تُعد مسألة الشعور بالثروة والرضا المالي من القضايا الجوهرية التي تؤثر في حياة الأفراد في المجتمع الحديث. حيث يربط الكثيرون مفهوم الثراء بتحقيق دخل معين أو توافر أموال في الحسابات البنكية.
وتتأثر مشاعر الأفراد حيال وضعهم المالي بالعديد من العناصر، بما في ذلك المعتقدات الخاصة حول المال وأسلوب الحياة والمصادر المتاحة.
وبالتالي، يتطلب الأمر إعادة التفكير في كيفية فهم الثروة، والبحث عن طرق لتعزيز الشعور بالرضا المالي من خلال تحديد الأهداف الاستثمارية المناسبة، وتبني استراتيجيات تساهم في بناء مستقبل مالي مستدام.
تقرير لشبكة "سي إن بي سي" اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، أشار إلى أن الكثير من الأميركيين يعتقدون بأنهم بحاجة إلى تحقيق مبلغ معين من المال ليشعروا بالثراء.
ومع ذلك، حتى إذا بلغوا هذا الهدف أو تجاوزوه، قد يشعرون بخيبة أمل لاكتشاف أنهم لا يزالون غير راضين عن أوضاعهم المالية، حسبما قال المؤسس المشارك لمعهد علم نفس المال وأستاذ في جامعة ولاية آيوا، تشارلز تشافين.
وأضاف تشافين: "الخطأ الشائع هو الاعتقاد بوجود رقم معين، وعندما يصل الناس إلى ذلك الرقم، سيشعرون فجأة بالثراء، إن الثروة تجربة ذاتية، وهي أكثر من مجرد مقدار المال الذي تمتلكه".
وحتى الملايين من الدولارات لا تجعل الأشخاص دائمًا يشعرون بالراحة المالية، وفقًا لبيانات حديثة من دراسة Northwestern Mutual لعام 2024 حول التخطيط والتقدم.
حيث وجدت الدراسة أن 32 بالمئة فقط من الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم مليونيرات يرون أنفسهم أغنياء.
بينما قد تلعب الأسعار المرتفعة للسلع اليومية وعوامل اقتصادية أخرى دورًا، فإن العوامل مثل المعتقدات الداخلية حول المال يمكن أن تؤثر أيضًا على ما إذا كنت تشعر بالثراء، بغض النظر عن مقدار المال في حسابك البنكي، كما يقول تشافين.
"كن حذرًا من هوسك بنفقاتك"، كما قال تشافين، والذي أوضح أن الأشخاص الذين يصبحون مليونيرات يميلون إلى أن يكونوا "يقظين ماليًا".
اليقظة المالية هي واحدة من أربع نصوص مالية ابتكرها علماء النفس الماليان براد وتيد كلونتز. إذ يميل الأشخاص الذين يتمتعون بيقظة مالية إلى تحليل دقيق للمبالغ التي تتدفق إلى حساباتهم وتخرج منها.
ووفق تشافين فإنهم يراقبون إنفاقهم بدقة، وقد كانت هذه واحدة من نجاحاتهم الكبيرة. لكن المشكلة هي أنهم يشعرون أنهم ليسوا في أمان بعد.
وسواء كنت مليونيرًا أم لا، من الضروري مراقبة نفقاتك لتجنب العيش فوق إمكانياتك. ولكن التركيز المفرط على إنفاقك قد يشوه إدراكك لوضعك المالي وقد يجعلك تعتقد أنك لست مرتاحًا كما هو الحال، إذا لم تكن حذرًا.
ووفق التقرير، فسواء كنت تسعى لتوفير المزيد من المال أو زيادة دخلك العام، من المهم أن تسأل نفسك عن ما تأمل في تحقيقه من خلال الحصول على المزيد من المال، وفقًا لتشافين. وإلا، إذا لم تغير معتقداتك الداخلية عن المال، قد تظل تشعر بالقلق بشأن المال حتى لو حققت حالة المليونير.
وبالتالي، فإذا كنت قادرًا على تغطية احتياجاتك اليومية ولديك صندوق طوارئ ممول بالكامل، فمن المحتمل أنك آمن ماليًا. ولكن إذا كنت لا تزال لا تشعر بالرضا عن وضعك المالي، فقد حان الوقت لإعادة تقييم ما تعنيه الثروة بالنسبة لك، كما يقول تشافين.
