تواصل سوق السيارات الكهربائية في العالم تسجيل نمو في حجم المبيعات، مع استمرار انتشار مفهوم القيادة النظيفة، بدعم من إنفاق شركات تصنيع السيارات، لمليارات الدولارات للاستثمار في هذا القطاع، في ظل الاهتمام المتزايد من جانب المستهلكين باقتناء المركبات الكهربائية.
ورغم النمو المسجل في سوق السيارات الكهربائية خلال 2023، فإن وتيرة هذا النمو تشهد حالة من التباطؤ الملحوظ، الذي ينذر بقرب انتهاء العصر الذهبي للتبني السريع للسيارات الكهربائية، وسط مخاطر تتضمن ارتفاع معدلات الفائدة، والتضخم وعدم اليقين الاقتصادي.
بحسب بيانات شركة Rho Motion لأبحاث السوق المتعلقة بالمركبات الكهربائية، فإن المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية بالكامل والهجينة، نمت بنسبة 31 بالمئة في عام 2023، انخفاضاً من نسبة نمو 60 بالمئة تم تسجيلها في عام 2022.
فخلال عام 2023 تم بيع 13.6 مليون سيارة كهربائية، منها 9.5 ملايين سيارة تعمل بالبطارية بشكل كامل، ونحو 4.1 ملايين سيارة هجينة، في حين توقعت شركة Rho Motion تباطؤ نسبة نمو مبيعات السيارات الكهربائية في 2024، إلى ما بين 25 و30 بالمئة، مشيرة إلى أن قرار ألمانيا المفاجئ العام الماضي بإلغاء دعم السيارات الكهربائية، سيؤثر بشكل سلبي على المبيعات في أوروبا خلال العام الحالي.
طفرة هائلة خلال 9 سنوات
ووسط منافسة شرسة بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا، شهدت مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً، طفرة نمو هائلة، خلال السنوات التسع الماضية، لتقفز من 500 ألف وحدة خلال 2015، إلى مليوني وحدة في عام 2018، ثم إلى 3.2 ملايين وحدة 2020.
كما واصلت مبيعات المركبات الكهربائية قفزاتها الكبرى في عام 2021 لتصل إلى 6.5 ملايين وحدة، مسجلة نسبة نمو تجاوزت الـ 103 بالمئة، لتكسر المبيعات، حاجز الـ 10 ملايين وحدة في 2022، مسجلة نسبة نمو بمعدل يفوق الـ 60 بالمئة، بحسب التقرير الصادر عن بلومبرغ نيو إنرجي فايننس.
رادارات تسلا تلتقط التباطؤ
إشارات تباطؤ نمو الطلب في سوق السيارات الكهربائية، التقطتها رادارات شركة تسلا بشكل سريع، فعمدت وخلال الشهر الأول من 2024، إلى تخفيص أسعار سياراتها في الصين بنسبة تتراوح بين 2 و6 بالمئة مقارنة بالأسعار السابقة، وذلك مع سعيها للحفاظ على مكانتها الرائدة، في أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، لتستتبع هذه الخطوة بإجراء مماثل في كل من ألمانيا، وفرنسا، والنرويج، وهولندا، حيث قامت تسلا بتخفيض الأسعار بنسب تتراوح بين 4 و8 بالمئة، مقارنة بالأسعار السابقة، وهذا ما دفع شركات أخرى لتصنيع السيارات الكهربائية، إلى الانضمام إلى نهج تسلا في خفض الأسعار.
عوامل تباطؤ نمو المبيعات
أصبحت عملية شراء المستهلكين للسيارات الكهربائية أكثر صعوبة في الفترة الأخيرة، بفعل العديد من العوامل، منها ارتفاع معدلات الفوائد على القروض، إضافة إلى عاملي التضخم وعدم اليقين الاقتصادي، إذ تعتبر أسعار المركبات الكهربائية أغلى من تلك العاملة بالبنزين، فمثلاً سيارة فورد الكهربائية من الفئة "إف-150 لايتينيغ" كانت تباع في 2023 بسعر يبدأ من 50 ألف دولار، وذلك مقابل مبلغ قدره 37 ألف دولار للنسخة العاملة بالبنزين.
وتباطؤ نمو الطلب على السيارات الكهربائية، وقرار مواجهته عبر تخفيض الأسعار، سينعكس إيجاباً على المستهلكين، الراغبين في اقتناء سيارة كهربائية بأسعار معقولة في 2024، حيث يرى الكثير من التجار، أن الخصومات التي تقوم بها شركات السيارات هذا العام، ستلعب دوراً كبيراً في تشجيع المستهلكين المترددين، على حسم خياراتهم، بدعم من تراجع الفجوة السعرية بين السيارات العاملة بالبنزين والسيارات الكهربائية.
ويقول المحلل في شؤون السيارات، كريم فخري، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن وتيرة التنافس ترتفع بشكل كبير في سوق السيارات الكهربائية، وهذا التنافس أفقد العديد من المصنعين القدرة على التحكم في الأسعار، كما كان يحصل سابقاً، مشيراً إلى أنه منذ سنوات كانت تكنولوجيا السيارات الكهربائية لا تزال جديدة وذات كلفة مرتفعة، أما الآن، فلا يمكن الاستمرار في تطبيق هذا النهج، في حال أراد المصنعون أن تنتشر السيارات الكهربائية بشكل كبير في الأسواق، حيث لن يكون بإمكان المستهلكين تحمّل التكاليف المرتفعة جداً.
