يدفع الاهتمام المتزايد من جانب المديرين التنفيذيين بـ "الآثار التجارية للذكاء الاصطناعي التوليدي" كليات إدارة الأعمال إلى تقديم مجموعة كبيرة من الدورات التدريبية الجديدة لتعليم الفهم والمهارات الرقمية.
وبحسب دراسة استقصائية (شملت حوالي 10 آلاف متعلم في 40 دولة حول العالم)، أجرتها شركة كارينجتون كريسب للاستشارات التعليمية الشهر الجاري، فإن:
- نحو 50 بالمئة من المشاركين يتوقعون تعلم الذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس المقبلة.
- المواضيع الرقمية الأخرى كانت رائجة أيضاً: الأمن السيبراني (33 بالمئة)، والتسويق الرقمي (31 بالمئة)، والتجارة الإلكترونية (29 بالمئة)، وتحليل البيانات (26 بالمئة)، إلى جانب المزيد من مهارات الأعمال التقليدية.
وبحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فإن إطلاق أدوات AI مثل ChatGPT المدعومة من شركة OpenAI، والتي تم إطلاقها في نوفمبر 2022، أدت إلى تحفيز المؤسسات (سواء القطاع العام والخاص كذلك) على تجربة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ونتيجة لذلك، تشير كليات إدارة الأعمال إلى وجود شهية قوية لبرامج التعليم التنفيذي ذات الدورات القصيرة التي تركز على التكنولوجيا، سواء كانت مفتوحة أو تلك المخصصة للشركات.
ونقل التقري عن أنيت سالر، وهي مديرة إدارة البرامج والمشاريع في مجموعة هارتمان الألمانية لصناعة المعدات الطبية، تأكيدها على إدراك الحاجة لرؤية شاملة للذكاء الاصطناعي التوليدي، مردفة:"إن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على مجرد إنشاء النصوص والصور". وأفادت فيه هذا السياق بأن صاحب عملها ينشر التكنولوجيا في مجالي ابتكار المنتجات وتحسين العمليات.
إن التسجيل في أحد البرامج لتحويل الأعمال باستخدام الذكاء الاصطناعي في العام الماضي - بسعر 1850 يورو وتم تقديمه عبر الإنترنت على مدى خمسة أسابيع - أعطى سالر رؤى أعمق حول كيفية تسخير الذكاء الاصطناعي في الأعمال التجارية، مع تبديد المفاهيم الخاطئة.
وتقترح قائلة: "يعتقد الناس في كثير من الأحيان بأن الذكاء الاصطناعي هو عصا سحرية.. لكن بالخروج من هذا البرنامج، يمكنك إزالة الغموض عنه".
وعلى الرغم من أن بعض التأثيرات واضحة - مثل إمكانية أتمتة المهام وتوليد الأفكار وتعزيز الكفاءة - إلا أن الذكاء الاصطناعي يتطلب فهمًا دقيقًا وتنفيذًا وإدارة لتحقيق إمكاناته الكاملة.
وتعتقد أستاذة الإدارة والمنظمات في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، أنات ليشنر، بأن التدريب على استخدام الـ AI ضروري. وتقول: "علينا أن نعلم الناس كيفية إدارة الأعمال باستخدام الذكاء الاصطناعي، وإلا فلن يكون لهم وجود".
تقوم البروفيسور ليتشنر بتدريس برنامج "القيادة في عصر الذكاء الاصطناعي"، وهو برنامج مدته يومين يتم تقديمه في نيويورك بتكلفة 3,344 دولارًا. وقد لاحظت التعطش للمعرفة بين المديرين التنفيذيين. ذلك أن الطلب على الدورة التدريبية، التي تم إطلاقها في أبريل، يفوق العرض بكثير. وتقول: "لم نتمكن من استيعاب عدد كافٍ من الأشخاص في الغرفة".
تعلم الـ AI
يقول إخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- كليات إدارة الأعمال تدرك الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي التوليدي لمستقبل الأعمال والريادة في جميع أنحاء العالم، كما تعمل على تلبية الطلب المتزايد على مهارات الذكاء الاصطناعي.
