أماط تقرير جديد اللثام عن مفاجأة "غير سارة" للبريطانيين، بعدما أظهر تجاوز إسبانيا المملكة المتحدة كوجهة مفضلة لمستثمري الفنادق هذا العام، بعد سلسلة من صفقات الضيافة الكبيرة في الدولة الواقعة في جنوب أوروبا.
تُظهر نتائج مسح أجرته CBRE العقارية تراجع المملكة المتحدة إلى المركز الثاني بعد أن كانت على رأس قائمة المستثمرين في عامي 2017 و2018 (عندما أجريت استطلاعات سابقة).
وتعد إيطاليا وفرنسا واليونان كذلك من بين أفضل خمس وجهات لنشر رأس المال بالقطاع هذه السنة، وفقاً لمسح العام 2024 الذي شمل أكثر من 60 مستثمراً، بما في ذلك أصحاب الفنادق والمطورين والصناديق الخاصة.
وقال رئيس فنادق CBRE في أوروبا، كينيث هاتون: "تزدهر إسبانيا بفضل أرقام السياحة القياسية والأداء التشغيلي القوي لمشغلي الفنادق.. يرى المستثمرون الفرصة في إسبانيا، سواء بالمدن الساحلية أو الحضرية"، بحسب ما نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
- يسلط الاستطلاع الضوء على الازدهار في قطاع الضيافة على نطاق واسع والذي أدى إلى العودة إلى عقد الصفقات بعد الوباء.
- يخطط أكثر من ثلثي المستثمرين الذين شملهم الاستطلاع لتخصيص المزيد من رأس المال للصفقات في قطاع الضيافة بسبب الأداء التجاري الجيد والتوقعات بتحسن شروط الإقراض إذا انخفضت أسعار الفائدة.
- تأتي هذه النتائج في أعقاب سلسلة من المعاملات الكبيرة في إسبانيا العام الماضي.
- بلغ إجمالي الاستثمارات هناك 4.1 مليار يورو، أي أعلى بنسبة 30 بالمئة عن العام السابق وبزيادة 70 في المائة عن عام 2019.
ما أسباب تراجع المملكة المتحدة؟
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء تراجع مناخ الاستثمار في المملكة المتحدة، وهي:
- الآثار الممتدة لخروج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة، وما لذلك من تداعيات سلبية على البنوك والشركات والأفراد، علاوة على هجرة الاستثمارات إلى دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا.
- جائحة كورونا التي شلت الاستثمار والاقتصاد واستنزفت الحركة الاقتصادية، كما أثرت على قيمة الجنيه الاسترليني (..).
- الحرب في أوكرانيا، التي أدت لرفع أسعار المواد الغذائية والطاقة بشكل غير مسبوق، مما أدخل البلاد في حالة تضخم كبيرة، الأمر الذي قاد بدوره إلى رفع أسعار الفائدة 14 مرة، وهذا أثر على الكثير من الشركات والمستثمرين خاصة في قطاعات العقارات والخدمات، علاوة على توافر مناخ استثماري جاذب في دول أخرى في آسيا وأميركا اللاتينية وبعض دول أوروبا والشرق الأوسط، لتتجه الاستثمارات نحوها.
واستدل على ما سبق بانخفاض الاستثمار في الشركات الناشئة بأكثر من 30 بالمئة العام الماضي وبلغ 21.3 مليار دولار مقارنة بـ31.3 مليار دولار في العام 2022، مشيرًا إلى أن الانخفاض الأكبر كان في قطاع التقنية المالية حيث بلغ التمويل خمسة مليارات دولار في عام 2023 بانخفاض 65 بالمئة عن 2022.
وأكد أن عودة الاستثمار إلى بريطانيا تستغرق عدة سنوات بسبب المنافسة العالمية وصعود أسواق ناشئة مثل دول البريكس، إضافة إلى أن البلاد بحاجة إلى خفض أسعار الفائدة، وتقديم تسهيلات جديدة للمستثمرين، والتركيز على الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والطاقة الخضراء، ومصادر الطاقة.
