يُمكن أن يشعر عديد من الموظفين أحياناً بعدم الثقة في قدراتهم لمواكبة المتغيرات في شركاتهم، وهذا ينطلق أيضاً على الأشخاص في أعلى درجات سلم الشركة، ممن قد لا يشعرون دائماً بالثقة أو أنهم يستحقون نجاحهم هذا.
ويؤكد هذا نتائج استطلاع حديث أجرته شركة كورن فيري لحوالي 400 مدير تنفيذي، توصل إلى أن نسبة تصل إلى 71 بالمئة من الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة "يعانون من متلازمة المحتال".
ومتلازمة المحتال هي شعور غير مبرر بالشك في القدرات والإنجازات الشخصية، رغم الأدلة القوية على النجاح والكفاءة. ويشعر الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة بأنهم محتالون أو مخادعون، ويعتقدون بأن نجاحاتهم هي نتيجة للحظ أو ظروف خارجية بدلاً من الجهد والمهارات الحقيقية.
أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم التحديات طويلة الأمد التي يواجهها المديرون التنفيذيون في الإدارة العليا، وحتى بعد مرور أربع سنوات، يكافح القادة للتعامل مع التغيير الهائل الذي أحدثته هذه الجائحة في مكان العمل.
يتعامل المسؤولون التنفيذيون مع الكثير من الأمور الأساسية، والتي حفز الوباء الكثير منها، وأبرزها: الاعتماد المتسارع على الذكاء الاصطناعي والأتمتة، ومقاومة الموظفين للعودة إلى المكتب، والركود الاقتصادي، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة Ferry Consulting، مارك أريان، وفق ما نقلته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية في تقرير لها.
في الماضي، ربما واجه الرؤساء التنفيذيون تغييراً أو اثنين من التغييرات الرئيسية في مشهد الأعمال خلال فترة عملهم، ولكن لم يكن هذا القدر من التغيير، ولم يحدث في وقت واحد أبداً، بحسب أريان، الذي يعتقد بأن هذه التغيرات المتزامنة "تخلق ضغطاً هائلاً على الشخص الذي يتولى قيادة المؤسسة".
- كان بعض الرؤساء التنفيذيين ينتظرون العودة إلى الوضع الطبيعي (بعد كورونا) والتي ثبت أنها بعيدة المنال وسط ارتفاع معدلات التضخم بشكل عنيد والمناخ الاقتصادي غير المؤكد.
- إضافة إلى الضربة المزدوجة المتمثلة في قلق المستهلك والضغوط الجيوسياسية، فإن قيادة مؤسسة ما إلى النجاح تبدو "شبه مستحيلة"، كما يقول أريان.
تحديات أوسع
ويشير التقرير إلى أنه خلال وباء كورونا، انخرط المزيد من الرؤساء التنفيذيين في الأمور التشغيلية مثل وضع إرشادات للعمل من المنزل وإعادة تصميم المكاتب لإقناع الموظفين بالقدوم، موضحاً أن عبء العمل الإضافي، بالإضافة إلى محاولة مواكبة مشهد الأعمال المتغير بسرعة، قد أثر على القادة.
ويوضح التقرير أن الرؤساء التنفيذيين "يستقيلون بمعدلات قياسية"، فقد ارتفعت معدلات دوران الرؤساء التنفيذيين على مستوى العالم في الربع الأول من العام 2024، مع مغادرة 51 رئيساً تنفيذياً وتعيين 68 جديدًا بين الشركات المدرجة في مؤشرات الأسهم العالمية مثل S&P 500 وFTSE 100 وغيرها، حسبما أفادت شركة Russell Reynolds Associates، وهي شركة استشارية قيادية.
وما يشير إليه التحليل باسم "تعيينات الرؤساء التنفيذيين الفاشلة"، أو الرؤساء التنفيذيين الذين استمروا أقل من عامين، كان يمثل 15 بالمئة من الرؤساء التنفيذيين المنتهية ولايتهم في أوائل عام 2024.
لكن في حديث مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، اعتبر خبيران اقتصاديات متخصصان، أن المتغيرات التي يفرضها الـ AI بشكل خاص ربما تكون الأكثر خطورة على بالنسبة للمدراء التنفيذين، ممن عليهم عبء التعامل مع الفرص والتحديات الجديدة التي تفرضها تلك التقنيات المتسارعة، ومسايرة هذا التطور الذي يحدث بشكل سريع جداً.
تغيرات جذرية
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي ومحلل ذكاء الأعمال، ياسين أحمد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن قطاع الأعمال شهد تغيرات جذرية وهيكلية خاصة من العام 2008 حتى وقتنا هذا لعدة أسباب وهي:
- الأزمة المالية العالمية وتداعياتها.
- جائحة كورونا التي أعادت صياغة قواعد عالم الأعمال ونتجت عنها عنها مجموعة من التحديات.
- التحديات الناتجة عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأضاف: "هذه التحديات أسهمت في تعقيد مهمة إدارة الشركات على المدراء والرؤساء التنفيذيين، وهذا ما يتطلب أن يكون لديهم مبدأ المرونة المتعارف عليه في الشركات، والذي اكتسب أهمية كبرى مع مرور الزمن في عالم الأعمال، ولكنه يشير بشكل أساسي إلى قدرة الشركات على العمل وسط عالم مليء بالتقلبات والتحديات".