- الدورات التدريبية تستهدف تمكين القادة بالقطاعين العام والخاص في فهم إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحديد فرص لتطبيقه داخل المؤسسات، وتُقيِّم المخاطر المرتبطة بالتطبيق، بالإضافة إلى تحسين كفاءة العمليات وتعزيز الابتكار، وتطوير منتجات وخدمات جديدة، وكسب ميزة التنافسية، إلى جانب تحسين صنع القرار.
- كما تركز على تطوير المهارات العلمية لتنفيذ مشاريع بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحليل البيانات، إضافة إلى أخلاقيات ونظم الذكاء الاصطناعي.
ويشير إلى أن هناك الكثير من الدول التي اهتم بنشر قوانين وتشريعات خاصة بهذا المجال، كما أن هناك دولاً عربية سباقة في الاهتمام بالـ AI من بينها الإمارات والسعودية.
ويؤكد أن البرامج المقدمة من كليات إدارة الأعمال، منها: برنامج "تحويل الأعمال باستخدام الذكاء الاصطناعي"، والذي يركز على كيفية استخدام الـ AI لتحسين عمليات الأعمال وتطوير منتجات وخدمات جديدة، إضافة إلى برنامج "دورة الذكاء الاصطناعي التوليدي للمديرين التنفيذيين بكلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد، حيث يقدم مقدمة شاملة في هذا المجال مع التركيز على تطبيقاته في المجالات المختلفة مثل التسويق والمبيعات والابتكار، علاوة على برنامج "الذكاء الاصطناعي بالقيادة" في معهد ماساتشوستس للتقنية، ويركز هذا البرنامج على تطوير مهارات القيادة اللازمة لتنفيد مبادرات الذكاء الاصطناعي بنجاح.
زيادة القاعدة المعرفية
ويوضح أنه خلال الخمس سنوات المقبلة سوف تزداد قاعدة المعرفة بالذكاء الاصطناعي، كما أن هناك فئة كبيرة سوف تكون أكثر تعمقاً في هذا المجال.
ويستطرد أخصائي التطوير التكنولوجي:
- زيادة الاهتمام بتعلم الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع؛ جعل المؤسسات التعليمية والجامعات تقدم دورات تعليمية بالذكاء الاصطناعي بمستويات مختلفة.
- تزاد شعبية الموارد التعليمية الذاتية مثل الكتب والمواقع الإلكترونية ومقاطع الفيديو التعليمية حول الـ ـAI، مثل تداول المقاطع الفيديو الخاصة بالذكاء الاصطناعي على فيسبوك وغيره من المنصات ذات الانتشار الواسع، والتي تحقق مشاهدات عالية.
- تُظهر سوق العمل، الطلب المتزايد على المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
- رغبة الأشخاص بتعلم الذكاء الاصطناعي تتسع.
- تتطلب أغلب الوظائف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مهارات تقنية متقدمة.
- الأدوات المجانية غالباً محدودة والمرجح للذكاء الاصطناعي سوف يكون الأكثر شيوعاً في السنوات الخمس المقبلة.ً
- يعتمد تعلم الذكاء الاصطناعي على نوع التعليم ومستوى الأشخاص، وإمكانية الوصول للموارد التعليمية والطلب على المهارات بسوق العمل.
الدورات التدريبية في الـ AI
وإلى ذلك، يقول رئيس مجلس إدارة شركة سبايم سنس لابس المتخصصة في تطبيقات المدن الذكية، واستشاري معهد تكنولوجيا المعلومات لتطبيقات إنترنت الأشياء والاتصالات، باسم بشرى، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- الدورات التدريبية في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تقدم لغير المتخصصين في مجال الكمبيوتر مثل الإداريين والأطباء والمحامين وغيرهم، هدفها تمكينهم من فهم قدرات أدوات الـ AI وكيفية الاستفادة منها في توفير الوقت والجهد، حتى تساعدهم على إنجاز أعمال بشكل أكثر سرعة وسهولة، سواء هذه الدورات مباشرة أو عن طريق الإنترنت.
- كل من الدول المتقدمة والنامية يمكنها الاستفادة من أدوات الذكاء الصناعي التوليدي.
