في يوم تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، تتجه الأنظار إلى السياسات الاقتصادية المرتقبة التي لطالما أثارت جدلاً في الأوساط المالية العالمية خلال الفترات الأخير.
تاريخياً، شكلت أجندة ترامب الاقتصادية مزيجاً من التحفيز الضريبي ورفع الإنفاق الدفاعي والدفع نحو استقلالية الطاقة، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة أمام قطاعات متعددة.
من المتوقع أن تستفيد صناعة الطاقة من سياسات دعم الوقود الأحفوري وتخفيف القيود التنظيمية، فيما قد تشهد أسهم التكنولوجيا دفعة جديدة قوية، خاصةً مع التركيز على إعادة الصناعات الاستراتيجية إلى الداخل الأميركي.
كما أن العملات المشفرة قد تدخل مرحلة جديدة من التفاعل مع التشريعات، وسط توجه سياسات ترامب نحو خلق بيئة تنظيمية مرنة تدعم الابتكار وتوسع الأسواق.
كذلك قطاع الدفاع، الذي يتوقع أن يحظى بزيادة كبيرة في الإنفاق لتعزيز مكانة الولايات المتحدة العالمية، مما ينعكس على الشركات العاملة في الصناعات العسكرية.
بحسب شركة ألباين ماكرو ، فمن الممكن أن تصبح قطاعات محددة من السوق من بين الفائزين البارزين بمجرد عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اليوم الاثنين.
وكتب كبير الاستراتيجيين الجيوسياسيين في الشركة، دان ألاماريو، في مذكرة يوم الخميس الماضي: "هذه القطاعات تشمل أسهم الشركات الصغيرة، والصناعية والطاقة الأحفورية والفضاء والدفاع".
وعلى وجه التحديد، اقترح ألاماريو على المستثمرين شراء أسهم النفط والشركات الصناعية الصغيرة، وبيع أسهم الطاقة البديلة وتجار التجزئة المتخصصين.
تأتي اختيارات ألباين ماكرو في الوقت الذي عادت فيه الأسهم المرتبطة بما يسمى بـ "تجارة ترامب" إلى الواجهة الأسبوع الماضي، بما في ذلك أسهم مؤشر راسل 2000، بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه.
وعلى نطاق أوسع، سجلت الأسهم الأميركية الأسبوع الماضي أفضل أسبوع لها منذ أوائل نوفمبر، وتحولت إلى اللون الأخضر هذا العام بعد بداية ضعيفة في يناير.
وقال ألاماريو: "إن وجهة نظر ألباين ماكرو هي أن الأسهم الأميركية من المتوقع أن تستمر في الأداء الجيد في العام 2025، حيث ستكون إدارة ترامب مؤيدة للنمو وتعطي الأولوية للسياسات الصديقة للسوق والمعتدلة إلى حد ما".
ومع ذلك، حذر من أن الأيام المئة الأولى للإدارة الجديدة قد تتسم بالتقلبات. وقال أيضاً إن السوق لا تزال عرضة لتصحيح محتمل بسبب المخاطر الجيوسياسية والمحلية، فضلاً عن الرياح المعاكسة الناجمة عن خطط ترامب للتعريفات الجمركية.
ورغم أن ترامب يظل مناصراً لهيمنة الولايات المتحدة على قطاع الطاقة واستقلالها، فإن ألاماريو يتوقع أن يساعد هذا الموقف أسهم النفط أكثر من أسعار النفط. ومن المرجح أن تستفيد شركات النفط، وخاصة منتجي النفط الصخري الأميركي، من اكتساب حصة أكبر في سوق النفط العالمية.
وكتب: "ستؤكد الأوامر التنفيذية التي سيصدرها ترامب في اليوم الأول على مبدأ (الحفر).. وستشمل السياسات الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وفتح الأراضي الفيدرالية لإنتاج الوقود الأحفوري، ورفع القيود التي فرضها بايدن على صادرات الغاز الطبيعي المسال، وإلغاء قواعد انبعاثات محطات الطاقة التي وضعتها وكالة حماية البيئة، وإلغاء متطلبات الإفصاح عن المناخ من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات".
وشدد كذلك على ان أسهم شركات الطيران والدفاع في وضع جيد، لأن ترامب حث حلفائه على زيادة الإنفاق العسكري وشراء المعدات المصنوعة في الولايات المتحدة، وخاصة تلك التي توفر معدات القوة الجوية أو أسماء الدفاع التي كان أداؤها أقل من نظيراتها.
ومن المؤكد أن دعوة ترامب لفرض رسوم جمركية على الواردات العالمية تظل بمثابة رياح معاكسة محتملة للأسواق حتى تتضح الصورة بشكل أكبر. ووفق ألاماريو، فإنه "إذا كانت هناك سياسة من المرجح أن تؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق والاقتصاد فهي نهج ترامب في التعامل مع التعريفات الجمركية".