تفوق أسباني
- استقبلت إسبانيا رقما قياسيا بلغ 85.1 مليون زائر أجنبي في العام 2023، بزيادة 19 بالمئة عن عام 2022 وبزيادة 2 في المائة عن عام 2019 قبل الوباء.
- وقال الاستطلاع إن الاستثمارات الفندقية تمثل النسبة الأكبر من 36 بالمئة من إجمالي حجم الاستثمار العقاري التجاري في إسبانيا، مقارنة بـ 18 بالمئة في العام السابق.
- في الوقت نفسه، انخفض حجم الاستثمار الفندقي في المملكة المتحدة العام الماضي بنسبة 38 بالمئة إلى 2.2 مليار يورو، بانكماش بنحو 70 بالمئة عن مستويات ما قبل الوباء.
- وفي استطلاع على مستوى المدن، حافظت لندن على مركزها الأول، لكن مدريد صعدت إلى المركز الثاني بعد أن تفوقت على باريس التي تستضيف الألعاب الأولمبية في الصيف.
وقال هاتون إن انخفاض أحجام الاستثمار الفندقي في المملكة المتحدة "لم يكن نتيجة لقلة الاهتمام، بل الحد الأدنى من المنتجات التي تم طرحها في السوق".
وقد أدى تقلب أسعار الفائدة بسبب التضخم إلى جعل المستثمرين متوترين في إبرام الصفقات، حيث تم منع عرض العقارات للبيع في انتظار مزيد من الاستقرار. وكان المشترون حذرين أيضًا، خوفًا من ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وأضاف أن "التوقعات طويلة المدى لأعداد السياحة في أوروبا تشير إلى أن مستويات العرض المتوقعة [في المنطقة] لن تكون كافية لتلبية هذا الطلب".
الأداء الاقتصادي الضعيف
بدوره، أوضح الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن أداء الاقتصاد البريطاني هو الأضعف بالنسبة للدول الأوروبية، مشيرًا إلى أن أدائه خلال آخر عامين من التعافي من جائحة كورونا كان أضعف من الاقتصادات الأخرى.
وأشار إلى أنه على سبيل المثال من أبرز المؤشرات على ذلك أن سوق الأسهم في أوروبا خاصة في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وصلت إلى أرقام أعلى من بريطانيا.
وشدد على أن ضعف الاقتصاد في بريطانيا وكذلك ارتفاع نسبة التضخم عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي وكذلك عدم الوصول إلى اتفاق تجاري بينها وأوروبا كلها أسباب وراء تراجع الاستثمارات فيها، مشددًا على ضرورة أن يكون هناك تبادلًا تجاريًا بينها وبقية الدول الأوروبية بشكل أوسع.
مشكلات داخلية وخارجية
وإلى ذلك، قال عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن بريطانيا لم تعد دولة جاذبة للاستثمار الخارجي، في ظل وجود مشكلات داخلية وخارجية.
واستعرض بعض العوامل التي دفعت المستثمرين التوجه نحو دول أخرى لضمان استثماراتهم فيها، ومنها:
- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية، خاصة وأن بانفصالها هذا لم تصبح بالقوة التي كانت عليها قبل ذلك.
- تورط بريطانيا في الحرب في أوكرانيا بشكل صريح خاصة بعد عقدها اتفاق أمني مع كييف والعمل على إرسال قوات إليها، وهو ما يعني إعلاناً للحرب ضد روسيا.
- استيعاب بريطانيا لكم كبير من اللاجئين من أوكرانيا إضافة إلى اللاجئين غير الشرعيين.
- التراجع والضعف الاقتصادي إضافة إلى المشاكل الاقتصادية الداخلية على رأسها ارتفاع معدلات التضخم.
- التوترات السياسية وتراجع قوة ومكانة حزب المحافظين الحاكم، إضافة إلى أن حزب العمال المعارض والذي يجهز لأن يكون بديلًا ليس بالمستوى والقوة التي تشجع على جذب الاستثمار.