في عام 2015، وبالمقارنة مع الأسواق الأوروبية والأميركية نراه اليوم تشهد أرقاماً قياسية جديدة بينما لم يعد مؤشر شنغهاي إلى تلك القمة منذ تسع سنوات، وهذا بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، بحسب تعبيره.
وأضاف الرفاعي: "في عام 2015 وما قبله، كان النمو الاقتصادي في الصين يصل إلى 7 و8 بالمئة، ثم تراجع إلى 6 بالمئة و5 بالمئة، مما يبرز التباطؤ الملحوظ في النمو الاقتصادي الصيني. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد الصيني حالياً أزمة عقارية، فكل هذه العوامل تشير إلى أن أي تدخل حكومي سيكون له تأثير مؤقت فقط، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن مثل هذه الإجراءات ستستغرق وقتاً للخروج من الأزمة والعودة إلى نمو اقتصادي مقبول".
وبالعودة إلى تقرير الشبكة الأميركية، فقد نقلت عن وينستون ما، الأستاذ المساعد في كلية الحقوق بجامعة نيويورك قوله: "العقبة الحقيقية أمام الإدراجات الخارجية هي عملية الاكتتاب العام الأولي في الخارج وقواعد الصرف الأجنبي، وتيرة الاكتتابات العامة الأولية المحلية والخارجية قد تباطأت. يفضل المستثمرون، وخاصة أولئك الذين يستثمرون الدولار الأميركي في صناديق رأس المال الاستثماري الصينية، الاكتتابات العامة الأولية في الولايات المتحدة باعتبارها أكبر سوق وأكثرها سيولة".
وقال مينغ لياو، الشريك في «بروسبكت أفينيو كابيتال»، وهو صندوق للأسهم الخاصة مقره بكين: "بالنسبة للمستقبل، فإن السوق تراقب سرعة الموافقات على الاكتتابات العامة الأولية الأميركية".
تحديات الاكتتابات العامة الأولية للشركات الصينية في الخارج
ازدادت إجراءات التدقيق التي تفرضها السلطات الصينية على الاكتتابات العامة الأولية في الخارج، كما تم وضع قواعد جديدة لها وذلك بعد قيام شركة ديدي لخدمات النقل الذكي بالمضي قدما في الاكتتاب بالولايات المتحدة عام 2021.
وفي سياق منفصل، كثفت الولايات المتحدة إجراءات التدقيق على رأس المال الأميركي المتجه إلى الصين، خاصة الشركات المرتبطة بالمجال العسكري،ة في السابق، أدى ضعف التنظيم أيضاً إلى وقوع عدد من حالات الاحتيال البارزة التي شملت شركات صينية طرحت أسهمها للاكتتاب العام في الولايات المتحدة، بحسب تقرير الشبكة الأميركية.
وحذرت مارسيا إليس، من الكيفية التي تشجع بها السياسة الجديدة الشركات والمؤسسات البحثية على المشاركة بشكل عام في مجال رأس المال الاستثماري. وأضافت: "للأسف، أعتقد أنه إذا بدأت شركات ليست لديها خبرة في مجال الاستثمار بالقيام بذلك بدافع التشجيع الحكومي، فقد يكون ذلك أكثر ضرراً بالسوق على المدى الطويل لأنها ستخسر الأموال، الأمر الذي سيلقي بظلاله على سوق رأس المال الاستثماري في الصين. نحن بحاجة إلى وجود متخصصين في هذا المجال."
ونقلت وسائل إعلام حكومية صينية ا لوسائل إعلام حكومية، صرح فانغ شينغهاي، نائب رئيس اللجنة، أن سرعة معالجة طلبات الاكتتاب العام الأولية لم تكن سريعة بما فيه الكفاية وسيتم تسريعها، مؤكداً على دعم اللجنة للشركات الصينية في البر الرئيسي للاكتتاب في الخارج، وخاصة في هونغ كونغ.
وأشار محللو الأسهم في مورغان ستانلي إلى تعليقات منفصلة أدلى بها وو تشينغ، رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، مفادها بأن على أسواق رأس المال زيادة دعمها المستهدف للشركات بما يتماشى مع جهود البلاد لتطوير تقنيات جديدة.
وجاء في تقرير مورغان ستانلي: "نعتقد أن هذا يعني أن أسواق رأس المال يمكن أن ترحب بفئات أكثر تنوعاً من الشركات المرشحة للاكتتاب العام طالما يمكنها إثبات الابتكار ودفع نمو الإنتاجية، على الرغم من أن حجم الاكتتابات العامة الأولية قد يظل منخفضاً على المدى القريب نظراً لوجود معايير أعلى أيضاً".