واصل المكون الرئيسي للشوكولاتة في أسواق السلع الأساسية طيلة الفترة المنقضية من العام الجاري 2024 مستوياته السعرية المرتفعة، ما وضع الشركات المُنتجة أمام تحديات متصاعدة.
الأسعار الفورية للكاكاو بدأت العام الجاري عند مستوى 4200 دولار للطن المتري، ثم وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من 11000 دولار للطن المتري في أواخر الشهر الرابع من العام، قبل أن تستقر فوق 9000 دولار، بحسب بيانات نشرتها شبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
ووفق تقرير الشبكة، فقد لعبت عوامل مثل أمراض المحاصيل، وظاهرة النينيو، و"أسعار باب المزرعة"، والمضاربات في السوق، دوراً كبيراً في الارتفاع التاريخي لأسعار الكاكاو.
ووفق محلل السلع الزراعية في رابوبانك، بول جولز، فإن العوامل المرتبة بجانب العرض "لا تزال تمثل مشكلة كبيرة للغاية"، متوقعاً استمرارها خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي الوقت الذي تواجه فيه صناعة الشوكولاتة ارتفاع تكاليف المدخلات، يشعر المستهلكون بالضيق، وبدأ مقدمو الشوكولاتة في التفكير في البدائل.
وتابع جولز: "إذا نظرنا من زاوية المستهلك، فمن المؤكد أن الأسوأ لم يأت بعد فيما يتعلق بزيادات الأسعار التي سيواجهونها حتى لو رأينا انخفاضاً كبيراً في أسعار العقود الآجلة للسلع؛ لأنه من المحتمل أننا سنظل نرى هذه الزيادة في المتاجر في الأشهر القليلة المقبلة"، على حد قوله.
اتجاهات الأسعار
من جهته، أوضح كبير محللي الأسواق في XTB MENA هاني أبو عاقلة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الكاكاو ظل لمدة 15 عاماً مضت يتم تداوله ما بين 2000 إلى 3 آلاف دولار، وبدأ الصعود بعد أن تعرض الغرب الأفريقي إلى أزمة بالإنتاج في ظل مسؤوليته عن توفير ما بين 60 إلى 70 بالمئة من إمدادات خام الكاكاو عالمياً.
وأرجع السبب وراء ارتفاع الأسعار بقوة إلى:
- نقص الإنتاج: تقلص الإنتاج بفعل الآفات الزراعية وحالات الجفاف في فترة الزراعة وهطول أمطار خلال فترة الحصاد، بينما الطبيعي أن يحدث العكس حتى يكون إنتاج المحصول جيداً ووفيراً.. وبالتالي انخفض الإنتاج بنسبة اقتربت ما بين 300 إلى 400 ألف طن تقريباً.
- نقص المخزون: في الوقت الذي كانت فيه المخزونات العالمية "جيدة"؛ خاصة وأنه من بعد جائحة كوفيد 19 كان هناك استقرار وتم الاتفاق بين الشركات العالمية على الاحتفاظ بمخزونات ملائمة، إلا أن أصبحت هنالك مشكلة في سحب المخزونات في ظل ارتفاع الطلب والإمداد الضعيف.
وأشار إلى أن أزمة ارتفاع تكلفة خام الكاكاو أثرت على أغلب الشركات المنتجة للشوكولاتة العالمية، وعلى رأسها على سبيل المثال شركة Lindt and sprungli، Hershey و mondelez و nestle، موضحاً أن:
- تلك الشركات أعلنت عن أنها سوف تزيد من قيمة أسعار منتجاتها.
- كذلك ذهبت تلك الشركات إلى تقليص حجم المنتج إضافة إلى رفع السعر حتى تحافظ على تواجدها بالسوق.
- انخفضت أسهم بعض تلك الشركات منذ بداية العام بشكل متفاوت، فبعضها انخفض بنسبة 14 بالمئة، وأخرى 16 بالمئة، بينما انخفضت بعض الشركات بنسبة 24 بالمئة.
أزمة الإمدادات
وعلى الرغم من أن تلك الشركات تعاني من ارتفاع سعر المواد الخام، إلا أنها أبدت مرونة في التعامل مع الارتفاع، ومحاولة تمرير بعض التكلفة إلى العملاء، فالشكولاتة على سبيل المثال موجودة ولكن بسعر أعلى وسوف يستمر سعرها بالارتفاع لعامين أو ثلاثة أعوام قادمة.
وفي السياق، استعرض بعض العوامل التي من شأنها أن تؤدي إلى الاحتفاظ بتلك الأسعار الصاعدة لخام الكاكاو، ومنها:
- مشكلة بالإمدادات: هناك نقص في الرقعة الزراعية، وإذا ما تم البدء بزراعة الكاكاو الآن فإن محصوله لن يثمر قبل عامين أو ثلاثة، وبالتالي لن يعوض النقص في المعروض إلا أن يواجهه نقص شديد في الطلب كأن يكون هناك عزوف عن تناول الشكولاتة أو أن توقف الشركات الإنتاج، وهنا من الممكن أن يحدث توازن.