العملات المشفرة والتكنولوجيا.. في الصدارة
رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "نترقب تأثيراً كبيراً على الأسواق المالية بمجرد تنصيب دونالد ترامب، وهو ما قد نشهده في عدة قطاعات أساسية".
- "لقد لاحظنا بالفعل مؤشرات أولية؛ مع إدراج العملة المشفرة الخاصة بترامب، حيث ارتفعت بنسبة مذهلة (..)".
- قطاع العملات المشفرة يبدو واعداً للغاية، ومن المرجح أن يشهد صعوداً تاريخياً مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
- قطاع التكنولوجيا سيكون على موعد مع صعود كبير بفضل البيئة الإيجابية التي سيوفرها ترامب من خلال تخفيف القيود التنظيمية.
ويتناول يرق القطاع المصرفي أيضاً، مؤكداً أن القطاع لديه احتمالات نمو قوية؛ خصوصاً بالنظر إلى الأداء المتميز خلال العام الماضي 2024.. "ومع عودة ترامب، ومع التخفيف المحتمل للقيود التنظيمية، أعتقد بأن البنوك ستشهد ارتفاعات ملحوظة في الأيام الأولى من ولايته".
ويشدد على أن:
- التأثير الأكبر سيكون على قطاع العملات المشفرة والشركات المرتبطة به.
- ستكون هذه الشركات محركاً رئيسياً للسوق، وسننتظر لنرى كيف ستؤثر السياسات التنفيذية لترامب، سواء على صعيد الضرائب أو التعريفات الجمركية.
- التعريفات قد تدعم الشركات الأميركية المرتبطة بالصناعة، لكنها ستشكل ضغطاً على الشركات الأجنبية.
ويختم يرق تصريحه بالإشارة إلى أن هناك عوامل متعددة قد تؤثر على حركة الأسواق "وسنراقب بحذر كيف ستتشكل التوقعات بناءً على سياسات ترامب فور تسلمه منصبه."
ويشار إلى أن الأسهم المرتبطة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض ارتفعت في أعقاب انتخابه في نوفمبر، حيث تبنى الرئيس المنتخب منذ فترة طويلة سياسات تحرير الصناعة والتصنيع المحلي التي اعتبرها المستثمرون مفيدة للشركات الصغيرة والبنوك.
كما ساعد خطابه بأن الحلفاء بحاجة إلى زيادة إنفاقهم الدفاعي للتوافق بشكل أفضل مع مساهمة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي في رفع أسهم الدفاع.
لكن من وجهة نظر مغايرة، أبدى محللون في وول ستريت شكوكهم بشأن ارتفاع أسهم الدفاع على الرغم من عدم استبعاد دونالد ترامب مبدأ العمل العسكري للسيطرة على غرينلاند بينما حث في الوقت نفسه الحلفاء الأوروبيين على إنفاق المزيد للدفاع عن أنفسهم، وفق تقرير لمنصة Nasdaq.
أسهم الطاقة والدفاع
من جانبه، يشير خبير الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه "في العام 2025، إذا نظرنا إلى تأثير سياسات مماثلة لتلك التي تبناها ترامب سابقاً، أو إذا تكررت ظروف مشابهة، فإن القطاعات الأكثر ربحاً ستعتمد على التوجهات الاقتصادية والسياسية في الوقت نفسه".
ويضيف: بناءً على الاتجاهات الحالية والسيناريوهات الاقتصادية العالمية، يمكن تحديد القطاعات الأكثر استفادة من ترامب وسياساته، والتي من المتوقع أن تكون أكثر ربحاً في 2025:
- قطاع الطاقة (النفط والغاز): مع استمرار الاهتمام بالطاقة التقليدية، فإن سياسات تخفيف القيود التنظيمية قد تدفع بزيادة الاستثمار في النفط والغاز.
- قطاع الدفاع والصناعات العسكرية، خاصة مع التوترات الجيوسياسية المتصاعدة وزيادة الإنفاق العسكري في عدة دول.
- قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، خاصة مع الاستثمار المتزايد في التقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وحوسبة الكم لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التفوق التكنولوجي.
- قطاع البنية التحتية، مع زيادة الإنفاق الحكومي على تحديث البنية التحتية.
ويضيف الإدريسي: في المجمل، القطاعات الأكثر ربحًا في 2025 ستكون مرتبطة بالسياسات الاقتصادية المطبقة والتغيرات العالمية، مع التركيز على التكنولوجيا، البنية التحتية، والطاقة.
ومع ذلك، يشير إلى مجموعة من التحديات المحتملة في العام الأول من فترة ترامب الجديدة، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية، على اعتبار أن النزاعات العالمية قد تؤثر على قطاعات حساسة مثل التجارة والطاقة.