المنافسة تدعم تراجع الأسعار
ولفت فخري إلى أنه بشكل عام، كانت شركة تسلا في السابق، تنفرد بقيادة سوق السيارات الكهربائية، ولكن هذا الوضع تغير مع دخول المصنعين الأوروربيين، والكوريين والصينيين على الخط، كما أن ازدياد المنافسة تؤدي حتماً إلى تراجع الأسعار، مشيراً إلى أن الشركات الصينية تركز على السيارات الكهربائية، وهي تخصص قسماً كبيراً من إنفاقها، من أجل تطوير هذا القطاع بما يتوافق مع شروط السلامة العالمية، ما يتيح لها التربع على عرش هذه الصناعة خلال أربع سنوات من الآن.
البطاريات الجديدة تضغط على الأسعار
وشدد فخري على أن ما يلعب دوراً كبيراً في تراجع أسعار السيارات الكهربائية حالياً، هو وصول الجيل الثالث والجديد، من بطاريات السيارات الكهربائية GEN3 والذي يتيح للمركبات، السير لمسافة أطول بكثير من السابق عند شحنها بالكامل، فمثلاً البطارية الجديدة تتيح القيادة لمسافة تتراوح بين 800 و1200 كيلومتر، مقارنة بمسافة تتراوح بين 340 و500 كيلومتر في السابق، لافتاً إلى أن الشركات التي لا يزال لديها مخزون من السيارات المزودة ببطاريات قديمة، ستلجأ إلى تخفيض الأسعار للتخلص من مخزونها، وهذا ما سيؤدي بالتالي إلى تشكيل ضغوط على قيمة السيارات الكهربائية المستعملة عند إعادة بيعها.
السوق تنتقل للمرحلة التالية
من جهته، يقول تاجر السيارات محمد موسى، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تبني السيارات الكهربائية يتجه للانتقال إلى المرحلة التالية، التي تتطلب اهتماماً أكبر من المصنعين، خصوصاً أن قسماً كبيراً من المستهلكين، باتت لديه حساسية كبيرة تجاه الأسعار المرتفعة لهذا النوع من السيارات، فالمرحلة السابقة كانت أسهل لناحية تحقيق نمو في المبيعات، بدعم من اندفاع المتبنين الأوائل للقيادة النظيفة، أما المرحلة الجديدة فتستهدف بيع المركبات الكهربائية للمستهلكين العاديين، أي الأشخاص الأكثر تردداً بشأن فكرة التحول للكهرباء، وبالتالي إذا لم تلجأ الشركات إلى خيار تخفيض الأسعار، فإنها ستعاني من تراكم المخزون لديها.
الأسعار في 2024
وبحسب موسى، فإن قطاع السيارات الكهربائية، في طريقه لمواصلة النمو البطيء خلال عام 2024، مع استمرار ضغوط معدلات الفائدة المرتفعة، وانخفاض القوة الشرائية للمستهلكين، بسبب عدم اليقين الاقتصادي العالمي، وهذا ما سيجعل من 2024 عاماً مناسباً لاقتناء سيارة كهربائية، مقارنة بالأعوام السابقة، فالأسعار ستكون أرخص حتماً، مشيراً إلى أنه من حسن حظ المصنعين، أن هبوط أسعار السيارات الكهربائية، يأتي بالتزامن مع تراجع أسعار البطاريات، ما يخفف من الضغوط المالية على هذه الشركات، حيث من المتوقع أن يستمر الاتجاه التراجعي للأسعار في السنوات المقبلة، مع استمرار هبوط أسعار الليثيوم من المستويات القياسية، فبحسب جولدمان ستنخفض أسعار بطاريات الليثيوم أيون التي تشكل الجزء الأكبر من تكلفة أي سيارة كهربائية، بنسبة 40 بالمئة بحلول عام 2025.
3 أسباب وراء تراجع الأسعار
ويكشف موسى أن 3 أسباب ستلعب دوراً، في جعل السيارات الكهربائية أرخص في عام 2024 وما بعده، الأول هو انخفاض أسعار البطاريات، أما السبب الثاني فهو انتشار أكبر لمحطات شحن السيارات الكهربائية في العالم، حيث إن تعزيز شبكات الشحن وتسريعها سيسمحان للمصنعين بالتركيز بشكل أقل على البطاريات القوية، التي تعزز المسافة المقطوعة، ما يجعل السيارات أخف وزناً وأرخص في الإنتاج، وهذا بدوره يعني انخفاض أسعار السيارات الكهربائية، في حين أن السبب الثالث هو تكثيف حجم الإنتاج، فأفضل طريقة لخفض تكلفة تصنيع المركبات الكهربائية هي إنتاج المزيد منها، وهذا ما تعمل عليه الشركات حالياً من خلال توسيع خطوط تجميع السيارات الكهربائية الخاصة بها، وهذه أخبار جيدة بالنسبة لأسعار السيارات الكهربائية.
وشدد موسى على أن الأسعار المرتفعة، هي السبب الرئيسي وراء تراجع نمو مبيعات السيارات الكهربائية في 2023، مشيراً إلى أن مُصنّعي السيارات، عليهم مساعدة المستهلكين للتخلص من فكرة أن السيارات الكهربائية باهظة الثمن، وموجّهة للأغنياء فقط، وذلك من خلال توفير سيارات بأسعار مقبولة.