"أجبرتني الحرب على الولادة داخل خيمة قريبة من أحد مراكز الإيواء، وفقدتُ طفلي بعد أيام بسبب الظروف غير الصحية التي مررت بها وكدت أن ألحقه"، كلمات روت بها الفلسطينية آلاء العايدي، قصّة معاناتها هي والكثيرات في عملية الولادة خلال الحرب الجارية على غزة.
ويعاني سكان قطاع غزة أوضاعا صعبة للغاية، بعد أن أجبرت الحرب نحو مليوني مواطن فلسطيني على النزوح من مناطق سكناهم إلى مراكز للإيواء الموجودة بوسط وجنوب قطاع غزة، والتي تنعدم فيها المقوّمات الصحية.
وحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فإنّه ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، وُلد نحو 20 ألف طفل في القطاع، غالبيتهم بمراكز الإيواء، ووسط ظروف قاسية جدا، خاصة مع خروج معظم المستشفيات عن الخدمة.
معاناة انتهت بفقد المولود
تقول آلاء العايدي إنها نزحت مع بداية الحرب وهي حامل في شهرها السادس من شمال القطاع إلى مدينة دير البلح، ولجأت إلى خيمة قريبة من أحد مراكز الإيواء، لافتة إلى أنها وبعد 3 أشهر من الحرب جاءها المخاض داخل الخيمة.
تضيف آلاء العايدي لـ"سكاي نيوز عربية"، أنها في ساعات فجر أحد أيام ديسمبر الماضي، بدأت تشعر بآلام الولادة الشديدة، وأصبحت بحاجة ملحّة للوصول إلى المستشفى وتدخّل طبي، لكن الاتصالات كانت مقطوعة حينها.
مِن حُسن حظ تلك السيدة أن زوجها، وبعد فشل مساعيه في إحضار سيارة إسعاف، عثر عن طريق الصدفة داخل مركز الإيواء على طبيبة نساء وولادة نازحة من غزة، وهي التي أشرفت على ولادتها داخل الخيمة.
إلا أنّ السيدة الفلسطينية تقول إن الطبيبة استخدمت أغراضا غير صحية، وفي العموم ولد الطفل في بيئة غير نظيفة، إذ تم لفه بفوطة غير ملائمة بدون قطع حبله السري، وظلت على هذا الحال طوال الليل، حتى تمكنت من الوصول إلى مستشفى العودة وسط القطاع عبر عربة يجرّها حمار.
ومع كل تلك المكابدة والمعاناة، لم يُكتب للطفل البقاء على قيد الحياة تقول السيدة، إذ وبعد 4 أيام من مكوثه داخل الحضانة الخاصة بالمواليد في المستشفى، أبلغوها بوفاته نتيجة مضاعفات عملية الولادة داخل الخيمة والظروف غير الصحية للمكان.
مآسي الحرب
في معاناة أخرى، تروي الفلسطينية آية أبو شعبان، تفاصيل ولادتها خلال الحرب، ووصولها بصعوبة بالغة لأحد المستشفيات، مؤكدة أنها لم تكن تتخيّل أن تكون عملية إنجاب مولودها الأول بهذه الصعوبة.
تقول لـ"سكاي نيوز عربية"، إنها كانت متشوّقة جدا لكل تفاصيل عملية ولادة طفلها الأول، وجهزت كل شيء قبل الحرب، إلا أن الحرب حرمتها من استقبال المولود وفق المخطط له.
"الحرب بدأت مع دخولي شهر الميلاد بسبب القصف العنيف الذي تعرّضت له المنطقة التي أسكنها غرب مدينة غزة، وعلى مدى 5 أيام متواصلة عانيت مضاعفات المخاض، وفي تلك الأيام كنتُ أصل بصعوبة بالغة إلى المستشفى، خاصة مع الدمار الكبير للشوارع، والقصف المتواصل، ووسط آلام الحمل في أيامه الأخيرة اضطررت إلى النزوح من شمال إلى جنوبي غزة وسرنا مسافات طويلة على الأقدام".
لكن آية لم تستطِع تحمّل الوضع بسبب تكدّس النازحين، واضطرت مع عائلتها لاستئجار شقة سكنية وُجد بها 50 نازحا، وبعد وقت عصيب نقلت بصعوبة بالغة لأحد المستشفيات ووضعت طفلتها.
أخطار صحيّة
أخصائية الولادة وصحة الأم والطفل سعدية بركات، تعطي لـ"سكاي نيوز عربية"، صورة عن وضع الحوامل بشكل عام في هذه الفترة العصيبة من تاريخ القطاع، قائلة إن حالات كثيرة اضطرّت للولادة في المنازل ومراكز الإيواء في ظل غياب الأساسيات الضرورية لعملية الولادة، والتي أهمها وأبسطها على الإطلاق النظافة؛ ما يعرّض الأم والجنين لمخاطر منها النزيف الشديد وحمّى النفاس للأمهات والالتهابات والعدوى بالأمراض الفيروسية والبكتيرية التي زادت معدلات إصابة الأم والطفل بها، ويمكن أن تؤدي لوفاتهم.
أمر آخر تلفت إليه أخصائية الولادة وهو نقص الكادر الطبي في مراكز الإيواء؛ بسبب نزوح هذه الكوادر من مناطق لأخرى، وبالتالي عدم قدرة من تبقوا على ممارسة عملهم، علاوة على مقتل الكثير منهم.
من المخاطر التي تتعرّض لها الحوامل كذلك الإجهاض الذي زادت معدلاته بنحو 20%، وارتفعت الولادات المبكرة الخطرة والقيصرية، حسب الأخصائية الفلسطينية.