اتخذت الصين خطوة كبيرة في سباق الهيمنة على مستقبل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كلاعب قوي في المجال، حيث أثمرت جهودها وتسخر إمكاناتها البشرية والتكنولوجية في تحقيق قفزة نوعية في هذا القطاع.

وبفضل الاستثمارات والدعم غير المسبوق للبحث والتطوير، أصبحت الصين قادرة على تحدي التفوق التقليدي للشركات الأميركية التي هيمنت طويلاً على هذا المجال.

ويشكل التطور الصيني في الذكاء الاصطناعي تهديداً مباشراً لهيمنة الشركات الأميركية، التي باتت تواجه ضغوطاً متزايدة للحفاظ على ريادتها.

أخبار ذات صلة

"ديبسيك" تثير الذعر في "وول ستريت" في تعاملات ما قبل التداول
"DeepSeek" يهدد هيمنة تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأميركية

DeepSeek تهز الأسواق

هزت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة DeepSeek أسهم التكنولوجيا العالمية، الاثنين، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الهيمنة التكنولوجية الأميركية.

وأشار تقرير لوكالة "بلومبرغ" اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تزايد الضجة خلال عطلة نهاية الأسبوع حول أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي من DeepSeek كونه فعالاً من حيث التكلفة أثناء التشغيل على رقائق ذات سعة منخفضة، مما أثار الشكوك حول صحة التقييمات المرتفعة للغاية لشركات مثل إنفيديا.

وقد أصبح منتج الشركة الصينية، الذي تم إصداره الأسبوع الماضي، الآن في صدارة تصنيفات متجر تطبيقات أبل.

ونقل التقرير عن المدير الإداري في Union Bancaire Privee، سيرن لينغ، قوله: "يُظهر DeepSeek أنه من الممكن تطوير نماذج ذكاء اصطناعي قوية بتكلفة أقل".

وأضاف: "يمكن أن يعرقل ذلك الاستثمار في سلسلة توريد الذكاء الاصطناعي بأكملها، والتي يقودها الإنفاق المرتفع من قِبَل حفنة صغيرة من الشركات الضخمة".

وتم تطوير التطبيق من قبل مؤسس صندوق Quant، ليانغ وينفينغ، ويُنظر إلى نموذج الذكاء الاصطناعي الأساسي له - على نطاق واسع - على أنه منافس لأحدث إصدارات "أوبن إيه آي" و"ميتا".

إشادات واسعة

بحسب "بلومبرغ"، أشاد المستثمر الأميركي مارك أندريسن بنموذج DeepSeek، باعتباره "أحد أكثر الاختراقات المذهلة والمثيرة للإعجاب".

كما أشادت المراجعات على متجر تطبيقات أبل وعلى متجر "أندرويد" التابع لشركة "ألفابيت" بإمكانيات نموذج الذكاء الاصطناعي القوية.

وبعد هذه الأنباء، انخفضت العقود الآجلة لمؤشر "ناسداك 100" بنحو 4 بالمئة، كما انخفضت العقود على مؤشر S&P 500 بنسبة 1 بالمئة.

في المقابل، تقدمت الأسهم في هونغ كونغ، حيث ارتفع مؤشر Hang Seng Tech قبل عطلة رأس السنة القمرية الجديدة هذا الأسبوع.

وارتفعت الأسهم الصينية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك أسهم "Merit Interactive"، والتي تمتلك أوضح الروابط مع DeepSeek.

وفي الوقت نفسه، تراجعت الأسهم في سلسلة توريد الذكاء الاصطناعي حيث أعاد المستثمرون التفكير في افتراضاتهم بأن الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً سيتطلب كميات متزايدة من قوة الحوسبة والطاقة.

وانخفضت أسهم شركة Advantest، المورد الرئيسي لشركة إنفيديا، بنسبة 8.6  بالمئة في طوكيو، كما تراجعت أسهم مراكز البيانات، مع انخفاض Mapletree Industrial Trust المدرجة في سنغافورة بنسبة 3.6 بالمئة.

