تسير كوريا الجنوبية على خطى اليابان في اتخاذ تدابير تستهدف تحسين حوكمة الشركات لتعزيز أسواق الأوراق المالية المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية ومعالجة ما يسمى "الخصم الكوري".
وكشفت لجنة الخدمات المالية في كوريا الجنوبية عن برنامج "زيادة قيمة الشركات" والذي يهدف إلى دعم عوائد المساهمين من خلال الحوافز بما في ذلك المزايا الضريبية، لكن خبراء اقتصاد يشككون في إمكانية نجاح هذه الإجراءات في رابع أكبر اقتصاد بآسيا لاختلاف طبيعة الشركات في كلا البلدين.
وطلبت اللجنة من الشركات المدرجة في البورصة الكورية "إعداد خطط تعزيز التقييم والكشف عنها طوعًا"، كجزء من جهودها لتقديم المزيد من الشفافية وتعزيز عوائد السوق، على أن تقوم اللجنة بوضع إرشادات مفصلة وإنشاء بوابة "ويب" مخصصة حتى تتمكن الشركات من الكشف عن خططها في النصف الثاني من عام 2024، بحسب شبكة (سي إن بي سي).
أما في اليابان فقد عملت الحكومة وبورصة طوكيو على تعزيز حوكمة الشركات عبر التغيير الهيكلي والذي يعمل على تحسين تخصيص رأس المال، فمع تداول نصف الشركات المدرجة بأقل من القيمة الدفترية، فإن البورصة تضغط على الشركات لمراجعة استخدامها لرأس المال، لإصلاح أعمالها وتعزيز قيمتها، وذلك في إطار سعي الحكومة للتخلص من السمعة التي تلاحق البورصة والتي ينظر إليها على أنها سوق للأسهم رخيص الثمن، إلى جانب تشجيع الشركات الراكدة.
وانتعشت أرباح الشركات اليابانية وحققت الأسهم ارتفاعات قوية في الفترة الأخيرة مع استهداف مؤشر نيكي 39000 نقطة.
بداية ما هو "الخصم الكوري"
"الخصم الكوري" هو ميل الشركات الكورية الجنوبية للحصول على تقييمات أقل من نظيراتها العالمية، وذلك بسبب عوامل مثل انخفاض توزيعات الأرباح وهيمنة ما يعرف بالتكتلات المعروفة باسم التشايبول "chaebols" حيث تتكون أسواق كوريا الجنوبية من شركات تسمى "تشايبول"، وهي عبارة عن تكتلات عالمية كبيرة مملوكة لعائلات، وتسيطر عليها عادة عائلة المؤسس.
ومن الشركات الكبرى البارزة سامسونغ للإلكترونيات، إل جي، إس كيه وهيونداي، وفي ظل هذه الهياكل المملوكة للأغلبية من العائلات، فإن أصحاب المصلحة من الأقليات ليس لديهم تأثير يذكر على القرارات الاستراتيجية.
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام: "لا يعني استخدام نفس الأدوات أن يكون لها ذات التأثير في الاقتصادات المختلفة، نظراً لاختلاف منظومة أسواق الأسهم بين الاقتصادين الياباني والكوري، بمعنى أن استخدام كوريا الجنوبية قواعد اللعبة اليابانية لتعزيز قيمة شركاتها لا يعني النجاح المضمون، قد تكون التدابير التي اتخذتها كوريا الجنوبية على غرار اليابان لتحسين حوكمة الشركات ومحاولة رفع قيمة الشركات وأرباحها ناجحة لكنها غير كافية لتعزيز أسواق الأوراق المالية المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية".
والسبب الأساسي لذلك يعود إلى طبيعة ملكية الشركات الكورية المختلفة تماماً عن اليابان، فالشركات الكورية ذات الوزن الكبير في الأسواق مثل سامسونغ وإل جي وهيونداي، عبارة عن تكتلات عالمية كبيرة مملوكة لعائلات وتحت قيادة عائلة المؤسس، لذلك فالمساهمين المسيطرين لهم الغلبة في التغييرات وهذا يجعل قرارات الحكومة صعبة التحقق أو على الأقل بطيئة التسلل في اقتصاد الشركات، فمن يحصل على المنفعة المالية الكبرى من الوضع التنظيمي الراهن قد يحاول تأخير تأثير التغييرات التنظيمية، وفقاً لعزام.
ضرورة إقناع شركات العائلات بتغيير توجهاتها
وأوضح عزام أن السلطات الكورية قد تحتاج إلى توضيح التفاصيل بشكل أكبر حول كيفية قيام الشركات بزيادة نسبة توزيع الأرباح، وإعادة شراء الأسهم وإلغاءها، في محاولة لإقناع العائلات المسيطرة في كوريا الجنوبية لتغيير توجهاتها، أو حتى إقناعها بمنفعة مالية موازية للهيكلة التنظيمية الحالية.