وتحدث الخبير الاقتصادي عن أن كثيراً من المسؤولين والمدراء التنفيذيين يكافحون من أجل استيعاب جملة المتغيرات التي طرأت على سوق العمل، وبعضهم لا يستطيع ذلك، مشدداً على أن من بين أهم تلك المتغيرات ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي وقدراته، لا سيما وأنه "في الوقت الحالي أصبح الذكاء الاصطناعي ضرورة في حوكمة الشركات،من خلاله يمكن اكتشاف عمليات الاحتيال، وبالتالي تحسين الإطار العام لحوكمة الشركات".
ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة أداء المديرين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة ومختلف العاملين، مما يمكّن الشركات من تقييم أدائها بشكل أفضل واتخاذ ما يلزم وبالتالي قد يكون هذا عاملًا في ارتفاع معدل استقالة كثير من المدراء التنفيذيين ممن يشككون في قدراتهم على مسايرة الوضع.
وتطرق أحمد إلى النتائج المتوقعة لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الشركات، ومنها:
- القلق المتزايد من فقدان الوظائف، وفقدان الخصوصية والأمان.. وأيضاً التحيز إلى طرف على حساب آخر.
- في حالة دمج الذكاء الاصطناعي في الأعمال بشكل مباشر سوف ينتج عنه التخلي عن الموظفين.
- احتمالية غياب التواصل الاجتماعي بين المديرين والموظفين والذي يتم في بيئة الأعمال كالتعاون والتضامن بين الأفراد.
- تعزيز العزلة الاجتماعية وأثرها على التواصل بين الأفراد وصعوبة الاندماج في المجتمع.
مسؤوليات أكثر!
ويواجه الرؤساء التنفيذيون في بيئات العمل المتغيرة كتلك، مسؤوليات أكبر، ترتبط أيضاً بتطلعات الموظفين من الدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء القادة كأصوات مسموعة في المجتمع، وهو ما يُحمل كثيراً منهم أعباءً إضافية.
وبحسب التقرير المشار إليه، فإن الناس يتوقعون على نحو متزايد أن يتخذ قادة الأعمال مواقف عامة بشأن القضايا السياسية والاجتماعية الشائكة.
في الولايات المتحدة، يقول 70 بالمئة من العمال إنهم يتوقعون أن يتخذ الرؤساء التنفيذيون موقفا عاما بشأن الهجرة، ويتوقع 74 بالمئة منهم أن يتحدثوا عن تغير المناخ، وفقا لاستطلاع أجراه إيدلمان عام 2022 وشمل أكثر من 1000 شخص.
يأتي ذلك في وقت تتمتع فيه الشركات ومديروها التنفيذيون بتاريخ طويل في الضغط على الحكومة للتأثير على التشريعات. ولكن خلال الوباء، ومع تعثر الثقة في وسائل الإعلام والقادة الحكوميين، يشير أريان إلى أن الناس بدأوا يلجأون إلى الرؤساء التنفيذيين كأصوات قيادية موثوقة - وهي مسؤولية لا يشعر جميع المديرين التنفيذيين بالارتياح تجاهها.
ويوضح أريان قائلاً: ”لقد فقد الناس الكثير من الثقة في قادتنا الحكوميين، ولملء هذا الفراغ، فإنهم يتطلعون الآن إلى الرؤساء التنفيذيين باعتبارهم حاملي القيم الجيدة والثقافة والقيادة الجيدة".
ويضيف: القادة الأكثر نجاحًا هم الذين يمكنهم التكيف بسرعة مع متطلبات الموظفين المتغيرة وسلوك المستهلك.
بيئة متغيرة
وقال مدير مركز الغد للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- إن التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي تحديات تواجه الشركات خصوصا في الدول النامية، مقارنة بالدول المتقدمة التي طوعت تلك التقنيات لخدمة أهدافها وتطوير بيئة العمل في الشركات العاملة بها.
- في ظل بيئة متغيرة كهذه قد ترتفع معدلات "ترك العمل" في كثير من الشركات لعدم القدرة على مسايرة المتغيرات.
- يصاحب ذلك اختفاء الكثير من فرص العمل والمناصب التي كانت معروفة في الشركات في الفترة المقبلة مع نمو دور الذكاء الاصطناعي، وهذا أيضاً ستتبعه مجموعة من الوظائف المستحدثة والتي ستقلل فكرة الاعتماد على العنصر البشري على مستوى الدول المتقدمة.
- على مستوى الدول النامية فاستخدام تقنيات العمل الحديثة والذكاء الاصطناعي سيستغرق بعض الوقت، نظرا لسيطرة الثقافة التقليدية على هذه المجتمعات والتي تفضل أساليب العمل الروتيني ولن تتخلص منه في ليلة وضحاها.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن هذا الوضع الحال يتطلب ضرورة تطوير العنصر البشري بشتى السبل حتى يتوائم مع التغيرات التي تشهدها سوق العمل بما لا يخل من دور الفرد في هذه المنظومة التي سيغلب عليها الطابع الرقمي، مؤكداً أن استخدم هذه التطورات حالياً أصبح أمراً لا مفر منه.