التفاوض على الراتب يمثل خطوة محورية في حياة الموظف المهنية، إذ يعكس القيمة الفعلية لمهاراته وخبراته في سوق العمل.
في ظل التنافسية العالية التي تشهدها سوق العمل اليوم، يُعد امتلاك القدرة على التفاوض بشكل فعال على الراتب وسيلة لضمان تحقيق التوازن بين الجهد المبذول والمكافأة المالية.
ولا يقتصر التفاوض على الراتب فقط على تحقيق زيادة مالية، بل يمتد ليعزز شعور الموظف بالتقدير والاحترام من قبل صاحب العمل، مما يؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية والرضا الوظيفي.
إلى جانب ذلك، يُعزز التفاوض الناجح من موقف الموظف في مكان العمل، حيث يسهم في بناء علاقات مهنية قوية تقوم على الثقة والشفافية. كما أن الموظفين الذين يتقنون فن التفاوض يتمتعون بقدرة أفضل على توجيه حياتهم المهنية نحو النمو، لأنهم يدركون كيفية الحصول على المكافآت المناسبة لمساهماتهم.
وبمرور الوقت، يكتسب الموظف الذي يتفاوض بمهارة قدراً أكبر من المرونة والقدرة على التحرك ضمن حدود وظيفية أكثر مرونة.
أما على المستوى الشخصي، فإن مهارة التفاوض على الراتب تمكّن الأفراد من تحسين مستوى معيشتهم وتحديد أهداف مالية تتماشى مع احتياجاتهم وطموحاتهم. ذلك أن الموظف الذي يفاوض بوعي يكون أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار المالي، والذي ينعكس إيجاباً على صحته النفسية وقدرته على التكيف مع التحديات اليومية. فالتفاوض الناجح يمنح الفرد الثقة لتحقيق مكاسب تساهم في تحقيق توازن أفضل بين الحياة الشخصية والمهنية.
في هذا السياق، نقلت "سي إن بي سي" الأميركية، في تقرير اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عن الرئيسة التنفيذية لشركة Crush Your Money Goals، بيرناديت جوي ، قولها إن التفاوض على الراتب ليس سهلاً، خاصةً إذا كنت تعاني من متلازمة المحتال أو تشعري بانعدام الثقة.
هذه النصائح، التي تعتبر أسرار التفاوض التي تعلمتها كمسؤولة توظيف سابقة، ستساعد على التعامل مع هذه العملية بثقة:
- اجعل التفاوض على راتبك عادة سنوية.. واعلم أن تكلفة عدم التفاوض عالية جداً، خاصة بالنسبة للنساء. لذا عليهن أن يطلبن زيادة سنوياً، حتى لو كنت يعتقدن بأن الفرصة غير مواتية. جعل التفاوض عادة سيسهم في زيادة ثروتك ويساعدك على تحقيق الحرية المالية التي تستحقها.
- استخدم رقم دقيق عند طلب الراتب المثالي عند تقديم رقم محدد بدقة في طلب التفاوض.. يترك ذلك انطباعاً لدى مدير التوظيف بأنك قمت بأبحاثك وتملك معلومات دقيقة، مما يجعلهم أكثر استعداداً لتقديم عرض قريب من طلبك. اختار هذا الرقم بناءً على مصادر موثوقة تعرض نطاقات الرواتب لوظيفتك، أو بناءً على احتياجاتك الشخصية. في معظم الحالات، لن يُبدى اعتراض إذا طلبت رقمًا دقيقًا، لأن الطرف الآخر سيفترض أنك قمت ببحثك.
- استخدم سيرتك الذاتية كدليل في التفاوض.. معظم السير الذاتية مليئة بتفاصيل غير ضرورية. بدلاً من العبارات المملة، يجب أن تركز على الإنجازات الفعلية التي تُظهر كيف ساعدت في زيادة الإيرادات أو تقليل التكاليف للشركة. استخدم سيرتك الذاتية كأداة لتذكير صاحب العمل لماذا تستحق زيادة في الراتب.
- القدرة على الرفض هي أقوى أداة في أي تفاوض. عليك أن تكون مستعداً وقادراً على المغادرة إذا كان العرض غير مناسب. معرفة ما يمكنك رفضه، سواء بناءً على احتياجاتكِ المالية أو قيمتكِ السوقية، يمنحك القوة في التفاوض.
فرص التوظيف
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أوضحت الدكتورة حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية، أن سوق العمل تتنوع بين نوعين رئيسيين من فرص التوظيف؛ النوع الأول هو الوظائف ذات الراتب المحدد مسبقًا من قبل صاحب العمل، حيث يتم التفاوض على الراتب بناءً على المهارات التي يمتلكها المرشح والشهادات التي يحملها قبل دخوله إلى العمل.
