يقبع أكثر من 600 شخص في تونس في السجن بسبب الديون المتراكمة وذلك بعد تورطهم في تحرير صكوك عجزوا عن سداد قيمتها المالية كما يهرب الآلاف خارج البلاد وداخلها خوفا من العقوبات السجنية للسبب نفسه.
يأتي هذا وسط دعوات إلى تغيير قانون حبس المدين أطلقتها المنظمات وآخرها "هيومن رايتس ووتش"، التي قالت في تقرير لها إن سجن الأشخاص لمجرد تحرير شيكات لم يتمكنوا من سدادها لاحقا ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان ويُدمّر الأسر والشركات.
وطالبت "هيومن رايتس" تونس باستبدال عقوبة السجن ببدائل تسمح للمخالفين بسداد الديون وفق خطة محددة بدلا عن العقوبة بالسجن، داعية لتعويض التشريعات القديمة بقانون يميز بين الرفض المتعمد وعدم القدرة الحقيقية على السداد.
واعتبرت المنظمة أن التشريعات القديمة المتعلقة بالشيكات بدون رصيد القاضية بحبس المدين غذت دائرة المديونية ودمرت حياة أسر بأكملها في سياق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد ودفعت الكثيرين نحو الاختفاء أو العيش في المنفى بدل العمل على سداد ديونهم وتجاوز أزماتهم المالية.
وتجدر الإشارة إلى أن الشيكات في تونس لم تعد مجرد أداة للدفع منذ سنوات وأصبحت تُستخدم للحصول على الائتمان، حيث يعمل أصحاب المشاريع التجارية على تأمين السلع أو الخدمات مقابل شيكات يقدمونها بهدف صرفها في موعد لاحق.
وصم اجتماعي ومعاناة أسرية
وتعالج المحاكم التونسية أكثر من 11 ألف قضية شيك من دون رصيد وفقا للأرقام الرسمية، بينما تعتبر الجمعية التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة أن الأرقام تخفي خلفها وضعيات صعبة لقرابة ال 200 ألف عائلة متضررة.
وقال المتحدث باسم الجمعية عبد الرزاق حواص في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إن عدد الملاحقين في قضايا صكوك دون رصيد يقرب من 7200 شخص من الفئات العمرية والاجتماعية المختلفة فارين من أحكام سجنية تراكمية بسبب إصدارهم لصكوك ضمان عجزوا عن سداد قيمتها.
وأكد حواص أن أغلب المتورطين هم من أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يصعب عليها الوصول إلى التمويل المصرفي فضلا عن تضرر نشاطها فترة انتشار وباء كورونا أو في ثورة 2011.
أما عن التأثيرات الاجتماعية والنفسية فقد أكد حواص أن المشاكل الاقتصادية للعائلات تفاقمت بعد سجن أحد أفرادها بسبب الإفلاس وإصدار شيكات دون رصيد فضلا عن مواجهتهم للرفض الاجتماعي والوصم.
هذا ويُعتبر إصدار الشيك دون رصيد جريمة جنائية حسب المجلة التجارية التونسية عقوبتها السجن حتى خمس سنوات، وبسبب إصدار أكثر من شيك يواجه البعض أحكام تصل إلى122 و50 سنة سجن على خلفية إفلاسهم وإخفاق مشاريعهم الاقتصادية وعجزهم عن سداد ديونهم.
الحل في إلغاء العقوبة السجنية
من جهة أخرى، أحالت الحكومة في وقت سابق مشروع قانون لتنقيح الأحكام القانونية المتعلقة بالشيكات دون رصيد إلى البرلمان التونسي الذي ناقش صيغة معدلة للفصل 411 للقانون التجاري مقترحا تقليص عقوبة السجن من 5 سنوات إلى سنتين.
واعتبر عبد الرزاق حواص المتحدث باسم المؤسسات الصغرى والمتوسطة أن الاتجاه نحو تخفيف العقوبة السجنية لا يحل أزمات المؤسسات الصغرى التي تواجه قضايا صكوك دون رصيد مطالبا بإلغاء كلي للعقوبات السجنية والعمل على دفع البنوك نحو تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتجنيبها مزالق إصدار الصكوك كآلية ضمان.
ويتفق عدد من خبراء الاقتصاد مع الطرح نفسه حيث يرون أن الحل ليس قانونيا بل اقتصاديا ويتمثل في تحمل البنوك التجارية ومن وراءها البنك المركزي لمسؤولية دعم الاقتصاد الوطني ومرافقة الشركات الصغرى والمتوسطة بالتمويل.
ويشير مختصون في الاقتصاد إلى أن البنوك تحقق أرباحا خيالية سنويا من الشيكات دون رصيد التي تؤدي بالآلاف إلى السجن بينما ترفض المخاطرة بتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.