- الإمداد لن يعوض قريباً، لذلك من المتوقع استمرار ارتفاع الأسعار أعلى من المتوسط 2000 أو 3000 آلاف دولار الذي استمر 15 عام، وقد تصبح الأسعار أعلى من ذلك ثلاثة أو أربعة أضعاف.
- يمكن أن تخترق مستويات السعر أعلى قمة لها، بعد أن صعد لأعلى من مستويات 10 آلاف دولار، وتخطى هذا السعر حتى وصل إلى 11.700 ثم هبط من ذلك المستوى إلى مستويات 6850 دولار، وبدأ يرتفع الآن ليقترب من مستويات العشر آلاف من جديد.
- المضاربة الكبيرة من بين أبرز الأسباب، باعتبار أن الصعود القوي أدخل قوة مضاربية كبيرة على السعر، لذلك في شهر مارس وحده ارتفع سعر الكاكاو 60 بالمئة، حيث كانت هناك قوة مضاربية أكثر من الطلب الحقيقي، وهو سبب قوي إلى وصول السعر لمستويات قياسية.
- عدم توافر بديل: البرازيل وأميركا اللاتينية تستحوذان على نسبة بسيطة من إنتاج الكاكاو وهما غير قادرين على تعويض الإنتاج (..) بالتالي سيكون هناك مزيد من الارتفاعات بالسعر (..).
وتوقع كبير محللي الأسواق في XTB MENA هاني أبو عاقلة، خلال حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن يستمر الارتفاع بأسعار بالشكولاتة حتى نهاية العام المقبل 2025 وأبعد من ذلك، ما لم تتوازن الأسواق في العرض والطلب وأن تعود إلى أرقام معقولة.
مستويات سعرية "تاريخية"
في سياق متصل، قال رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن العقود الآجلة الخاصة بالكاكاو منذ بداية العام الجاري وحتى الآن وصلت إلى أسعار تاريخية، حيث وصلت إلى 12 ألف دولار أي 130 بالمئة، بينما الآن تحقق تصحيحاً نسبياً.
وأضاف: "العام الجاري شهد فجوة بين العرض والطلب، وهو استكمال لحالة مستمرة منذ أربعة سنوات متتالية"، متوقعاً استمرار ارتفاع سعر الكاكاو على المديين المتوسط والبعيد، خاصة وأن العجز بالإنتاج مستمر.
وأفاد بأن أهم الدول المنتجة للكاكاو هي دول بغرب أفريقيا، والتي باتت تعاني ضعفاً بالمحاصيل، وعلى رأسها ساحل العاج وغانا.
وأرجع أسباب ارتفاع سعر الكاكاو الذي وصفه بالتاريخي، إلى عديد من العوامل بعضها يتعلق بالعوامل الطبيعية (في إشارة إلى التغيرات المناخية) إضافة إلى العجز لرابع عام على التوالي بين العرض والطلب، على النحو التالي:
- التقلبات المناخية منها ظاهرة النينو والاحتباس الحراري إضافة إلى الأمطار والجفاف.
- انتقال أغلب المزارعين في غرب أفريقيا -وخاصة في غانا- نحو التنقيب عن الذهب بدلًا من الزراعة، طمعا باستخراج الذهب وتحقيق أرباح أكبر.
- الطلب الإضافي الزائد على الكاكاو.
- الاضطرابات التي تشهدها الأسواق والتي أثرت على السلع وسببت عجزًا بين العرض والطلب.
- بعض أشجار الكاكاو أصبح تعاني التلف، وهي أشجار معمرة.. وحتى تعاود النمو من جديد تحتاج فترة تصل إلى أربعة سنوات.
ظروف جوية متطرفة
في السياق، أكد أستاذ اقتصاديات البيئة بالقاهرة، الدكتور علاء سرحان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الظروف الجوية المتطرفة خاصة في نصف الكرة الجنوبي لعبت دوراً كبيراً في زيادة أسعار خام الكاكاو خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح أن زراعة الكاكاو تعتمد على درجات حرارة محددة وظروف معينة للمياه، ولكن بسبب موجات الحر والأمطار الغزيرة والجفاف وكل التغيرات المتطرفة في درجات الحرارة والظروف الجوية حدث تدهور كبير في محصول الكاكاو والكميات الموردة منه، في ظل حالة الطلب الكبيرة من المستهلكين حول العالم.
وبشأن الاتجاه إلى استخدام بدائل للكاكاو، أفاد بأن شركات صناعة الشوكولاتة بدأت تغيير أحجام العبوات أو وضع أنواع من المكسرات والفواكه المجففة وخلطها بها.
ويشير تقرير الشبكة الأميركية في هذا السياق، إلى أن شركة كارغيل التي تفكر الآن في مكونات بديلة مشابهة للكاكاو لصنع منتجات الشوكولاتة الخاصة بها. وقد دخلت شركة الأغذية والمشروبات في شراكة مع Voyage Foods في أبريل لإنتاج البدائل.
واستبعد سرحات أن يتم سد العجز في المعروض من الكاكاو خلال وقت قريب، مرجعاً السبب إلى التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، والتي من غير المتوقع معها أن تتحسن هذه الظروف المتطرفة، بينما يرجح أن تزداد سوءا.