وأضافت رمسيس أن هذا النموذج شائع بشكل كبير، لا سيما في القطاعات التي تتطلب تخصصات مهمة. أما النوع الثاني فيتمثل في الوظائف التي لا يكون الراتب فيها محددًا مسبقًا، حيث يحاول صاحب العمل تحديد مستوى المهارات المناسب والراتب المستحق من خلال عملية تفاوض متبادلة بين الطرفين.
وأكدت أن هناك مجموعة من العوامل التي يجب على صاحب العمل مراعاتها عند تحديد الراتب، مثل الحد الأدنى للأجور في القطاع المعني، إضافة إلى فرص التفاوض المتاحة للمرشح بناءً على مزايا الشركة، مثل فرص الترقي والنمو، والبدلات المقدمة، والخدمات الإضافية كالتأمين الطبي والعلاج. هذه العناصر تعد محفزات مهمة تُسهم في تعزيز القدرة التفاوضية حول الراتب.
وأشارت أيضًا إلى أن المتقدم للوظيفة يأخذ في الاعتبار عدة عوامل أخرى عند التفاوض، منها الاستقرار المالي للشركة، ومستويات الضرائب المفروضة في الدولة، وغيرها من العوامل المؤثرة. واختتمت بأن الكفاءة والمهارات الفردية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز موقف المتقدم أثناء التفاوض على الراتب وتحقيق نتائج أفضل.
عمليات داعمة للعملية التفاوضية
قال الباحث الاقتصادي ياسين أحمد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن استراتيجيات التفاوض الناجح تعتمد على عدة مهارات أساسية؛ أبرزها القدرة على بناء الثقة وتوطيد العلاقات خلال عمليات التفاوض.
وأوضح أن نجاح بناء الثقة مع الطرف الآخر يسهم بشكل كبير في تهيئة الأجواء ويدفع الأطراف لتقديم مزيد من التنازلات، مما يعزز فرص الوصول إلى اتفاقات مرضية، مشدداً على أن المهارة الثانية تتمثل في الاستماع الفعّال، وهو أمر ضروري لفهم ما يدور في ذهن الطرف الآخر أثناء التفاوض في العمليات المختلفة، بما في ذلك عمليات البيع أو الشراء. فالاستماع الجيد يساعد على تحديد الأولويات والاحتياجات بدقة، ما يسهم في التركيز على نقاط القوة وتسهيل عملية التفاوض.
وأشار أحمد إلى أن التركيز على مصلحة الطرف الآخر والبحث عن نقاط المصالح المشتركة بين الأطراف يُعدّ من أهم المهارات الداعمة للعملية التفاوضية، حيث يساعد هذا التوجه في تحقيق أهداف التفاوض بنجاح.
كما أكد أن التحكم في العواطف خلال المفاوضات هو عامل حاسم في الحفاظ على سير العملية بشكل سلس، مشدداً على أهمية الهدوء والتركيز على القيمة الحقيقية. وأشار إلى أن التحضير الجيد، من خلال جمع المعلومات الكاملة عن الموضوع محل التفاوض، يُعدّ جزءًا لا غنى عنه لضمان نجاح العملية.
تكمن أهمية التفاوض في أنه يُعزز من شعور الاستقلالية لدى الموظف، حيث يتيح له الفرصة للتعبير عن قيمته بوضوح. إن الموظف الذي يدرك كيفية التفاوض على راتبه هو شخص يفهم مدى أهميته في المنظمة ويستطيع بناء مستقبل مهني قائم على الإنصاف والمساواة، مما يفتح أمامه آفاقاً أوسع للترقيات والفرص المستقبلية.
استراتيجيات هامة للتفاوض بشكل عام
وفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد بلال شعيب، مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، أن النجاح في عمليات التفاوض بشكل عام، يتطلب اتباع استراتيجيات هامة وقواعد محددة. وأوضح أن أحد هذه القواعد هو اختيار التوقيت المناسب للتفاوض، أو التوقيت المناسب لشراء سلعة -حال كان التفاوض على سبيل المثال يتعلق بشراء السلع- حيث إن الإقدام على شراء سلع غير متوفرة يقلص من فرص تلبية الاحتياجات المطلوبة بشكل كامل.
وأضاف في هذا السياق أن القاعدة الثانية تتمثل في التركيز على شراء الأولويات فقط، وتجنب الإنفاق على مقتنيات غير ضرورية. وأشار إلى أن القاعدة الثالثة تكمن في الشراء بفترات سداد طويلة، خاصة في ظل التحول الرقمي الذي جعل شركات التكنولوجيا المالية تقدم أسعار فائدة منخفضة مقارنة بمعدلات التضخم المتصاعدة. هذا الخيار، بحسب شعيب، يُعد حلاً مثالياً لمواجهة التضخم الذي يضعف قيمة العملات ويؤثر سلباً على استراتيجيات التفاوض.
كما شدد على أن من الضروري مراعاة الظروف الاقتصادية الحالية، خصوصاً في ظل فترات الركود، حيث يتطلب الأمر معدلات دوران سريعة لتغطية التكاليف الثابتة وتحقيق الربحية المطلوبة في عمليات البيع.