أخبار ذات صلة

الذكاء الاصطناعي.. هل يقود ثورة في عالم صناعة الأدوية؟
تطور الذكاء الاصطناعي في 2025.. ما الذي يُمكن توقعه؟

الإنفاق الكبير

قال رئيس قسم المستهلك والإنترنت في شركة Aletheia Capital ومقرها سنغافورة، نيرجونان تيروتشيلفام:

  • إن منتج DeepSeek "يشكل مشكلة عميقة فيما يتعلق بالفرضية القائلة بأن الإنفاق الرأسمالي الكبير ونفقات التشغيل التي تكبدتها وادي السيليكون هي الطريقة الأكثر ملاءمة للتعامل مع اتجاه الذكاء الاصطناعي.
  • "إنه يثير تساؤلات حول الموارد الهائلة المخصصة للذكاء الاصطناعي".
  • ويثير إصدار DeepSeek شكوكًا جديدة، ويتحدى فكرة أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الصين متأخرة بسنوات عن نظيراتها الأميركية   

وكانت القيود التجارية التي فرضتها واشنطن قد أبقت على أحدث الرقائق بعيدًا عن أيدي الصين، لكن نموذج DeepSeek تم بناؤه باستخدام تقنية مفتوحة المصدر يسهل الوصول إليها.

وقال كبير استراتيجيي الاستثمار في "ساكسو ماركتس"، تشارو تشانانا:

  • "في حين أن القادة الحاليين مثل إنفيديا لديهم موطئ قدم قوي، فإن هذا تذكير بأن هيمنة الذكاء الاصطناعي لا يمكن اعتبارها أمرًا مفروغًا منه".
  • "يشير ظهور DeepSeek الصينية إلى أن المنافسة تشتد، وعلى الرغم من أنها قد لا تشكل تهديدًا كبيرًا الآن، فإن المنافسين في المستقبل سوف يتطورون بشكل أسرع ويتحدون الشركات الراسخة بسرعة أكبر".

نتائج مذهلة

يقول استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات، عاصم جلال، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن منصة الذكاء الاصطناعي الصينية "ديب سيك"، سواء النسخة الأساسية أو النسخ المتقدمة مثل "ديب سيك 3" و"ديب سيك آر1"، حققت نتائج مذهلة تضعها في مصاف النماذج الأميركية المتقدمة مثل "تشات جي بي تي أو 1" من شركة أوبين إيه آي.

ويوضح جلال أن "ديب سيك" يتميز بقدرات فائقة في محاكاة التفكير البشري، حيث لا يقتصر على تقديم إجابات مباشرة فقط، بل يدرس أبعاد القضايا المختلفة ويستند في مخرجاته إلى تحليل عميق يحاكي التفكير البشري، وهي قفزة نوعية لم تكن موجودة في النماذج السابقة.

ويضيف: "تطوير "ديب سيك آر1" أثار انبهار العالم، خاصة في ظل القيود الأميركية المفروضة على الصين، وتشمل هذه القيود حظر تصدير وتصنيع الرقائق الإلكترونية اللازمة لتشغيل هذه التقنيات، وكذلك الحظر على مشاركة الأبحاث ومنصات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، استطاع الصينيون تجاوز هذه العقبات، وهو ما شكّل صدمة للأميركيين وإعجاباً عالمياً".

ويشير جلال إلى أن الشركة الصينية التي طورت "ديب سيك" أنجزت هذا المشروع بميزانية أقل مقارنة بالمليارات التي أنفقتها الشركات الأميركية على نماذجها "وهذا الإنجاز يُظهر تفوقاً تقنياً لافتاً للصين في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تمكنوا من تطوير نموذج يضاهي أقوى النماذج الأميركية بتكلفة أقل بآلاف المرات"، بحسب تعبيره.

كما أشار إلى بُعد آخر هام، يتمثل في أن "ديب سيك" نموذج مفتوح يمكن لأي شخص تنزيله واستخدامه والتعلم منه وحتى تطوير نموذج مشابه، مما يغير قواعد اللعبة في سوق الذكاء الاصطناعي.

وعلاوة على ذلك، تكلفة تشغيل "ديب سيك" أقل بكثير مقارنة بالنماذج الأميركية، سواء من حيث الأجهزة أو استهلاك الطاقة، مما يجعلها خيارًا أكثر اقتصادية للمستخدمين حول العالم.

ويختتم جلال بالقول إن هذا الإنجاز ليس الوحيد للصين في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أحرزت نجاحات كبيرة في مجالات أخرى مثل توليد الفيديو، مما يعزز موقعها كقوة تنافسية عالمية قادرة على تغيير معايير السوق ودفع الشركات الأمريكية إلى تقديم نماذج أقل تكلفة وأكثر انفتاحاً.

