لم تمضِ أسابيع قليلة على تولي العهد اللبناني الجديد مهامه، حتى دخل حزب الله في مواجهة مباشرة مع السلطة، مستغلًا قضية منع الطائرة الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت كمنطلق لتصعيد أكبر.

هذه المواجهة تطرح تساؤلات أساسية بشأن الأهداف الحقيقية للحزب: هل يسعى إلى فرض قواعد اللعبة بالقوة كما اعتاد، أم أنه يناور سياسيًا لحماية نفوذه في مرحلة جديدة؟

منع الطائرة الإيرانية.. قرار سيادي أم رضوخ للضغوط؟

بدأت الأزمة عندما قررت السلطات اللبنانية منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، بعد تلقيها تحذيرًا أميركيًا من احتمال استهداف إسرائيل للمطار في حال السماح للطائرة بالهبوط.

هذا القرار أثار غضب حزب الله، الذي سارع إلى وصفه بأنه "إملاء أميركي إسرائيلي"، وحرّك أنصاره للاحتجاج قرب المطار، ما أدى إلى قطع الطرقات لبعض الوقت.

ورغم تدخل الجيش اللبناني لفتح الطرق، إلا أن العملية أسفرت عن إصابة 23 عنصرًا من الجيش، بينهم ثلاثة ضباط، ما زاد منسوب التوتر في المشهد الداخلي.

تصعيد حزب الله.. حسابات الداخل والخارج

يرى الباحث السياسي جورج عاقوري أن تحرك حزب الله لا يرتبط فقط بمنع الطائرة، بل يعكس رغبة الحزب في استباق أي تغييرات قد تهدد نفوذه.

ويوضح خلال حديثه لبرنامج التاسعة على سكاي نيوز عربية ان ما جرى ليس مجرد احتجاج على منع طائرة، بل رسالة سياسية وأمنية موجهة إلى العهد الجديد بأن الحزب لا يزال القوة الأكثر تأثيرًا على الأرض، وأن أي قرارات تمس مصالحه ستُواجَه بالتصعيد.

لبنان.. وسلاح حزب الله

ويضيف أن هناك ثلاثة أهداف أساسية لهذا التصعيد:

أولا، محاولة الضغط على الحكومة الجديدة أثناء صياغة البيان الوزاري لضمان إدراج مواضيع تصبّ في مصلحة الحزب، مثل المقاومة وسلاحه.

ثانيا، تهدئة الاحتقان داخل بيئة الحزب، التي تشعر أن حزب الله بات في موقع دفاعي بعد التطورات الإقليمية الأخيرة.

ثالثا، تعزيز موقع الحزب في مواجهة الانسحاب الإسرائيلي المحتمل من جنوب لبنان، بما يضمن له مساحة أكبر للمناور.

تحولات إقليمية وضيق الخيارات أمام حزب الله

اعتاد حزب الله منذ سنوات، فرض شروطه في لبنان دون مقاومة تذكر، لكن اليوم يبدو أن المعادلة تغيرت. فالحزب الذي كان يتباهى بأنه جزء من محور إقليمي قوي، يجد نفسه أمام واقع جديد، حيث تراجعت قدرة إيران على دعم حلفائها بالزخم السابق، كما أن الانخراط الإقليمي لحزب الله بات مكلفًا أكثر من أي وقت مضى.

يرى العاقوري أن هذه التحولات تضع الحزب في موقف صعب مشيرا ان حزب الله لم يعد يمتلك هامش المناورة الواسع الذي كان لديه قبل سنوات حيث ان البيئة الداخلية تغيّرت، والعهد الجديد يبدو أكثر حزما في التعامل مع سطوة الحزب. أضف إلى ذلك أن هناك تحولات إقليمية جعلت حزب الله يخسر بعض أوراقه، ما يدفعه اليوم إلى التصعيد كمحاولة لاستعادة زمام المبادرة".

تفاعل مع فيديو لامرأة من أتباع حزب الله تهتف ضد حكومة لبنان

ما بين الشارع والحكومة.. خيارات محدودة أمام الحزب

اعتاد حزب الله الذي استخدام الشارع كأداة ضغط فعالة، يدرك اليوم أن هذه الاستراتيجية لم تعد تضمن له النتائج نفسها. فمن جهة، هناك رفض رسمي واضح لسياسة "الضغط بالشارع"، ومن جهة أخرى، لم يعد الرأي العام اللبناني مستعدًا لتحمل المزيد من الفوضى في ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية المتفاقمة.

تشير المعطيات إلى أن الدولة اللبنانية هذه المرة لن تتساهل مع أي محاولة لفرض الهيمنة، وهو ما أكده رئيس الحكومة نواف سلام بقوله: "الدولة اللبنانية لن تسمح بفرض الأمر الواقع بالقوة، ولن تقبل بأي اعتداء على هيبة المؤسسات الرسمية."

التداعيات الاقتصادية والأمنية.. لبنان أمام اختبار جديد

في ظل هذا التصعيد، تبرز مخاوف حقيقية من تأثير الأحداث على الاستقرار الداخلي، خاصة مع دخول لبنان موسم الاصطياف، الذي يعدّ ركيزة أساسية لإنعاش الاقتصاد اللبناني المتعثر.

يحذر العاقوري من التداعيات السلبية لهذا التصعيد، قائلا: "اللعب بالشارع خطير وغير مضمون النتائج. أي فوضى أمنية قد تؤدي إلى تراجع السياحة والاستثمار، ما يعني المزيد من الأضرار الاقتصادية في بلد يعاني أصلًا من أزمة غير مسبوقة".

الجيش اللبناني يفض احتجاجا لأنصار حزب الله بمحيط مطار بيروت

هل يعيد حزب الله حساباته؟

في ظل هذه التطورات، يبدو أن حزب الله أمام اختبار جديد: هل يواصل التصعيد لممارسة الضغط على الحكومة، أم أنه سيضطر إلى إعادة تقييم استراتيجيته في ظل المعطيات الداخلية والإقليمية الجديدة؟.

الأيام المقبلة ستكشف اتجاه الأمور، لكن من الواضح أن الحزب لم يعد قادرًا على فرض إيقاعه كما في السابق، وأن العهد الجديد قد يكون بداية لمرحلة مختلفة في المشهد السياسي اللبناني.