في حين يواجه ملايين الناس العالقين وسط القتال المستمر منذ نحو عام في السودان صعوبات كبيرة في الحصول على وجبة غذاء واحدة في اليوم، أصبحت العاصمة الخرطوم ملاذا غذائيا مغريا للنسور المهاجرة من البلدان الأوربية، وتحولت إلى بيئة خصبة لتكاثر الكلاب، مما أثار مخاوف كبيرة حول الأثر البيئي للحرب.
مخاوف جدية
يثير انتشار وتحلل الآلاف من الجثامين في عدد من مناطق العاصمة الخرطوم، إضافة إلى مخلفات المعامل ومراكز الأبحاث الطبية والبيولوجية التي تعرضت لدمار واسع، مخاوف كبيرة.
وتشير حنان الأمين مدثر، استشارية أنظمة البيئة وتغير المناخ، إلى الانعكاسات البيئية والصحية الخطيرة لمخلفات النفايات وبقايا الجثامين المدفونة في الأحياء والطرقات العامة والتي تؤدي إلى انتشار البكتيريا الضارة في الهواء وربما اختلاطها بشبكات مياه الشرب والصرف الصحي، مما ينجم عنه تفشي العديد من الأمراض الخطيرة مثل الكوليرا والبلهارسيا والحميات.
وتقول مدثر، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تفادي ذلك يتطلب إجراء عمليات تطهير واسعة والتعامل بشكل سريع مع الكارثة لتقليل المخاطر المرتبطة بها؛ وهو أمر صعب للغاية في ظل غياب الإدارة الفاعلة للنفايات والمخلفات.
وشهدت العديد من مناطق الخرطوم انتشارا كثيفا لجثامين متحللة ظلت لفترات طويلة ملقية في بعض الطرقات العامة قبل أن تتمكن فرق متخصصة ومنظمات تطوعية من دفن بعضها.
وتوقعت نقابة أطباء السودان تزايدا كبيرا في أعداد الوفيات بسبب تفشي الأمراض الناجمة عن الآثار الصحية والبيئية الناجمة عن الحرب؛ في ظل صعوبات كبيرة تواجه القطاع الصحي الذي يعاني من خروج أكثر من 70 في المئة من مستشفياته عن الخدمة، إضافة إلى نقص حاد في المعينات الطبية والأدوية المنقذة للحياة وانقطاع مستمر في التيار الكهربائي.
وبعد أشهر من اندلاع الحرب، نبهت اللجنة المركزية لضباط الصحة بالسودان إلى تردي الأوضاع الصحية والبيئية جراء الحرب بالبلاد، محذرة من مخاطر كبيرة على الصحة العامة وصحة البيئة بسبب تراكم النفايات وجثث الضحايا التي دفن بعضها داخل البيوت. لكن وبعد مرور نحو عام على الحرب، لا تزال تلك المخاوف قائمة بل وتزايدت بشكل أكبر من خلال العديد من المؤشرات.
مؤشرات عديدة
واعتبرت تقارير التكاثر الكبير للكلاب في شوارع الخرطوم والانتشار الكثيف غير المعتاد للنسور الأوروبية مؤشرا حقيقيا على ضخامة حجم كارثة جثث قتلى الحرب، التي لم يتم دفنها بالطريقة المناسبة.
وأشار خبير الغابات والحياة البرية طلعت قاسم إلى تقارير تؤكد عدم عودة النسور وكل الطيور الأوروبية المهاجرة خلال فصل الشتاء هذا العام كما هو معتاد.
وبعد تأخر عودتها، أجرى باحثون تحليلا للظاهرة وفقا لمعايير المركز الأوربي لرقابة الحياة الفطرية والبرية، وذلك من خلال الشرائح المثبتة في بعض النسور والتي أكدت بقاءها في السودان، خاصة العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى في دارفور وكردفان.
وبعد التقصي، اتضح أن هذه المناطق تشهد معارك عسكرية طاحنة وفرت كميات كبيرة من اللحم الآدمي، إذ لم تتح ضراوة المعارك دفن الجثث الكثيرة المتناثرة في الطرقات.
وفي الجانب الآخر، أكد تقرير التحليل البيولوجي أن أعداد الكلاب في الخرطوم تضاعفت أكثر من 4 مرات منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، مشيرا إلى أن أكبر خطر يمكن أن ينجم عن ذلك التكاثر المخيف هو انتشار الأمراض، إذ ان معظم الكلاب باتت تعتمد على الجثث البشرية في غذائها في ظل انعدام أي فوائض غذائية أخرى في بلد يواجه فيه أكثر من 25 مليون من سكانه البالغ عددهم 42 مليون نسمة خطر الموت جوعا.