وبدلاً من مجرد السعي لتصبح مليونيرًا، يمكنك تحديد هدف لكسب ما يكفي من المال لمساعدة عائلتك أو حتى لتتمكن من ترك وظيفتك للسفر حول العالم، فالشعور بالثراء ليس دائمًا مرتبطًا بمبلغ مالي معين.
مفهوم الثراء
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، أن "حد الثراء" يُعبر عن قدرة الفرد على تحقيق دخل ثابت من خلال استثمارات متنوعة. وأوضح أن هذا الدخل يمكن أن يتحقق من خلال الأصول الثابتة التي تدر عوائد مستمرة، دون الارتباط بضرورة وجود عمل تقليدي للفرد.
كما أشار إلى أن الاستثمار في الأسهم الخاصة بشركات كبرى يُعد من الطرق الفعالة للحصول على دخل إضافي دون الحاجة للمشاركة الفعلية في إدارة تلك الشركات.
وأضاف شعيب أن امتلاك هذه النماذج وغيرها من البدائل الاستثمارية التي تضمن تدفق العوائد المالية يمثل الطريق نحو الثراء المالي. وأكد أن الأفراد الذين يعتمدون على نماذج العمل التقليدية، والتي تتطلب وجودهم في مكاتب لفترات زمنية ثابتة، يواجهون صعوبات وتحديات أكبر في تحقيق هذا المستوى من الثروة.
وأشار إلى أهمية تفرغ الأفراد في المهام المستهدفة، حيث إن ذلك يعزز من قدرتهم على اكتساب مهارات متنوعة ويؤدي إلى تحقيق حرية وثقافة مالية تسهم في زيادة دوافعهم وبذل المزيد من الجهود لتحقيق أهدافهم العملية. وأوضح أن الاستثمار يعتمد على وجود عنصرين أساسيين: السيولة والأفكار القابلة للتنمية مستقبلاً.
واستطرد: "إن تنويع الاستثمارات واتباع استراتيجيات متعددة تعزز من تحقيق العوائد المالية، مما يدعم الشعور بالرضا لدى الأفراد ذوي السيولة المالية".
كما نبه إلى أن عدم التوسع في الاستثمارات والاقتصار على المعدلات الحالية قد يؤدي إلى تفاقم مشكلات السيولة المتاحة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تشهد ارتفاع معدلات التضخم وزيادات الأسعار المستمرة.
وأكد أن هذا الوضع يتطلب من الأفراد العمل على سرعة دوران السيولة بهدف تحقيق عوائد تتناسب مع تلك الظروف وتحقيق مضاعفة لقيمتها عبر قنوات استثمارية متنوعة.
تنويع الاستثمارات
وإلى ذلك، أكدت الخبيرة الاقتصادية، الدكتورة حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن مفهوم الوصول إلى حد الثراء يُعبر عن قدرة الفرد على تحقيق عوائد استثمارية خلال الفترات غير الرسمية للعمل، من خلال استثمارات متنوعة.
وأضافت أن تحقيق حد الثراء يتطلب قدرة الفرد على توظيف السيولة المالية ضمن دورة مالية من خلال قنوات استثمارية متنوعة، تضمن تحقيق عوائد مستمرة. وأشارت إلى أن عدم شعور بعض أصحاب الملايين بالرضا، رغم ثرواتهم، يعود إلى غياب قنوات استثمارية تدر عوائد إضافية فوق العوائد الثابتة التي يمتلكونها.
لكنها أوضحت في الوقت نفسه أن اعتماد الأفراد على العوائد الثابتة من السيولة يمكن أن يصبح خطرًا في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الأموال. وأكدت أن توفر قنوات استثمارية تتيح تحقيق عوائد متنوعة وإضافية أصبح ضرورة ملحة.
وفي سياق متصل، سلطت الضوء على التحديات الاقتصادية التي نشهدها حاليًا، مثل ارتفاع مستويات الأسعار وعدم استقرار الأوضاع السياسية، مشددة على أهمية تنويع الاستثمارات لتحقيق عوائد إضافية ومضاعفتها. وأكدت أن ذلك يعزز قدرة الأفراد على مواجهة تلك التحديات ويمنحهم شعورًا بالأمان المالي.
كما أكدت على ضرورة أن يحدد أصحاب الأموال عدة أهداف ويتجهوا نحو مشاريع استثمارية مختلفة، مما يسهم في خلق حالة من الرضا والشعور بالنجاح عبر تحقيق مكانة اجتماعية واقتصادية جيدة.