- بالنسبة للدول المتقدمة، لدى الكثير منها بالفعل أنظمة تحتوي على بيانات كثيرة ومختلفة (أدوات مختلفة) ما يمكنهم من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في عديد من الأمور (..).
- الدول النايمة قد تفتقد عديداً من تطبيقات الأتمتة الحكومية وبالتالي يمكنها أن تستفيد بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في عملية تطوير وبناء أنظمة وتطبيقات الأتمتة بشكل سريع، بناءً على التجارب السابقة المتاحة في تطبيقات مفتوحة المصدر تم تطبيقها في دول أخرى، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد للدول النامية.
ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يؤثر في مجالات مثل التكنولوجيا، والصحة والصناعة والتعليم والأعمال التجارية وغيرها من المجالات، منها على سبيل المثال:
- المجال التعليمي، مثل استخدام أدوات الـ AI في تجويد النصوص التعليمية وخروجها بشكل أوضح وأبسط دون الاعتماد على المؤلفين أو المراجعين الذين يستغرقون وقتاً طويلاً في إعادة صياغة النص التعليمي، خاصة في ظل سعي الدول لتحسين المقررات التعليمية وتغيير صياغتها وأيضاً ترجمة كتب تعليمية بين اللغات المختلفة.
- خروج كتب تعليمية جديدة بمحتوى أكثر وضوحاً ولغة أكثر سلاسة وانسيابية في الشرح بمحتوى غني من الصور التي يتم جمعها بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
- يؤثر الذكاء الاصطناعي في القطاع الطبي من خلال مساعدة الأطباء على تحليل الحالة المرضية ووصفها، مما يساعد في الوصول بالحالة إلى خطة العلاج والشفاء بشكل أسرع.
- يمكن أيضاً أن يقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي كتيب إرشادات للمريض يخص التعامل مع حالته فيما يواجه من ظروفه اليومية وواجباته وطريقة أكله.
- وفيما يخص الأدب والشعر، يمكن الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تقديم شرح للنصوص الشعرية والأدبية بلغة بسيطة وربما بلكنة عامية أيضاً.
- يمكن أيضاً الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تقديم شرح للنصوص الدينية، يناسب أعمار سنية مختلفة.
وتعد تلك المجالات غيض من فيض استخدامات الذكاء الاصطناعي الواسعة، والتي تتطلب تدريباً واسعاً لاستيعابها وحسن توظيفها واستخدامها بما يخدم تسريع حياة البشر.
أبرز تحديات تعليم الـ AI
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فإنه ينقل عن جوليان بيركينشو، نائب عميد كلية لندن للأعمال، إقراره بوجود طبيعة دورية للطلب على التعليم في مجال التكنولوجيات الجديدة، مردفاً: "نرى هذا في كل مرة - يصبح هناك شيء ساخن ويحتاج الناس إلى تسريع تعلمه.. لقد كانت تقنية blockchain قبل بضع سنوات؛ في الوقت الحالي، يتعلق الأمر كله بالذكاء الاصطناعي التوليدي".
في كلية لندن للأعمال، يتم تعديل الدورات وتطوير عروض جديدة، مثل برنامج الاستراتيجية الرقمية للجيل القادم، الذي تم إطلاقه في أبريل. ويقول بيركينشو إن التحدي الذي يواجه مقدمي التدريب هو التمييز بين الضجيج (الدعاية الواسعة) والواقع عند تطوير البرامج.
والمشكلة الثانية التي تواجه كليات إدارة الأعمال هي السرعة المذهلة للتطور التكنولوجي، الذي يعمل على تقصير العمر الافتراضي للمحتوى. ويقول ثيوس إيفجينيو، أستاذ علوم القرار وإدارة التكنولوجيا في كلية إنسياد: "بالنظر إلى مدى سرعة تغير الأمور، فإنه من المستحيل على المديرين التنفيذيين مواكبة ما يعنيه ذلك بالنسبة لهم.. لا يمكنهم انتظار البرنامج التالي بعد عام من الآن".
التحدي الأخير الذي يواجه مقدمي التدريب هو العثور على عدد كافٍ من الخبراء في أحدث التقنيات - بما في ذلك الذكاء الاصطناعي - لتدريس دوراتهم.