اقتنصت عديد من الشركات فرصة الإغلاق إبان جائحة كورونا، لتحقق مكاسب واسعة، لا سيما الشركات المرتبطة بالتكنولوجيا، في ظل تزايد الطلب على الخدمات التكنولوجية حينها، إلا أن كثيراً من تلك الشركات شهدت تقلصاً ملحوظاً بعد ذلك في قيمتها السوقية بعد استقرار الأجواء في أعقاب كورونا، في الوقت الذي نجت فيه شركات أخرى من هذا التراجع بدعمٍ من استراتيجياتها ومنتجاتها الخاصة، خاصة على صعيد الذكاء الاصطناعي.
وذكر تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عدداً من المؤشرات والدلائل الأساسية في هذا السياق:
- فقد 50 سهماً (حققوا ربحاً من جائحة فيروس كورونا في وقت سابق) نحو 1.5 تريليون دولار من القيمة السوقية منذ نهاية 2020.
- يأتي ذلك مع عزوف المستثمرين عن الكثير من الأسهم التي شهدت طفرة إبّان الفترة الأولى من إغلاقات كورونا.
- بيانات "إس آند بي غلوبال" تشير إلى هيمنة مجموعات التكنولوجيا على قائمة الخمسين شركة التي كانت قد حققت أعلى نسب صعود في العام 2020.
- خسر هؤلاء "الرابحون من الفترة الأولى من الجائحة" مجتمعين أكثر من ثلث إجمالي قيمتهم السوقية، وبما يعادل 1.5 تريليون دولار، وفق الصحيفة التي تستند في حساباتها إلى البيانات التي حصلت عليها بلومبيرغ.
أبرز الشركات
ويُبرز تقرير الصحيفة البريطانية أبرز الشركات في هذا السياق، وعلى رأسها شركة زووم (الخاصة في عقد الاجتماعات بتقنية الفيديو، والتي نجحت أسهمها في التحليق بما يصل إلى 765 بالمئة في 2020 مع اتجاه الشركات إلى العمل عن بُعد).
تعد زووم واحدة من أكبر الخاسرين (بعد الجائحة)، إذ تراجعت أسهمها بنحو 80 بالمئة، أو بما يزيد عن 77 مليار دولار من حيث القيمة السوقية، منذ نهاية ذلك العام.
كذلك فإن شركة رينغ سنترال للاتصالات السحابية، والتي كانت قد حققت مكاسب كبيرة في إطار طفرة العمل عن بُعد في 2020، تخلت عن قرابة 90 بالمئة من قيمتها السوقية منذ ذلك الحين، مع مواجهتها منافسة من عمالقة تكنولوجيين آخرين مثل "ألفابيت" و"مايكروسوفت".
كذلك شركة "Peloton" المصنّعة للدراجات الرياضية من بين أكبر الخاسرين، بعد أن هبطت أسهمها بأكثر من 97 بالمئة منذ نهاية 2020، بما يعادل نحو 43 مليار دولار من قيمتها السوقية.
وكانت الشركة قد أعلنت الأسبوع الماضي عن تنحي باري ماكارثي، رئيسها التنفيذي، وخفضها للموظفين بنسبة 15 بالمئة، في آخر التدابير الرامية إلى توفير التكاليف.
ونقل التقرير عن كبير خبراء الاقتصاد المختصين بالشأن الأميركي لدى "تي إس لومبارد"، ستيفن بليتز، قوله: "ربما ظنت بعض الشركات أن الصدمة كانت ستدوم.. لكنهم يستفيقون على واقع مؤلم حالياً".
- من حيث النسب المئوية، كانت "تسلا" هي الرابح الأكبر من العام 2020.
- قفزت القيمة السوقية لمصنعة السيارات الكهربائية 787 بالمئة إلى 669 مليار دولار بنهاية ديسمبر من ذلك العام، لكنها عادت منذ ذلك الحين إلى 589 مليار دولار.
- حلّت شركة سي للإنترنت التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها بالمرتبة الثانية، إذ قفزت قيمتها السوقية من 19 مليار دولار إلى 102 مليار دولار، بعد الطفرة التي شهدتها أعمالها الأساسية الثلاثة إبان الجائحة، وهي الألعاب والتجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية. لكنها فقدت منذ ذلك الحين أكثر من 60 بالمئة من قيمتها المُسجلة في نهاية 2020، وسط مخاوف بشأن تباطؤ النمو.
ويشير التقرير كذلك إلى معاناة مجموعات التجارة الإلكترونية، مثل "شوبيفاي" و"جيه دي دوت كوم" و"تشيوي"، مع خسائر كبيرة تحت وطأة هذا الأمر، بعدما انتعشت أوضاعهم مع طفرة الإنفاق عبر الإنترنت.
شركات الأدوية
ويشار في السياق نفسه، إلى أن:
- آمال التوصل إلى لقاح والطلب على العلاجات الطبية دعمت مجموعات صناعة الأدوية في 2020 مثل "مودرنا" و"فايزر"، وكذلك مجموعات صينية أقل شهرة، مثل "ووشي بيولوجيكس" و"تشونغتشينغ جيفاي بيولوجيكال برودكتس" و"علي بابا هيلث إنفورميشن تكنولوجي".
- انعكس اتجاه المكاسب التي حققتها الكثير من الشركات المصنعة للقاحات في فترة الجائحة، مع قلق المستثمرين بشأن الطلب الذي لا يمكن التنبؤ به على الجرعات.
