يبدو أن عالم "التنقل الجوي المتقدم" الذي سيوفّر شكلاً جديداً من أشكال التنقل، بات أقرب إلى الحقيقة أكثر من أي وقت مضى، حيث بدأت الشركات التي تتنافس على طرح سيارات كهربائية طائرة تجسد مفهوم الـ eVTOLs، تحقق تقدماً ملموساً يجعلنا على بعد سنوات قليلة، من رؤية السيارة الحلم التي ستُطلق حقبة جديدة في عالم المواصلات.
ولسنوات عديدة، كان مفهوم السيارات الطائرة التي تمزج بين الطائرة والسيارة، حلماً من الخيال العلمي بالنسبة لمعظم سائقي المركبات، لكن تبين أن هذا الحلم يمكن أن يتحقق قريباً، حيث أعلنت شركة Alef Aeronautics الناشئة، المدعومة من شركة SpaceX، أن الطلبات المسبقة لسيارتها الطائرة من طراز "A" وصلت مؤخراً إلى مستوى قياسي هو 2850 طلباً، مشيرة إلى أنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فإنها ستبدأ بإنتاج أول سيارة من هذا الطراز، بحلول نهاية عام 2025، وذلك بعد الحصول على الضوء الأخضر من الجهات التنظيمية.
مركبة تسير وتطير
وبحسب تقرير لـ CNBC فإن Alef هي واحدة من عدة شركات ناشئة، تسعى لتحويل السيارات الطائرة إلى حقيقة، فهناك أيضاً شركات مثل Joby Aviation الأميركية، وLilium الألمانية تعمل في هذا المجال، ولكن الفارق هو أنAlef وبعكس معظم اللاعبين في السوق، تسعى لتقديم طراز أكثر اختلافاً، فسيارتها "A" تشبه السيارة العادية التي يمكنها السير على الطرقات، وفي الوقت عينه يمكنها التحليق في السماء من خلال الإقلاع بشكل عامودي.
في المقابل، فإن طرازات السيارات الطائرة التي تنتجها الشركات الأخرى، تشبه نماذج الطائرة النفاثة التي تأتي بأجنحة متصلة بالجوانب، أو بمراوح كبيرة تشبه مراوح طائرات الهليكوبتر، وهي لا تجسد مفهوم الـ eVTOLs الذي اعتمدته Alef، والذي يسمح بتطوير سيارة كهربائية طائرة، يمكنها الإقلاع والهبوط بشكل عامودي، ما يتيح للمركبة الطيران من أغلب الأماكن التي تتواجد بها دون الحاجة لوجود مدرج لها.
الحاجة للضوء الأخضر
وكشف تقرير CNBC أن سيارة "A" منAlef تزن 850 رطلاً، أي أنها تأتي ضمن التصنيف القانوني للسيارات الكهربائية الصغيرة مثل عربات الجولف، ما من شأنه أن يسهل على السيارة اجتياز الموافقات التنظيمية الرئيسية، للحصول على الضوء الأخضر لإطلاق رحلاتها الجوية في عام 2025.
وتخطط Alef لبيع سيارتها الطائرة المرتقبة بمبلغ 300 ألف دولار، وهي تستخدم أربعة محركات صغيرة، كما أنها تحتوي على ثماني مراوح، في الجزء الأمامي والخلفي، ما يسمح للسيارة بالتحليق في أي اتجاه.
وتبلغ سرعة السيارة 110 ميلاً في الساعة، أثناء وجودها في الهواء، بينما تتراوح سرعتها على الطريق بين 25 و35 ميلاً في الساعة، وهي قادرة على حمل شخص أو شخصين.
وفي العام الماضي، منحت إدارة الطيران الفيدرالية بالولايات المتحدة (FAA) سيارة "A"، شهادة ترخيص تسمح لها بالطيران لأغراض محدودة، تشمل البحث والتطوير، حيث لا تزالAlef بحاجة إلى الحصول على مزيد من الموافقات، لتمهيد الطريق أمام الإطلاق التجاري لسيارتها الطائرة.
السيارة الطائرة في الأجواء قريباً
ويقول نبيل مغيرف وهو صحفي مختص في السيارات ومقدم حصة "لاتوت" الجزائرية، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تحقيق حلم رؤية السيارة الطائرة في أجواء المدن، بات بالفعل قريباً، فالعلوم وصلت اليوم إلى مستوى كبير جداً من التقدم، لا سيما تلك المتعلقة بما يمكن تسميته الطيران الهجين، الذي يتمثل بالسيارات الكلاسيكية التي يمكنها السير على الطرقات، وأيضاً التحليق في الأجواء، مؤكداً أن هذا المفهوم يمكن تطبيقه على أرض الواقع، ولكن ذلك يستلزم عدة ترتيبات تقنية وأمنية وتأهيلية، حيث من الممكن وضع روزنامة يتم من خلالها ترتيب الأوليات في هذا الشأن، كي يلتزم بها السائقون الطيارون في المستقبل.