أسهم اليابان

ونقل تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، عن  رئيس استراتيجية الأسهم في شركة ORTUS Advisors أندرو جاكسون، قوله  إن "أسهم الرقائق اليابانية تبيع بشكل حاد بسبب المخاوف بشأن DeepSeek".

وأضاف أن أسهم مراكز البيانات التي ارتفعت بفضل الإنفاق المتزايد على البنية التحتية للتكنولوجيا سوف تتأثر أيضا.

وقال المستثمر المخضرم جيسبر كول إن سرعة وتركيز الصين على التقدم في مجال الرقائق الإلكترونية يثير تساؤلات حول طموحات اليابان نفسها.

وأضاف: "نحن نعلم أن شركات تصنيع الرقائق اليابانية قد تكون من الطراز العالمي، لكننا نعلم أيضاً أن قدرتها على الإنتاج على نطاق واسع محدودة؛ ومن الصواب أن نشعر بالقلق من أن سرعتها في التنفيذ قد تتخلف عن إرادة الصين الجديدة للفوز".

وانخفضت أسهم الشركات المرتبطة بالرقائق في اليابان يوم الاثنين بعد أن أثارت شركة DeepSeek الصينية الناشئة للذكاء الاصطناعي مخاوف بشأن التحدي المحتمل للزعامة العالمية لأميركا في مجال الذكاء الاصطناعي.

وقال المستشار الأكاديمي بجامعة ولاية سان خوسيه الأميركية، الدكتور أحمد بانافع، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم الرقمي، تبرز الشركات الصينية كمنافس قوي في مجالات التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي والبحث، مشدداً على أن شركة DeepSeek الصينية تعد من أبرز الأسماء الجديدة التي تسعى لمنافسة عمالقة التكنولوجيا الأميركية مثل Google وMicrosoft، وهو ما يطرح سؤالًا مهمًا: هل تستطيع DeepSeek زعزعة هيمنة التكنولوجيا الأميركية؟

ويرصد بعضاً من نقاط القوة التي تدعم صعود DeepSeek على النحو التالي:

الابتكار المدعوم بتقنيات متطورة:

  • تمثل DeepSeek نموذجاً جديداً في محركات البحث بفضل تركيزها على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة بشكل أعمق وأكثر سرعة.
  • تعتمد الشركة على نماذج لغوية متقدمة تُنافس ChatGPT، مع قدرات محسنة لفهم السياقات المعقدة، ما يعزز من تجربة المستخدم.

السوق الصينية كمنصة انطلاق قوية:

  • الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتمتلك سوقاً داخلية ضخمة تضم أكثر من مليار مستخدم.
  • هذا يمنح DeepSeek فرصة لاختبار تقنياتها وتطويرها في بيئة مشبعة بالبيانات وقابلة للتوسع.

الدعم الحكومي واستراتيجية "صنع في الصين 2025":

  • الحكومة الصينية تولي أهمية خاصة لقطاع التكنولوجيا كجزء من استراتيجيتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز المنافسة العالمية.
  • هذا الدعم يمكن أن يوفر لـ DeepSeek الموارد المالية والبنية التحتية اللازمة لتطوير منتجاتها

الذكاء الاصطناعي كميزة تنافسية:

  • تعمل DeepSeek على تقنيات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتحليل الصور والفيديوهات والنصوص بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يمكن أن يمنحها ميزة تنافسية خاصة في الأسواق النامية التي تحتاج إلى تقنيات منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة.

أما بشأن التحديات التي تواجه DeepSeek في مواجهة العمالقة الأميركيين، فيلخصها بانافع فيما يلي:

  • الثقة والخصوصية: الشركات الصينية تواجه غالباً شكوكاً من قبل المستهلكين العالميين، وخاصة في الأسواق الغربية، بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية وإمكانية تدخل الحكومة الصينية في البيانات.
  • الهيمنة الراسخة للشركات الأميركية: الشركات الأميركية مثل Google وMicrosoft لديها حضور عالمي قوي وتستحوذ على حصة سوقية ضخمة، مما يجعل اختراق هذه الأسواق تحدياً كبيراً لـ DeepSeek.
  • العقوبات الجيوسياسية: التوترات بين الولايات المتحدة والصين قد تعيق تقدم DeepSeek، سواء من خلال فرض عقوبات على التقنيات أو منع الوصول إلى الأسواق الغربية الرئيسية.
  • التكنولوجيا التكميلية والبنية التحتية: على الرغم من التقدم الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تسيطر على العديد من التقنيات التكميلية مثل أشباه الموصلات والحوسبة السحابية، مما قد يؤثر على قدرة الشركات الصينية على التوسع عالمياً.