ولكن يبقى هناك بعض التغييرات الإيجابية والتي سيكون لها تأثير جيد على أسواق الأسهم من تشجيع المستثمرين الأجانب، وتمديد ساعات التداول، وعدة إجراءات تهدف إلى تحسين تقييم الأسواق، إلى جانب الحاجة لسلسلة أخرى من الإجراءات في محاولة لدفع أسهم الشركات المقومة بأقل من قيمتها العادلة، وهي ليست بالعدد القليل في مؤشر كوسبي، حيث تبلغ حوالي ثلثي الشركات المدرجة، طبقاً لما قاله محلل الأسواق عزام.
وأضاف محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي: "الوصول إلى ما وصلت إليه اليابان من تحسين تقييم الأسهم قد يحتاج مسافة كبيرة من الخطوط التنظيمية والتي قد تدفع المزيد من الاستثمارات. في ظل الوضع الحالي، من الطبيعي أن يدرك المستثمرون أن الاستثمار في الأسهم حتى يصل سعر السهم إلى التقييم الموضوعي والعادل لقيمته هو أمر محفوف بالمخاطر في ظل الأسواق الحالية، وأن إقناع المستثمرون قد يحتاج سنوات من إصلاحات حوكمة الشركات وخطوات أخرى لتشجيع إعادة شراء الأسهم وخفض الحيازات المشتركة وزيادة الأرباح لدعم الأسواق في كوريا الجنوبية".
تدابير تتوقعه السوق
من جهته، قال الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons"، علي حمودي، في حديثه لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية": "بحسب ما ذكرته لجنة الخدمات المالية في كوريا الجنوبية، إنه بموجب برنامج (زيادة قيمة الشركات)، ستقوم الحكومة بتشجيع ودعم الجهود التطوعية للشركات لإعادة المزيد من رأس المال إلى المساهمين وتحسين الحوكمة، وسيكون بمقدور الشركات الرجوع إلى مبادئ توجيهية مفصلة ستصدرها الحكومة في النصف الأول من هذا العام لخطط إعداد التقارير الخاصة بها، على أمل أن تساعد هذه الإجراءات في حل مشكلة ما يعرف باسم (الخصم الكوري).
لكن حمودي يشكك في أن هذه الإجراءات ستحدث تغييراً ملحوظا في أسعار الأسهم، ويرى أن ما اتخذ حالياً من إجراءات كان عاديا للغاية، مع القليل من التدابير التي ينظر إليها على أنها حوافز. ولم تكن هناك متطلبات إلزامية ولا مزايا ضريبية، وهي خطوات كانت السوق تتوقعها.
لذا فإن الشيء الرئيسي الذي يجب ملاحظته هو أنه لا يوجد أي إلزام في التدابير، كما أنه لا يوجد الكثير من النقاش حول مراجعة القوانين التجارية لمنع المساهمين المسيطرين من الإضرار بمساهمي الأقلية، بحسب حمودي.
هل يمكن للتكتلات العملاقة أن تتغير؟
نقلت شبكة (سي إن بي سي) عن جيمس ليم، كبير محللي الأبحاث في شركة دالتون للاستثمارات قوله: "القضية الرئيسية هي أن "الخصم الكوري" موجود لأن المساهمين المسيطرين يحصلون على فوائد غير متناسبة، إذ أن كوريا الجنوبية لديها عدد أكبر من الشركات ذات المساهمين المسيطرين الأقوياء مقابل اليابان، وهنا يكمن التحدي، فمقاومة المساهمين المسيطرين تجعل التغييرات صعبة وبطيئة، ولكن إذا اتخذت السلطات التدابير التي من شأنها أن تتماشى مع مصالح كل من المساهمين المسيطرين وكذلك الأقلية، فيمكن تنفيذها بشكل أسرع".
ومن جهته، قال جوناثان باينز، مدير المحفظة الرئيسي لمنطقة آسيا سابقًا في اليابان في Federated Hermes: "إن هناك عدداً أكبر بكثير من الشركات التي تسيطر عليها عائلات في كوريا الجنوبية والتي تستمد الآن منفعة مالية كبيرة من الوضع التنظيمي الراهن".
وأضاف: "إن السلوك الذي يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم في كوريا الجنوبية له دوافع، وبالتالي فإن السعي إلى إقناع الأسر المسيطرة في كوريا الجنوبية بأن تكون لطيفة مع المساهمين من الأقليات من غير المرجح أن ينجح".