- تخلّت "فايزر" حالياً عن مكاسبها كافة بين عامي 2020 و2021، على الرغم من مشاركتها في تطوير اللقاح شائع الاستخدام مع شركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية بيونتيك.
مخالفة الاتجاهات
لكن تقرير الصحيفة يلفت من ناحية أخرى إلى زيادة القيمة السوقية لسبع شركات فقط، هم من بين أبرز الرابحين من 2020، وهم مصنعة السيارات الصينية بي واي دي BYD، ومجموعة كراود سترايك للأمن السيبراني، وشركات ذا تريد ديسك وداتا دوغ للبرمجيات، إلى جانب "تي موبايل"، وشركة كاتل الصينية التكنولوجية، فضلاً عن منصة ميركادو ليبري الأمريكية اللاتينية للتسوّق عبر الإنترنت.
وتمكنت شركات أخرى من التي حققت مكاسب إبان الجائحة من أن تشهد أداءً أفضل، بما في ذلك عمالقة التكنولوجيا "إنفيديا" و"أمازون". وأضافت "إنفيدياً" أكثر من 1.9 تريليون دولار إلى قيمتها السوقية منذ نهاية 2020، بفضل الطفرة التي تشهدها الأسهم ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي.
تقلص الأرباح
من جانبه، قال أخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- عديداً من شركات التكنولوجيا حققت ارتفاعاً هائلاً في أرباحها وقت جائحة فيروس كورونا، وذلك بسبب عدة عوامل؛ أهمها زيادة الطلب على المنتجات والخدمات التي تقدمها التكنولوجيا، عندما أصبح هناك اعتماد شبه كلي من جانب الطلاب والموظفين على منصات التواصل الاجتماعي وأدوات التعليم والعمل عن بعد، وبرامج مؤتمرات الفيديو، مما أدى إلى ارتفاع عائدات شركات مثل غوغل ومايكروسوفت وزووم، وغيرهم.
- مع تخفيف القيود وإعادة فتح الاقتصادات والمطارات والموانئ، وبدأت الناس في العودة لممارسة أعمالهم بصورة طبيعية والتواجد بمقر العمل، أدى ذلك إلى انخفاض الطلب على بعض المنتجات والخدمات التكنولوجية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات المخصصة لهذه الأهداف، وأهداف التعليم والعمل عن بعد، وهو ما انعكس على أرباح الشركات.
وشدد على أن وجود الأفراد في المنازل وقت جائحة فيروس كورونا تسبب في تشكيل ضغط على المعاملات الإلكترونية، مما اضطر الشركات العاملة في مجال التجارة الإلكترونية لتوظيف مجموعات كبيرة من الموظفين الجدد لتلبية الطلب، وبعد انتهاء هذا الوضع اضطرت الشركات لإقالة عديد من الموظفين.
كذلك الحال بالنسبة لعديد من شركات الأدوية، وفق الناطور، الذي يشير إلى "زيادة المنافسة وانخفاض الأسعار، مما خلق حالة من التشبع في الأسواق".
هذه الحالة من التشبع (سواء بالنسبة لعديد من شركات التكنولوجيا وكذلك شركات الأدوية) أدت إلى صعوبة تحقيق المزيد من النمو والأرباح، ورغم ذلك تمكنت بعض الشركات من التكيف مع هذه التغيرات، والاستمرار في تحقيق النمو، بينما هناك شركات أخرى واجهت صعوبات أكبر، وتراجعت أرباحها.
وفيما يخص الشركات التي استطاعت الحفاظ على الزخم، قال الناطور: هذه الشركات لديها طرق جديدة للنمو والابتكار لتبقى في طليعة المنافسة ومنها أن تستخدم الصراعات القائمة حاليًا بين أقطاب العالم في توظيف تقنياتها، مثل الذكاء الاصطناعي، وكيفية إدراجه في خدماتها ومنتجاتها.
مواصلة الزخم
على الجانب الآخر، توقع المدير التنفيذي في شركة VI Markets، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن يواصل القطاع التكنولوجي الزخم، موضحاً أن:
- شركات التكنولوجيا تعتبر من أكبر المستفيدين في فترة جائحة فيروس كورونا، وهو أمر مستمر حتى الآن بشكل أو بآخر.
- خلال تلك الفترة (إبان الجائحة) حققت الولايات المتحدة الأميركية أكبر كمية طباعة أموال، وذلك لدعم الشركات لاستكمال عملها، وللأفراد في صورة إعانات بطالة.
وأفاد بأن الكثير من الأشخاص وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية بدأوا بتوجيه أموالهم لاستثمارها في أسهم شركات التكنولوجيا في هذا الوقت، لا سيما مع الإغلاق والاتجاه نحو العمل والتعليم عن بعد، والتواصل المختلف بين الأشخاص عن طريق زووم ميتنغ وغيره ذلك، وفي ظل الاهتمام المتزايد بالخدمات التكنولوجية والتجارة الإلكترونية؛ بسبب الإغلاق وقت جائحة فيروس كورونا، وهو ما وجه الأنظار تجاه كل مايخص التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأضاف: "بعد انتهاء فترة الجائحة امتد هذا الاهتمام لكل ما هو متعلق بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. وأتوقع أن يستمر القطاع التكنولوجي ليصبح أفضل القطاعات في تحقيق الأرباح خلال الفترة المقبلة".