ويرى مغيرف، أن الولايات المتحدة الأميركية، وكوريا الجنوبية واليابان والدول الأوروبية، هي من أول الدول التي يمكنها تبني هذا النوع من السيارات، وذلك بسبب القدرات التي تمتلكها والتي تسمح لها بذلك، مشيراً إلى أنه من الناحية الميكانيكية، من السهل جداً السماح للسيارات الكهربائية بالتحليق، فمثلاً سيارة شركةAlef من طراز "A" يمكنها الاقلاع والهبوط بشكل عامودي، وهو نفس الأسلوب المطبق في طائرات الهليكوبتر، ولكن يبقى هناك الحاجة للتحكم في بعض الأمور التنظيمية، لاسيما ما يتعلق بالجانب الأمني وطريقة السير.
قيود وشروط وعوائق
وبحسب مغيرف، فإن هناك حاجة من الناحية التنظيمية، لتحديد مسارات تحليق السيارات الطائرة في المدن، التي تتبنى هذا النوع من المركبات، كما أنه يجب تخصيص مناطق خالية من الأعمدة والكابلات، لتأمين عملية الإقلاع والهبوط، لافتاً إلى أنه فيما خص نظام التحليق، فسوف يترتب على السيارات الطائرة احترام أنظمة الطيران المدني، لناحية تحديد من يمكنه أن يقود هذه السيارات، إذ لا يخفى على أحد أن التحليق بالسيارات الطائرة، قد تنتج عنه هواجس تتعلق بخطر السقوط، وبالتالي فإن السائق الطيار، يجب أن يتمتع بصحة جيدة، وأن يخضع لامتحانات كي يحصل على شهادة تتيح له التحليق.
ويكشف مغيرف، أن هناك بعض العوائق التي تعاني منها السيارات الكهربائية الطائرة، والتي تتعلق بوقت التحليق وقدرة البطارية على تأمين السير، والتحليق لمسافة طويلة، مؤكداً أن هذا النوع من التنقل سوف يصبح أمراً حتمياً، فمن كان يشكك منذ سنوات بالسيارات الكهربائية، ويعتقد أن الأمر مجرد حلم، أصبح اليوم مقتنعاً بهذا الأمر، فالسيارات الكهربائية اصبحت حقيقة وتنتشر بكثرة، وهو ما سيتحقق أيضاً بالنسبة للسيارات الكهربائية الطائرة، التي ستبدأ بالانتشار بشكل مقنن، قبل أن يتوسع تواجدها مع مرور الزمن، حيث سنرى أن ما كنا نشاهده في أفلام الخيال العلمي أصبح حقيقة ملموسة.
عدم المبالغة في التوقعات
من جهته يقول تاجر السيارات الكهربائية محمد موسى، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن عدة شركات متخصصة أعلنت عن قرب، طرح سياراتها الطائرة في الأسواق، فالأمر غير مرتبط بشركة واحدة، لافتاً إلى أنه بالنسبة لمعظم سائقي المركبات، فإن فكرة تبديل الطرق المزدحمة بالتحليق في الأجواء المفتوحة، هي فكرة جذابة بشكل لا يصدق، ولكن حتى الآن هناك عدة أسئلة بهذا الشأن، لا تزال تحتاج لإجابات واضحة مثل الاصطدامات الجوية التي قد تحصل، والأعطال الميكانيكية التي ستظهر، حيث يمكن للسيارة الطائرة أن تسقط من السماء، مما يؤدي إلى حدوث وفيات، ولذلك لا يمكن المبالغة في توقع انتشار سريع لهذا النوع من السيارات.
أدوات تحكم معقدة
ويرى موسى أنه مع التطور المستمر للتكنولوجيا، فمن الواضح أن انتشار السيارات الكهربائية الطائرة، سيكون مسألة وقت فقط، ولكن الأمر سيستغرق عدة سنوات، حتى تصبح السيارات الطائرة تقنية متاحة بسهولة للأشخاص العاديين، فمتطلبات التشغيل الآمن للسيارة الطائرة ستكون أكثر صرامة، وقد يتم إدخال فئة جديدة من التراخيص، إذ سيتعين على قائدي هذا النوع من السيارات، اجتياز اختبارات ذات معايير عالية، كون السائق سيكون مكلفاً بقيادة مركبة، تحتوي على أدوات تحكم للقيادة والطيران، وغيرها الكثير من أدوات التحكم المعقدة.
مصاعب قد تمنع سيارة Alef من التحليق
ويرى موسى أن هناك نوعين من المصاعب، التي قد تمنع سيارة Alef الطائرة من التحليق في عام 2025، النوع الأول يتعلق بعدم منحها الأذن بذلك، من قبل السلطات الأميركية المختصة، ففي حين أن النوع الثاني من المصاعب يتعلق بالناحية التمويلية، فـ Alef هي شركة ناشئة، تقوم بتمويل مشروعها من خلال عمليات البيع المسبقة للسيارة، وفي حال لم تحصل على التمويل اللازم من خلال هذه المبيعات، فقد تلجأ الشركة إلى تأخير أو حتى إلغاء مشروعها الحلم، مشيراً إلى أن خفض تكلفة تصنيع السيارات الطائرة، هو تحدٍ يواجه المصممين والمصنعين.