تواجه الإدارة السورية الجديدة واحدة من أكثر المعضلات تعقيدًا في طريقها لتشكيل جيش وطني موحد، وهي دمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ضمن الهيكلية الجديدة.

فبين الشروط التي تضعها قسد للحفاظ على سلاحها كضمانة وجود، وبين الحاجة الوطنية لتوحيد الفصائل المسلحة تحت راية واحدة، تبدو المعادلة شديدة الصعوبة.

محاولة هيكلة الجيش هل خطوة سياسية أم عسكرية؟

الإعلان عن بدء خطوات إعادة تشكيل الجيش الوطني السوري يعكس رغبة القيادة الجديدة في تحقيق الاستقرار وتجاوز مرحلة التشرذم التي عاشتها سوريا خلال السنوات الماضية.

لكن هذا المشروع لا يقتصر على الجانب العسكري؛ فهو خطوة سياسية تهدف إلى توحيد المكونات السورية ضمن رؤية جديدة تضمن شمول الجميع، بما في ذلك الفصائل التي كانت على خلاف طويل الأمد مع النظام السوري السابق.

إلى الآن، أبدت العديد من الفصائل، مثل هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل التابعة للجيش الوطني، استعدادها للاندماج في الجيش الجديد. لكن قوات سوريا الديمقراطية تبقى حالة استثنائية، ليس فقط بسبب هيكليتها العسكرية، ولكن أيضًا بسبب توجهاتها السياسية والإستراتيجية.

 السلاح في قسد ضمانة لوجود أم ورقة تفاوض؟

يرى الخبراء أن موقف قسد من مسألة الاندماج في الجيش الوطني يعكس إدراكها لتعقيد المرحلة المقبلة. فقد أكد مظلوم عبدي، زعيم قسد، أن قواته مستعدة للاندماج، لكن بشروط واضحة، أبرزها الحفاظ على السلاح إلى حين التوصل إلى صيغة توافقية تضمن حقوق الأكراد ضمن دولة موحدة.

يرى العميد أحمد رحال، الخبير العسكري، أن "سلاح قسد ليس مجرد قوة عسكرية؛ إنه ورقة تفاوض استراتيجية يستخدمها الأكراد لضمان بقائهم في المشهد السوري".

ويضيف رحال لسكاي نيوز عربية: "الأكراد يدركون أن التخلي عن السلاح يعني فقدانهم لأحد أهم أدوات الضغط في أي مفاوضات سياسية، خاصة مع استمرار التهديدات التركية والتوترات في مناطق الشمال الشرقي".

التوتر الميداني وتأثيره على الحوار

رغم الاجتماعات الأخيرة بين قيادة الإدارة السورية الجديدة ووفد قسد في دمشق، إلا أن التصعيد الميداني شمال شرقي سوريا يُلقي بظلاله على فرص نجاح الحوار. فتركيا، التي تعتبر قسد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، تواصل عملياتها العسكرية ضد مناطق سيطرة الأكراد، ما يدفع قسد للتشبث بموقفها الرافض لتسليم السلاح.

"كيف يمكننا الحديث عن تسليم السلاح ونحن نتعرض للهجمات بشكل يومي؟"، هذا التساؤل الذي تطرحه قيادات قسد يعكس حجم المخاوف من التخلي عن سلاحها دون ضمانات حقيقية لحمايتها.

موقف الإدارة الجديدة: رؤية استراتيجية أم ضرورة توافق؟

من جانبها، تبدو الإدارة السورية الجديدة حريصة على تقديم نفسها كجهة جامعة لكل المكونات السورية، لكنها تواجه تحديات كبرى في ترجمة هذا الطموح إلى واقع عملي.

ومع ذلك، يرى مراقبون أن الإدارة الجديدة لم تقدم بعد خطة واضحة للتعامل مع قسد، خصوصًا فيما يتعلق بضمان تمثيلها داخل الجيش والحفاظ على خصوصيتها كقوة مسلحة ذات طابع محلي.