ويشدد على أن نجاح DeepSeek في زعزعة هيمنة التكنولوجيا الأميركية يعتمد على عوامل عدة، منها:

  • الابتكار المستمر: إذا تمكنت DeepSeek من تقديم منتج فريد ينافس محركات البحث الأميركية من حيث السرعة والدقة، قد يكون لها تأثير كبير.
  • الشراكات العالمية: التعاون مع شركات من خارج الصين يمكن أن يساعد في كسب ثقة الأسواق الدولية.
  • حلول الخصوصية: تقديم ضمانات واضحة حول أمن البيانات قد يخفف من مخاوف المستخدمين الدوليين.

ويعتقد بأنه في المستقبل القريب، قد يشهد العالم توازناً تقنياً بين الشرق والغرب إذا استمرت الشركات الصينية مثل DeepSeek في النمو ونجحت في دخول أسواق جديدة.

ومع ذلك، فإن الصراع التكنولوجي قد يتصاعد، خاصة في ظل محاولات الدول الكبرى لتأمين سيادتها الرقمية وتعزيز اعتمادها على الحلول المحلية.

ويمكن القول إن DeepSeek لديه القدرة على المنافسة عالميًا، لكن ذلك يتطلب استراتيجية واضحة لتجاوز التحديات التقنية والجيوسياسية، بحسب التقرير، خاصة وأن المنافسة لا تزال في بدايتها، والسنوات القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد من سيتصدر المشهد الرقمي العالمي.

الولايات المتحدة.. مشروع عملاق للذكاء الاصطناعي

نماذج متقدمة

العضو المنتدب لشركة "أي دي تي للاستشارات والنظم التكنولوجية"، محمد سعيد، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن شركة "ديب سيك"، التي تأسست حديثًا في العام 2023، أثارت اهتماماً واسعاً بإطلاقها عدة نماذج متقدمة، كان أحدثها نموذج DeepSeek R1، موضحاً أن النموذج الأخير غيّر كثيراً من قواعد اللعبة، حيث استطاع تجاوز الأداء المتميز للنماذج الأميركية، مثل منتجات OpenAI وغوغل.

ويوضح أن تكلفة تطوير نموذج DeepSeek R1 بلغت فقط 6 ملايين دولار، وهي تكلفة منخفضة للغاية مقارنة بمليارات الدولارات التي تنفقها الشركات الأميركية الكبرى مثل "إنفيديا" و"أنتروبيك"، مما يثير التساؤلات حول كفاءة واستدامة النماذج الأميركية.

ويضيف: "التفوق الواضح لشركة صغيرة بموارد محدودة سيُعيد ترتيب الأوراق، سواء على مستوى أداء الشركات الأميركية في البورصة أو حتى على سياسات الولايات المتحدة تجاه الصين"، مشيراً إلى أن شركات مثل "إنفيديا"، المسيطرة على سوق الشرائح المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، قد تكون من بين الأكثر تأثراً.

كما يلفت الانتباه إلى التداعيات الجيوسياسية لهذا التفوق الصيني، قائلًا: "سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تعتمد على فرض قيود على الصين في مجال التكنولوجيا، تحتاج إلى إعادة نظر. إذا كانت شركة صينية صغيرة قادرة على تحقيق هذا التفوق، فما جدوى هذه القيود؟".

وفي سياق آخر، يتحدث سعيد عن تأثير ديب سيك على المشاريع الضخمة مثل مشروع "ستار جيت"، الذي أعلن عنه ترامب بقيمة 500 مليار دولار، قائلًا: "إذا كان مشروع صيني بتكلفة 6 ملايين دولار يستطيع المنافسة بهذا الشكل، فإن مستقبل مشروع ستار جيت قد يصبح محل تساؤل كبير".

ويختم سعيد تصريحاته بالتأكيد على أن التأثير لن يقتصر على الشركات الأميركية بل سيمتد إلى الاستراتيجيات والسياسات الأميركية تجاه الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والمنافسة مع الصين.