مثَّل التفجير الذي وقع في مدينة كرمان الإيرانية، الأربعاء، إشارة جديدة لاختراق منظومة الأمن الإيرانية، وفق خبراء، خاصة أنه جاء بعد يوم واحد من اغتيال صالح العاروري، القيادي في حركة حماس، خلال اجتماع في الضاحية الجنوبية ببيروت، معقل جماعة حزب الله المرتبطة بطهران.
ووقع تفجيران يشتبه أنهما وقعا بحقيبتين من القنابل عند مدخل غولزار شهداء كرمان، قرب مقبرة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ما أوقع 100 قتيل على الأقل، بالتزامن مع إحياء إيران للذكرى الرابعة لمقتله في غارة أميركية عام 2020، ولم تعلن بعد جهة مسؤوليتها.
وفي العقدين الأخيرين، تعرضت الاستخبارات الإيرانية لهزات ضخمة كشفت ثغرات واسعة في أدائها داخل وخارج البلاد، مرتبطة بملفات تخص إيران وحدها أو وكلاءها وحلفاءها في الخارج.
نتجت عن هذه الثغرات، سلسلة اغتيالات ومحاولات اغتيال طالت قيادات في الحرس الثوري الإيراني، وعلماء في الطاقة النووية، وسرقة معلومات حساسة عن المشروع النووي من قلب إيران.
ويرى محللون سياسيون أن هذه الاختراقات ناتجة عن "ثغرات ونقاط ضعف" في أداء أجهزة الاستخبارات الإيرانية، تتعلق بتعدد هذه الأجهزة، وصراعاتها الداخلية، وضعف تعاونها مع أجهزة استخبارات أجنبية.
اغتيالات قادة الحرس الثوري
- اغتيال القيادي رضي موسوي، أحد أقدم مستشاري الحرس في سوريا، بقصف في دمشق، في ديسمبر 2023.
- قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في يناير 2020، تم اغتياله بغارة أميركية في بغداد.
- العميد حسين همداني، الملقب بأبو وهاب، القائد الأول للقوات العسكرية الإيرانية في سوريا (2011-2015)، أكتوبر 2015، قُتل خلال عمليات ضد تنظيم داعش الإرهابي كما أعلن الحرس الثوري.
- العميد ممد علي الله دادي، قُتل بغارة إسرائيلية على منطقة القنيطرة السورية في يناير 2016، وقُتل معه جهاد مغنية (ابن عماد مغنية أحد أهم قادة حزب الله الذي قتل في تفجير دمشق عام 2008).
- العقيد حسن صياد خدائي، الضابط في الحرس الثوري، اغتاله رجلان مسلحان بالرصاص خارج منزله في إيران 22 مايو 2022.
اغتيال علماء الملف النووي
تم اغتيال بعض العلماء النوويين في الفترة بين عامي 2008 و2022، وحمّلت طهران إسرائيل المسؤولية عن بعض هذه العمليات، وهم:
- أردشير حسين پور، في فبراير 2007.
- ماجد شهرياري، في نوفمبر 2010.
- داريوش رضائي نجاد، في يوليو 2011.
- مصطفى أحمدي روشان، في يناير 2012.
- محسن فخري زاده، في نوفمبر 2022.
- محاولة اغتيال فريدون عباسي ديواني، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة النووية، ونجا من الحادث.
سرقة معلومات وتخريب
بجانب الاغتيالات، استولى عملاء لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" على الأرشيف النووي الإيراني، عام 2018، بمساعدة أميركية، وفق ما أقر بذلك وزير الخارجية الأميركي الأسبق، مايك بومبيو، في كتابه "لا تعطي شبرا".
وفي يوليو 2020، تعرضت منشأة نووية في مدينة نطنز، بطهران لحريق قالت السلطان إنه نتج عن "عمل تخريبي".
اغتيالات حزب الله
طالت الاغتيالات عملاء في جماعة حزب الله المرتبطة بإيران في لبنان، منها:
- اغتيال عماد مغنية، أحد كبار المسؤولين في الحزب خلال تواجده بدمشق في فبراير 2008.
- اغتيال القائدين جهاد مغنية، نجل عماد مغنية، ومحمد عيسى، رئيس ملفي العراق وسوريا في الحزب، وآخرين، بمروحية إسرائيلية في القنيطرة بالجولان السورية في يناير 2015.
- اغتيال القائد مصطفى بدر الدين قرب دمشق في 14 مايو 2016.
- تعرض حسان اللقيس، قائد بارز آخر في الحزب، للاغتيال في بيروت في 5 ديسمبر2013.
تعدد الأجهزة يسهل الاختراق
يعتبر متخصصون في الملف الإيراني أن تعدد أجهزة جمع المعلومات الأمنية في إيران نقضة ضعف وثغرة؛ لأنها سببت تضاربا في العمل.
وعلى سبيل المثال، فإن وزارة الاستخبارات والأمن تضم 16 جهازًا، منها جهاز الاستخبارات "سافاما" (SAVAMA) واستخبارات الحرس الثوري، واستخبارات الباسيج، واستخبارات الجيش، والأجهزة الأمنية التابعة للشرطة، واستخبارات مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي.
هذا التعدد يصحبه صراع داخلي نتيجة تنوع الولاءات السياسية.
ويعلق الباحث المتخص في شؤون الأمن القومي الإيراني، فراس إلياس، بأن التداخل والتقاطع في أداء المهام الاستخبارية ولَّد خلافات داخلية بين الأجهزة، وظلالا من الشك في العلاقات بين وزارة الاستخبارات والأمن الوطني، وجهاز استخبارات الحرس الثوري، سواء في مهامهم الداخلية أو الخارجية.
وانعكس هذا، كما يقول إلياس، على كيفية التعامل مع مزدوجي الجنسية، والأقليات، والتيارات غير المتشددة؛ حيث تُوجه اتهامات التجسس لمزدوجي الجنسية، وتم اعتقال المئات منهم بالفعل، منهم نازانين زاغاري، الإيرانية البريطانية التي حُكم عليها بالسجن 5 سنوات، وسياماك نازاي الإيراني الأميركي، الذي حُكم عليه بالسجن 10 سنوات.
بجانب ذلك، يرى الباحث السياسي أن طهران ت عاني ضعفا في التقنيات الاستخبارية؛ نتيجة عزلتها الاستخباراتية الناتجة عن توتر علاقاتها مع محيطها والعالم؛ فغاب التعاون مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
دور المعارضة الإيرانية
من جانبها تقول الباحثة الأميركية المتخصّصة في الشؤون الدولية، إيرينا تسوكرمان، إن إسرائيل استطاعت اختراق إيران من عدة اتجاهات:
- نسجت تل أبيب علاقات منذ سنوات طويلة مع المعارضين الإيرانيين المقيمين بالخارج، ساعدتها في تلقي معلومات دقيقية عن تواجد قادة الحرس الثوري والمسؤولين الإيرانيين، والعلماء.
- لإسرائيل كذلك عملاء محليين، أرسلت عبرهم رسالة بأنها قادرة على معرفة إيران من الداخل، أكثر مما تعرفه إيران عن الأجهزة الإسرائيلية.
وترجح الباحثة الأميركية أن اغتيال صالح عاروري في الضاحية الجنوبية، التي هي معقل لحزب الله، رسالة بأن إسرائيل يمكنها نقل الحرب إلى مناطق النفوذ الإيراني، وأيضا الأراضي الإيرانية مباشرة إذا استمرت طهران في دفع وكلائها نحو حرب إقليمية.