بينما يمثل القرار الأميركي بإسقاط مساعدات إنسانية جوا على سكان غزة إغاثة مؤقتة لمئات الآلاف من الفلسطينيين فاقدي الأمل في نهاية مأساتهم، فإنه يعكس عجز واشنطن المتنامي عن إقناع إسرائيل بتغيير نهجها في الحرب التي تقترب من إتمام شهرها الخامس.
وحسب تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، فإن قرار الرئيس جو بايدن بتقديم مساعدات إلى الغزاويين عبر الجو يقول الكثير عن علاقته المتوترة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتأثيره الضعيف للغاية على صناع القرار الإسرائيلي.
فعندما ترسل الولايات المتحدة طائرات عسكرية لإسقاط الغذاء والماء والدواء وغيرها من المساعدات للمحتاجين، فإنها تفعل ذلك عادة في مناطق تسيطر عليها الجماعات الإرهابية أو الأنظمة المعادية، لا الحلفاء المقربون مثل إسرائيل.
ومع ذلك، فإن نحو 5 أشهر من الضغط على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، حيث نزح حوالي 80 بالمئة من السكان وتلوح المجاعة في الأفق، لم تسفر إلا عن نتائج محدودة.
وحتى بايدن، الذي يرفض إلقاء اللوم على إسرائيل في تعطيل إدخال المساعدات، اعترف علنا يوم الجمعة أنه يجب إدخال المزيد من مواد الإغاثة إلى قطاع غزة.
وقال بايدن: "الحقيقة هي أن المساعدات المتدفقة إلى غزة ليست كافية الآن. حياة الأبرياء وحياة الأطفال على المحك. يجب أن تستقبل غزة مئات الشاحنات، وليس عدة شاحنات فقط".
وأتت تصريحات بايدن بعد مقتل أكثر من 100 فلسطيني، الخميس، أثناء توزيع مساعدات شمال قطاع غزة.
وقال شهود عيان إن جنودا إسرائيليين أطلقوا النار على حشد كان يتجمع حول شاحنات مساعدات إنسانية في مدينة غزة، بينما أكد مسؤول في الجيش الإسرائيلي حدوث "إطلاق نار محدود" من جانب الجنود الذين "شعروا بالتهديد"، وتحدث عن "تدافع قتل وأصيب خلاله عشرات السكان، ودهست شاحنات المساعدات بعضهم".
وبالنسبة لمراقبي الحرب بين إسرائيل وحماس عن كثب، فإن خطوة إسقاط المساعدات من السماء تشير إلى أن بايدن لا يستطيع إقناع نتنياهو ببذل المزيد من أجل تخفيف معاناة الفلسطينيين، ولو بقدر ضئيل.
وقال منسق المساعدات الإنسانية السابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ديف هاردن، لـ"بوليتيكو": "إننا نبدو ضعفاء بنسبة 100 بالمئة. مسؤولو الإدارة الأميركية يفعلون ذلك (إسقاط المساعدات) فقط ليُشعروا أنفسهم بالتحسن".
ولم يستجب مجلس الأمن القومي على الفور لطلب التعليق على هذا التصريح، لكن خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة وافق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي على تقييم بايدن.
وقال كيربي: "لم نتمكن من تلبية الاحتياجات. لا تصل المساعدات الكافية إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها في غزة. إنه لا يحدث بالسرعة الكافية أو بالكميات التي نحتاجها".
وأصر هاردن على أنه "من الأفضل للولايات المتحدة أن تضغط على إسرائيل للسماح لشاحنات أخرى بالمرور عبر المعابر".
وتابع المسؤول الأميركي السابق: "الإنزال الجوي أمر غبي وباهظ الثمن وغير فعال. إنه أكثر رمزية ويجعل الإدارة الأميركية تشعر بالرضا لأننا فعلنا شيئا ما".
ووافق السيناتور كريس فان هولين، الديمقراطي من ولاية ماريلاند الذي يدعم قرار بايدن، على أن ما يمكن توفيره بالطائرات وحدها "قطرة في دلو لما هو مطلوب من أجل إبعاد خطر المجاعة الوشيكة" التي تداهم سكان غزة.
ومع ذلك، أضاف عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن ذلك "يبعث بالرسالة الصحيحة، بما في ذلك حقيقة أن الولايات المتحدة سئمت تماما تقييد حكومة نتنياهو دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لدرجة أنه واشنطن يتعين عليها أن تفعل ذلك بنفسها".
ولدى الولايات المتحدة طرق عدة للتأثير على سلوك إسرائيل في الحرب، على رأسها وضع شروط على تقديم المساعدات العسكرية لها.
ولطالما اقترح الديمقراطيون في الكونغرس أن يوقف بايدن مبيعات الأسلحة الجديدة لإسرائيل حتى يعالج نتنياهو الأزمة الإنسانية في غزة، لكن كيربي، الذي يدرك أن الولايات المتحدة تجري محادثات مع إسرائيل بشأن تسليم شحنة أسلحة جديدة، أكد الجمعة مجددا أن الولايات المتحدة "ستواصل دعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس".
وقال الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر: "ما يجعل الأمور أكثر حيرة أننا نفعل ذلك بينما نواصل إرسال الأسلحة إلى الجيش نفسه المسؤول عن إجبارنا على إجراء عمليات إسقاط جوي للمساعدات".
واعتبر ليستر أن "اضطرار الولايات المتحدة إلى حشد الموارد العسكرية لإسقاط مساعدات جوا إلى غزة رمز مذهل لمدى القيود الصارمة التي تفرضها إسرائيل على دخول هذه المساعدات".