أخبار ذات صلة

الإدارة السورية الجديدة.. هل تمتد يد الحوار لكل الأطياف؟
قسد تعلن إسقاط مسيرة "بيرقدار" تركية بريف حلب

 تحديات ثلاثية الأبعاد

يمكن تلخيص التحديات الرئيسية التي تواجه دمج قسد في الجيش الوطني السوري ضمن 3 أبعاد رئيسية:

1. البُعد العسكري:

  • دمج قوات عسكرية تتمتع بهيكليات تنظيمية مستقلة مثل قسد يتطلب إعادة هيكلة شاملة للجيش، بحيث يضمن التوازن بين المكونات المختلفة.
  • وجود ما يقارب 6400 ضابط منشق عن النظام، حسب العميد أحمد رحال، يمكن أن يشكل قاعدة عسكرية قوية، لكن تجاهل هؤلاء الضباط أو عدم التنسيق معهم يعكس ضعفًا في التخطيط الاستراتيجي.

2. البُعد السياسي:

  • تحقيق توافق سياسي بين الإدارة الجديدة وقسد يتطلب حوارًا مباشرًا بشأن القضايا الجوهرية، مثل حقوق الأكراد واللامركزية الإدارية.
  • قسد تطالب بضمانات حقيقية تتجاوز مجرد الانضمام إلى الجيش، بل تشمل تمثيلًا سياسيًا يعكس وزنها العسكري والميداني.

3. البُعد الميداني:

  • التصعيد الميداني المستمر في الشمال الشرقي بين قسد وتركيا يزيد من تعقيد المشهد.
  • أي خطوة لتسليم السلاح أو الانخراط في الجيش الجديد دون تهدئة ميدانية ستُعتبر بالنسبة لقسد تهديدًا وجوديًا.

أخبار ذات صلة

سوريا "الجديدة".. جدل بشأن منح رتب عسكرية لأجانب
سوريا.. تعيين مقاتليْن مصري وأردني في وزارة الدفاع

 مقترحات للحل

يرى العميد أحمد رحال أن الحل يكمن في اتخاذ خطوات تدريجية ومدروسة لتحقيق التوافق بين قسد والإدارة الجديدة. ويطرح النقاط التالية كأرضية للحل:

  1. تأسيس وزارة دفاع قوية ومستقلة تُدار من قبل ضباط محترفين بعيدًا عن الانتماءات الفصائلية.
  2. ضمان تمثيل عادل لجميع المكونات داخل الوزارة، بما في ذلك قسد والضباط المنشقين.
  3. فتح قنوات تواصل مباشرة مع قسد لمناقشة مستقبل سلاحها ودورها ضمن الجيش.
  4. التنسيق مع القوى الإقليمية، خاصة تركيا، لتخفيف الضغط الميداني على قسد، ما قد يسهل قبولها بالاندماج.

مع استمرار الجهود لإعادة هيكلة الجيش الوطني السوري، تبقى مسألة دمج قسد إحدى العقبات الرئيسية التي تحتاج إلى رؤية سياسية شاملة تتجاوز الحسابات العسكرية.

  • قسد لن تتخلى عن سلاحها إلا بضمانات واضحة تحفظ حقوقها وتضمن مشاركتها الفاعلة في سوريا الجديدة.
  • الإدارة السورية الجديدة بحاجة إلى تحقيق توازن دقيق بين طموحاتها لتوحيد الجيش وتطلعات قسد ومخاوفها.

في نهاية المطاف، سيكون النجاح في حل هذه المعادلة هو الاختبار الحقيقي لقدرة القيادة الجديدة على تحقيق رؤية شاملة لسوريا موحدة ومستقرة. ولكن يبقى السؤال: هل تمتلك الإدارة السورية الجديدة القدرة والإرادة لتحقيق هذا التوازن المعقد؟